بقلم : فهد سليمان الشقيران
جزءٌ أساسيٌ من تناولنا الكثيف للموضوع اللبناني راجعٌ لما يتماس به مع جماعات الإسلام السياسي؛ عمل «حزب الله» بلبنان وضع البلد كله على مشرط النقد وبعث الأسئلة المقموعة حول دور الحزب وعلاقاته وأدواره المدمرة. منذ أن دلف الحزب بقوة في الإدارة اللبنانية وهو ينسج الأساطير المدنية حول عمله السياسي، وراح يتحالف مع أعتى الخصوم في البدايات كما في التحالف الرباعي، ولكن كل ذلك كان مجرد مدخل لما يبطنه من مشروع أعلى من لبنان وأكبر من احتمال اللبنانيين.
كان اتفاق مار مخايل الأكثر مخاتلة، أراد من التيار الوطني الحر الشرعية المسيحية مقابل تعبيد طريقه نحو الرئاسة مستعيناً بالمحور الإيراني، تم الاتفاق ونجحت استراتيجية «حزب الله» «لكم الرئاسة ولنا الجمهورية»؛ ووقع التيار بشر أعماله، اندمج التيار بالحزب حتى لا تكاد تفرق بين كوادرهم إلا باللهجات والإشارات والعلامات، أما بقية المواقف فهي متطابقة تماماً.
لم تكن سخرية تلك العبارة التي كتبتُها في صفحات التدوين: «حزب التيار الوطني الحر، أول تيار مسيحي يندرج ضمن دراسات وأبحاث حركات الإسلام السياسي، بسبب تحالفه وعمله واندماجه مع (حزب الله)، وعليه لا بد من دراسته وبحثه ضمن روافد الحركة الإرهابية في عالم اليوم».
بل تثبت الأحداث يومياً أن «حزب الله» ركب التيار واستفاد منه وجعله مطيةً لمشروعه في المنطقة، بل وشرّعا لتيار له تدخلاته باسم النأي بالنفس، فلم يدن أي عدوانٍ من «حزب الله» على سوريا واليمن والبحرين والكويت، والعجيب أن جبران باسيل في حواره الأخير مع جريدة القبس أراد أن يداويها فأعماها.
لنأخذ ما يهمّنا من الحوار الفقير، يقول باسيل وهو يجيب عن علاقته بـ«حزب الله»: «الفصل بين موقف لبنان الرسمي وموقف (حزب الله) ضروري، وعدم التمييز بين (حزب الله) و(التيار الوطني الحر) مشكلة أخرى. في الأمر استهداف لنا وتجنٍ، نعم يربطنا تفاهم مع الحزب، ولكننا لا نتفق على مجمل الأمور، السيد حسن نصر الله أعلن مراراً أنه ذهب إلى سوريا وغير سوريا من دون أخذ موافقة أحد، وهذا موضع خلاف معه».
ثم يضيف: «نتفق مع الحزب في حربه ضد العدو الإسرائيلي والإرهاب، ونختلف معه في مواضيع أخرى لا تتوافق مع مصلحة لبنان. وأقول بصراحة، أنا فعلاً لا أعرف حجم تدخل الحزب في اليمن، وأعتقد أنه باستطاعة إيران التحرك في اليمن بمعزل عن حاجتها لـ(حزب الله)».
بعد كل الدمار الذي سببه الحزب للكويت، طوال أربعين عاماً يطلب باسيل من الكويتيين التدخل لحل الأزمة مع لبنان، ثم يزعم استقلالية تياره عن الحزب حين يقول: «لبنانيون كثر يعملون لمصلحة دول خارج الإجماع الوطني. لكن الضوء مسلط اليوم على (حزب الله) بسبب قوته وحجمه الإقليميين. التيار الوطني مستقل، ولا يتبع أي دولة، وقادرون على لعب دور إيجابي. يحسبوننا على (حزب الله) وهذا غير صحيح، نحن معه في حربه على إسرائيل، لكن الخلافات في السياسة واضحة وأقولها بصراحة، في الإقليم يتكرس انتصار فريق على آخر، ومع ذلك لا نريد أن ينعكس هذا الانتصار ويجد ترجمته في لبنان».
