عبد الرحمن الراشد
ما هو القاسم المشترك بين لبنان وسوريا واليمن؟ التدخل الإيراني، والسبب في الحالات الثلاث هو الفوضى. فالفراغ السياسي والحرب الأهلية في لبنان جاءا بإيران التي أسست «حزب الله». وفي سوريا كان النظام يتهاوى فمدت له إيران حبل الإنقاذ، وهي الآن شريكة في الحكم. وكذلك في اليمن، عندما انهار نظام علي عبد الله صالح، في فوضى الربيع العربي، دفع الإيرانيون بالحوثي، الجماعة الدينية المرتبطة بهم، لتستولي على الدولة، متحدية التفاهمات الدولية على ترتيبات الحكم اليمني بالحكم الانتقالي ثم الانتخاب.
الآن الدور قد يكون على العراق، الضحية المحتملة. فالمظاهرات الاحتجاجية في الأيام الماضية تفتح الطريق للفوضى، والقوات الإيرانية تحشد على الحدود ولا يستبعد أن تحتل العاصمة بغداد تحت أي ذريعة. فإن رفضت حكومة عادل عبد المهدي دعوتهم، أو استقالت، فإن لدى إيران في البرلمان العراقي ما يكفيها من أغلبية الأصوات، من موالين لها أو ممن يخافونها. لكن هل ستتجرأ على هذه الخطوة؟ طهران لديها خبرة إقليمية كافية لتعرف أنه لن تتحداها أي قوة داخلية أو خارجية. فالولايات المتحدة، التي تعتبر العراق دولة مهمة لها استراتيجياً، وجودها العسكري هناك محدود، وشهيتها للقتال ضعيفة. وأهداف إيران استخدام العراق ورقة للضغط على واشنطن والمنطقة لرفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عنها واستغلال موارده البترولية لتمويل عجزها المالي.
أطماع إيران في العراق قديمة، فهي تعتبره امتدادها الجغرافي والديني، وغنيمة أعظم من سوريا ولبنان واليمن مجتمعة. ولم يعد هناك ما يخيفها، فردود الفعل الدولية سهل التنبؤ بها، حيث سبق أن امتحنتها إيران عدة مرات. الدول الأوروبية لم تفعل شيئاً أمام تآمر المخابرات الإيرانية على ترتيب عمليات إرهابية على أراضيها، وألمانيا مستمرة تدافع عنها، وفرنسا تتوسط لها لرفع العقوبات، وبريطانيا اتضح أنها دفعت لطهران ملياراً ونصف المليار دولار بدعوى أنه حكم محكمة، والرئيس الأميركي لا يريد إفساد حظوظه في الفوز في الانتخابات بعد عام من الآن بسبب النزاع مع إيران، والروس يمسكون العصا من المنتصف. وكذلك القوى الإقليمية تقريباً كلها تتجنب المواجهة، بما فيها مصر وباكستان، وتركيا مهزومة في سوريا، والسعودية تواجه حصاراً على جبهات متعددة.
طبعاً سلوك إيران العدواني سيصبح مشكلة دولية مع الوقت، حتى عند الدول التي تحاول مهادنتها مثل الاتحاد الأوروبي، لكن نخشى أن يكون الوقت قد فات على العراق حينها. فهي تريد تدمير نظامه السياسي بدعوى أنه بناء أميركي، وأن تحل محله دولة مثيلة لها بحكم ثيوقراطي طائفي تابع للمرشد الأعلى في قم.
أمن العراق وسلامته أمر مهم لاستقرار المنطقة، ولا توجد دولة واحدة مجاورة تريد تخريبه، ربما إلا إيران التي لديها مشروع هيمنة تعمل عليه منذ العقد الماضي. وبكل أسف ليست إيران مصدر كل المشكلة، فأداء مؤسسات الدولة العراقية ليس بالمستوى الذي يتمناه الشعب العراقي الذي ينتظر تحسين أحواله منذ عقود. الأميركيون راهنوا كثيراً على إقامة مؤسسات ديمقراطية، وبذروا مفاهيم الحريات لم تحقق للناس الحد الأدنى من المعيشة والاستقرار، بل استغلها بعض رجال الدين والعشائر لتوسيع هيمنتهم، واستشرى الفساد في البلاد.
العراق اليوم أمام امتحان صعب لأن المظاهرات العفوية لن تصلح الأوضاع كما يتمنى العراقيون، بل تهدد استقرار الدولة وتمنح الفرصة للقوى المتربصة للانقضاض على الحكم.