بقلم : فهد سليمان الشقيران
تروّج عبر الميديا، وبعض الاستشارات، وجل الأطروحات الفكرية أكذوبة نهاية «الإخوان». والواقع أن هذه الفكرة خطيرة، بل جدّ خطيرة، فـ«الإخوان» وأذرعتهم من الصحويين يعيشون في حالة من الكمون، وهذا عنوان كتاب حديث أصدره مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي، وهو كتاب راهنٌ ومهم. تناول كتاب مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتاب «كمون الإخوان: اختراق المنظمات والاقتصاد والمعرفيات» (الكتاب الحادي والتسعون بعد المائة، نوفمبر «تشرين الثاني» 2022)، النُهج المختلفة التي استخدمتها جماعة الإخوان، لاختراق المجتمعات عبر: توظيف المنظمات، والسيطرة على الأحزاب السياسية، وسعيها للهيمنة الثقافية والاقتصادية باختراع مؤسسات وكيانات موازية للدولة من جهة، وتوظيف نظريات معرفية للعبث بصناع المحتوى الأكاديمي الغربي من جهة أخرى. بدأت دراسات الكتاب بالمسار التعليمي والثقافي، فرصدت دراسة أولى، للباحث طارق أبو السعد، استهداف الجماعة للمدارس الابتدائية تحديداً، رغبة في التحكم في تشكيل وعي التلاميذ في هذه المرحلة العمرية، كما عمل حسن البنا على توظيف أنواع التعليم «اللاصفي» في التجنيد، وتطويره بعيداً عن رقابة المجتمع ومؤسسات الدولة الرسمية. وقسّمت الدراسة مشروع الجماعة لفرض الهيمنة الثقافية إلى سبع مراحل رئيسية بدأت مع البنا عام 1928، وانتهى الرصد بسقوط حكم الجماعة إثر «ثورة 30 يونيو (حزيران)» 2013. ففصّلت الوسائل التي تبنتها الجماعة، لاختراق العملية التعليمية في المراحل كلها، بداية من تجنيد الطلاب، مروراً بالتأثير في المعلمين، وليس نهاية بالسيطرة على الوزارات المعنية بالتعليم والثقافة والمناهج التعليمية. تطرق الكتاب إلى توظيف الجماعة الأدبيات الجديدة، ومحاولة مواكبتها لتعزيز هيمنتها الثقافية، فناقش الباحث والأكاديمي وائل صالح، خطابات ليبرالية ويسارية وقارنها مع الخطاب الإخواني، مركزاً على مصطلحي «اليقظوي» (wokeism) و«الصوابية السياسية» وتوظيفهما، لتقديم صورة يتم عبرها السعي لخلق مقبولية ولو شكلية للأفكار والمواقف الإخوانية، خصوصاً في السياق الغربي، ومجتمعه المدني.
عرضت دراسة تاريخ العمل الأهلي في مصر، بداية من نواته التي انغرست عام 1821، ثم توسعت بعد تأسيس «الجمعية الخيرية الإسلامية» عام 1878، وجمعية «المساعي الخيرية القبطية» عام 1881، وتمددت على إثر دستور عام 1923، فاستغلته جماعة الإخوان منذ تأسيسها في القرن الماضي، وتواصل رصد الدراسة وصولاً إلى استغلال التنظيم الإخواني لأزمة التمويل الأجنبي بعد عام 2011، إذ قدم مشروعاً جديداً لمنظمات المجتمع المدني، يتيح له الهيمنة عليها بشكل قانوني. تضع الجماعة جل اهتمامها التجنيدي بتطويع أدوات قيادة وتنظيم المجتمع الأهلي، بما فيها الروابط والنقابات الرياضية، فناقش الباحث المصري أحمد الجدي الجذور التاريخية والنماذج الحية لاستغلال الروابط التشجيعية في مصر، التي انتظم فيها الرياضيون، فأرّخ لظهور الألتراس (Ultras)، ومدى تأثير روابطها