من فرديد إلى أردكاني ظاهرة «التفلسف الأصولي»
ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مسلح بشمال غرب باكستان إلى 17 قتيلاً على الأقل و32 مصاباً تحطم طائرة من طراز “دا 42″ تابعة للقوات الجوية المغربية بمدينة بنسليمان استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة أخرون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منطقة المواصي جنوب قطاع غزة غرفة عمليات حزب الله تُصدر بياناً بشأن تفاصيل اشتباك لها مع قوة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا جنوبي لبنان وزارة الصحة اللبنانية تُعلن استشهاد 3583 شخصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على البلاد وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

من فرديد إلى أردكاني ظاهرة «التفلسف الأصولي»

من فرديد إلى أردكاني ظاهرة «التفلسف الأصولي»

 لبنان اليوم -

من فرديد إلى أردكاني ظاهرة «التفلسف الأصولي»

بقلم : فهد سليمان الشقيران

عبر التاريخ ظلّ الاستعمال الفلسفي من قِبل العقائديين محلّ انتقاد، الإزعاج الذي سببتْه الفلسفة بما تطرحه من أسئلة وبما تمارسه من زحزحة بقي مستفزاً، استفزاز يثمر استنفاراً كبيراً وكأن الأسئلة هي السهام التي ترشق الأجوبة التقليدية وتضربها بمقتل أو تفقدها حيويتها وبريقها. وهذا لا يعني أن الفلسفة لم تنزع نحو الحماسة الشديدة لأجوبتها بشكلٍ يقترب من فعل العقائديين. يحدثنا ديفيد هيوم عن ذلك في كتابه «أبحاث أخلاقية - سياسية وأدبية»، قائلاً «بما أن الفلسفة كانت منتشرة في العالم في الوقت الذي نشأت فيه المسيحية، فإن معلمي المذهب الجديد كانوا مضطرين إلى أن يشكّلوا منظومة من الآراء الفكرية، وأن يقسّموا بشيء من الدقة بنود إيمانهم، وأن يشرحوا، يعلقوا، يفندوا ويدافعوا بكل براعة الحجة والعلم. من هنا نشأت الحدة في الصراع عندما وصل الأمر بالدين المسيحي إلى أن ينشق إلى أقسامٍ ومذاهب جديدة. هذه الحدة ساعدت الكهنة في سياستهم، أي توليد كراهية متبادلة وعداء بين أتباعهم الواهمين، ولقد كانت المذاهب الفلسفية في العالم القديم أكثر تحمساً من المذاهب الدينية، لكن في العصور الحديثة، المذاهب الدينية أكثر سخطاً وغضباً من أقسى الفرقاء الذين نشأوا دائماً من المصلحة والوضوح» - (ص:147).
وإذا تأملنا في أي تراث، سنعثر على الإلحاح الكلامي والمحاججة اللاهوتية ممهورة بالمنطق، أو بالاستعمال الفلسفي، لنقرأ سجالات ابن تيمية مع ابن رشد، وهذا درسناه في كليات الشريعة الإسلامية، ويمكن لغير المتخصص الاطلاع على كتاب مهم حوى أسس النقاش التيمي الرشدي لعبد العزيز العماري بعنوان «مناحي نقد ابن تيمية لابن رشد»، بمعنى أن توظيف الفلسفة لا يعني أنها حققت وظيفتها، فيمكن استعمال الفلسفة بصيغٍ شتى، بل واستثمارها لأهدافٍ عقائدية وآيديولوجية بحتة، كذلك فعل عدد كبير من المعاصرين، من أشهرهم طه عبد الرحمن من العرب، ومن الإيرانيين أحمد فرديد، الذي تناولتُه في ثلاث حلقاتٍ مضت، وأزيدها في هذه الكتابة. إن أحمد فرديد يمثل النموذج الواضح على توظيف الفلسفة بدلاً من فهم وظيفتها.