يعلق الأكاديمي الكويتي محمد الرميحي على هذه اللغة في حوار باسيل بقوله: «لو كانت هناك إجابة عن هذا السؤال لاستطعنا الإجابة عن الأول! أما القول المبطن والمثير فهو قول السيد باسيل: (في الإقليم يتكرس انتصار فريق على الآخر... ومع ذلك لا نريد أن يتكرس هذا الانتصار). قول واضح لمن يريد أن يعرف أين يقف السيد باسيل (لبنان الرسمي وهو مكون كبير فيه) مع أي طرف في الإقليم، هو يرى أن ذلك الطرف منتصر، كم من الأوهام يعتنقها السيد باسيل! أما العقوبات الأميركية التي طبقت على السيد باسيل فهو مقتنع أنه يستطيع رفعها في التو واللحظة (إذا اتحذ موقفاً معادياً لـ«حزب الله»)! وذلك وهم آخر، فلم يكن كل من تعامل مع (حزب الله) من سياسيي لبنان عرضة لفرض عقوبات عليهم، العقوبات فرضت لأسباب أكثر وأكبر من العلاقة بـ(حزب الله)! ما يوجع في هذه المقابلة أن السيد باسيل يطلب توسط الكويت في الإشكال القائم بين لبنان (القندهاري) وبين دول الخليج، وهو يعرف أن الكويت قد أعلنت موقفها ضد تقاعس (الدولة اللبنانية) أمام تغوّل (حزب الله) على اللبنانيين في الداخل وعلى آخرين بعيدين وقريبين».
تثبت الأحداث أن التيار يكن العداوة للخليجيين، لم يطرح أي موقف حقيقي يثبت به التيار أخوته الفعلية لا الكلامية مع دول الخليج، بل على العكس حمت الخارجية اللبنانية آنذاك وكانت بزمام باسيل الصواريخ الحوثية، ولم يبد أي موقف يمكنه إثبات حسن النوايا.
يلتقي التيار مع «حزب الله» بالتقديس الكبير لإيران، كوادره يكيلون المدائح لإيران ولكنهم لا يشعرون بضرورة الخليج إلا عبر الاستفادة القصوى منه بالمال والأعمال، لكن المواقف الحقيقية يبذلونها لإيران.
إن التيار الوطني الحر هو الحامي الحقيقي لممارسات «حزب الله» في المنطقة، فالمشروعية التي أخذها من المسيحيين جعلته يتحرك بطريقةٍ أكثر شراسةً مع المخالفين، هذا رغم زعم باسيل أنه يريد لبنان مستقلاً عن الملفات بالمنطقة حين يقول في حواره العجيب: «نحن كتيار وطني حر نتطلع إلى جعل لبنان خارج كل المحاور، لكي يبقى جسر تلاق بما يحفظ توازناته الداخلية والخارجية. ومطلبنا هو (تحييد) لبنان عن الصراعات، لا في اعتماد سياسة النأي بالنفس، لأننا سننأى عن أزمات تطولنا، مثل النزوح السوري، ولا في اعتماد الحياد الذي يخلق التباساً مع العدو الإسرائيلي. التحييد وعدم التدخل في شؤون أي دولة هو ما يحفظ دور لبنان التاريخي. لا يمكن أن ننأى بأنفسنا عن الصراع في سوريا إذا كان سيفتح الباب أمام دخول إرهابيين أو يلقي علينا عبء النزوح، ولكن يمكن أن نحيّد أنفسنا عن الصراع في اليمن»!
الخلاصة أن التيار الوطني الحر انسجم مع مشروع «حزب الله»، وبالتالي فهو من الأذرع القوية لإرهاب «حزب الله»، وعليه فإن دراسة الحزب ضمن ظاهرة الإسلام السياسي باتت مشروعة، إنه الحزب المسيحي الداعم للإسلام السياسي وللظاهرة العنفية بالعالم.