التشجيعية في حقبة ما بعد يناير (كانون الثاني) 2011. لاحقت الدراسة اهتمام التنظيمات الإخوانية، بتوظيف الروابط في المعارك السياسية، فتعقبت محاولات الاختراق والاحتواء، وصولاً إلى إشارات التجنيد والتوظيف في المعارك السياسية، مستشهدة بالمشاركة في الاعتصامات الإخوانية والتظاهرات. تطرح دراسة الباحثة سوزان حرفـي، فرضية اختراق الإخوان للأحزاب السياسية الليبرالية والقومية والشيوعية في مصر، بهدف جمع المعلومات عن قادتها وتحركاتهم والتأثير في سياساتها من جهة، والقيام بأعمال عنف من جهة أخرى. يلاحظ من الدراسة حرص الجماعة على توسيع طيف حضورها في أجسام سياسية وثقافية متباينة، والإصرار على زعم وجود اختلافات في مستويات الإيمان بالأفكار، باعتبار هذا الزعم من مصادر توليد الفرص، لتحرك الكوادر المتلونة. لذا، ناقش الباحث أحمد فؤاد فرضية وجود «جناحين» داخل جماعة الإخوان: أحدهما «دخيل» يمثل نهج سيد قطب، المتطرف والتكفيري والداعي للعنف، والآخر «أصيل» يمثل خط البنا والتلمساني، وهي فرضية تُستخدم لزعم وجود جناح إصلاحي يمكن التعاون معه.
لاحظت الدراسة تبني الجماعة خيار العنف والمواجهة، واستخدامها الخطاب المراوغ وفق مقتضيات وظروف كل مرحلة، من البنا إلى قطب إلى يوم الناس هذا، واعتمدت على الآيديولوجية القطبية المستوحاة من كتابات البنا ورسائله. أكد الباحث تلازم الخطين: التلمساني والقطبي، بدليل خلو مجلة «الدعوة» التي نشطت في عهد المرشد الإخواني الثالث، من أي انتقاد لقطب، وحشدها النصوص التي برر بها التلمساني أفكار قطب التكفيرية، مستحضراً بنود لائحة الجماعة عام 1982. لقد لزمت الجماعة خطاب المظلومية المزعوم، والمسار القطبي الذي غطاه الباحث كريم شفيق. لا تكتمل أدوات الهيمنة والاختراق، دون القطاع الاقتصادي، وفي هذا المسار تطرق الباحث عمرو عبد المنعم إلى الاقتصاديات الموازية لدى جماعة الإخوان، واستغلالها جهات عدة ترفع شعارات إسلامية مثل شركات توظيف الأموال في مصر في حقبة الثمانينات. تلاحظ الدراسة استغلال التنظيم سياسة الانفتاح في مصر في السبعينات من القرن المنصرم، فتمكن من بناء «البرجوازية الإخوانية»، وتحول إلى شركة عائلية بالوراثة والمصاهرات، وأنتج أدوات تأثير رأسمالية تم عبرها السعي لفرض نفوذ ثقافي أدى إلى تأسيس 350 دار طباعة، وحوالي 400 دار نشر في مصر وحدها. بدوره، شرح الباحث منير أديب تعامل الإخوان مع ثورة 30 يونيو من الناحية الاقتصادية. ورغم مصادرة الدولة المصرية العديد من أنشطة الجماعة، لكنها لم تكن سوى رأس جبل الجليد، فحاولت الدراسة الإجابة عن مكان أموال التنظيم بين بقائها في مصر، أو تهريبها إلى الخارج، وأدوات إدارتها.
خلاصة الكتاب تقول إن الإخوان وأذرعتهم اليوم في العالم بحالة كمون بسبب الحزم السياسي، ولكن لم ينته هذا التنظيم، والواجب علينا جميعاً ألا نطمئن ونقول إن هذا التنظيم قد انتهى، لا بد من الاستمرار في الهجوم على هذا التنظيم بغية سحقه تدريجياً. تنظيم عمره قرن من الزمان تغلغل في مؤسسات ووزارات لا يمكن اجتثاثه بسهولة.