ولأن الاستشراق الألماني كانت له خصوصية استقبالٍ لدى المسلمين من شتى النواحي باعتباره متميزاً عن الاستشراق الفرنسي والإنجليزي؛ فقد كان لهذا أثره في تلقي بعض المدونات الفلسفية الألمانية، وحول الاستشراق الألماني وخاصّياته يمكن قراءة كتاب رضوان السيد «الاستشراق الألماني - النشوء والتأثير والمصادر»، وله محاضرة عن هذا الموضوع في «يوتيوب». من هذه النقطة انطلق رفائيل ليوجييه في تحليل اضطراب أحمد فرديد، يقول في كتابه «عولمة... لا حرب حضارات - التعايش والعنف في القرن العشرين»: «المؤلفون الألمان بداية القرن الأخير كان لهم تأثير كبير في الآيديولوجيا الإسلاموية في حالة تكوّن آنذاك، مفهوم (مرض الغرب) الذي نحته الآيديولوجي الإسلامي أحمد فرديد، الذي كان تكوينه في هايدلبرغ وفي السوربون، هو مدين للفكر المضاد للحداثة لرائده مارتن هايدغر، خصوصاً في سلسلة محاضراته 1949 التي يصف فيها هايدغر (تعتيم العالم/ الحماسة التكنولوجية الحزينة/ اقتلاع الجذور الحديث). البعد الماركسي الثوري هو حاضر سلفاً بما أنه لدى فرديد حقوق الإنسان ما هي إلا شراكٌ برجوازي ضد العاملين».
رفائيل ليوجييه يضيف «الإسلاموية المتطرفة تغذي كراهيتها للغرب ذات المصدر الآيديولوجي من المؤلفين الغربيين الأكثر تنوّعاً، مهما كانت اختلافاتهم الفلسفية والسياسية. أدنى انتقادات ماركس، هايدغر، يونغر، ستتم إعادة تشكيلها وفق قواعد اللغة الإسلامية. الياسينية حركة إسلامية ثورية مغربية، لها بالتأكيد خصوصيات تميزها عن الأصوليات الجديدة الإيرانية، السعودية، المصرية، غير أنّها مثل هذه الأخيرة تستعين بالأصوات الكبرى مثل برغسون، نيتشه، شبينغلر، أو حتى شيلر».
ذلك الاستعمال الآيديولوجي للأفكار الفلسفية ظهر في كتابات «مثقفي الإخوان»، ثمة امتطاء أصولي للأفكار الفلسفية له جذره وتاريخه، نتذكر كتاب محمد قطب «واقعنا المعاصر» (مطبوعات جريدة «المدينة») وقراءاته للفكر الغربي؛ إذ ينحى بمثل ما فعل فرديد نحو تفعيل النقد الذاتي الغربي للحداثة ومصائرها من أجل التشويه للحضارة الغربية، وهذا فعل مألوف يستمر اليوم ولكن بصيغٍ أكثر ذكاءً؛ إذ سرعان ما ينطلق المتفلسف الأصولي ببراعة ليصل نحو هدفه من دون أي عناءٍ فلسفي يوحي بالمغامرة أو التحدي أو القفز على القناعات المضمونة، نقرأه لدى المرزوقي، وطه عبد الرحمن، وفرديد، وتلامذتهم المتقافزين على المشاريع الثقافية والمؤسسات التحديثية يعملون بصمتٍ ويكتمون أصوليتهم إلا لماماً. إن العمل الفلسفي لدى العرب والمسلمين اليوم يطلعنا على نماذج يمكنها أن تترجم أصعب الأعمال لهوسرل، ولكنها لا تجد غضاضة أو مهانة حين تدافع عن «داعش».. هذا هو الحال بكل أسى.
اهتبلت ظاهرة «التفلسف الأصولي» العديد من الفرص من أجل ترسيخ نقدها للحضارة الغربية، ومن أولئك أحمد فرديد المتمسك بنقده للغرب انطلاقاً من عبارات النعي الهايدغرية؛ ولذلك نقرأه حانقاً على الغرب ومطلقاً عليه وصف «المرض».
هذه الدعايات الاستعمالية للفلسفة الغربية غرضها تثبيت النظرية القائمة، وفرّخت مدرسة فرديد شخصية أردكاني، الذي يصفه أمير طاهري بـ«فيلسوف إيران الرسمي»، ويكتب ويلخص مشروعه بهذه النقاط: «الأول، هو التدليل على أن النموذج الغربي ليس عيباً فحسب، بل يشكل خطورة أيضاً على البشرية. والمجتمعات التي لم تسيطر عليها المادية الغربية بشكل كامل تمتلك فرصة النجاة بنفسها من القطار المتجه (إلى الجحيم)». ويصر أردكاني، تلميذ الفيلسوف الراحل أحمد فرديد، على أن تكون المعركة الأولى ضد المثقفين الإيرانيين الداعين إلى العلمانية عبر استخدام مصطلح «التسمم بالأفكار الغربية». الخط الثاني هو إظهار أن البديل للنموذج الغربي لا يمكن أن يأتي من داخله، وهو أمر أثبته فشل الشيوعية. أضف إلى ذلك عدم قدرة الحضارات اليابانية والصينية على تقديم بديل؛ لأنها قطعت شوطاً طويلاً على طريق التغريب، نتيجة تبنيها أنظمة سياسية علمانية واقتصادات رأسمالية. والبديل الوحيد ذو المصداقية هو الإسلام كدين ونموذج حضارة. الخط الثالث الذي عمل عليه أردكاني هو إظهار أن من بين كل الدول الإسلامية تمتلك إيران وحدها الموارد الثقافية اللازمة لتقديم بديل عالمي للنموذج الغربي. الخط الرابع هو إظهار أن قوة النموذج الإسلامي الإيراني مستمدة من نظام ولاية الفقيه. وفي هذا السياق، قام دوري، وهو مثقف إيراني، بجهد كبير في تقديم ولاية الفقيه، لا كبدعة ابتكرها آية الله الخميني، بل كفكرة إسلامية جوهرية. (مقالة أمير طاهري نشرت بهذه الجريدة في 10 أغسطس/ آب 2013 بعنوان «أردكاني فيلسوف إيران الرسمي، ورجل الدين المعتزل)، (وقد كتبت تعليقاً عليها مقالة بجريدة «الحياة» 19 أغسطس 2013 بعنوان «آيديولوجيا أردكاني وعلمنة شايغان»).
عبر تلك النماذج قرأنا كيف استعملت الفلسفة بطريقة عقائدية آيديولوجية، بل ومذهبية لدى عددٍ من المفكرين المسلمين، ولأن ظاهرة «التفلسف الأصولي» بدأت تدبّ دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء كان لزاماً علينا رصد هذا التحرك وكشفه، والغرض من ذلك ليس الدفاع أو الهجوم؛ فالفلسفة وظّفت بنظرياتٍ شمولية لا تقل عن كارثية الأصولية ولكن نتغيّا من ذلك الكشف والمساجلة، بل القول لأولئك نعرف أن هدفكم ليس الفلسفة أو التنمية أو دعم التحديث، وإنما إحياء ظاهرة «التفلسف الأصولي» لأغراضٍ إما آيديولوجية، أو للتكسب الشخصي والاستثمار بموجة التحديث الكبرى.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من فرديد إلى أردكاني ظاهرة «التفلسف الأصولي» من فرديد إلى أردكاني ظاهرة «التفلسف الأصولي»



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 لبنان اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 16:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 لبنان اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:41 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 لبنان اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 15:29 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 05:15 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لجنة الانضباط تفرض عقوبات على الأندية العمانية

GMT 13:13 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف

GMT 07:45 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد زيت الزيتون

GMT 13:40 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

حضري بشرتك لاستقبال فصل الخريف

GMT 16:21 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

هيفاء وهبي مثيرة في إطلالة كاجوال شتوية

GMT 13:43 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 21:45 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

عائلة ليونيل ميسي تتحكم في مستقبل البرغوث مع برشلونة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon