في ظِل تَزايُد التّقارير الإخباريّة، والتحرّكات الرسميّة، التي تُؤكِّد بالأدلّة العمليّة، قُرب حُدوث اختِراق في الخِلافات الخليجيّة، وإنهاء القَطيعة بين الدّول الثّلاث السعوديّة والإمارات والبحرين من ناحيةٍ وقطر من النّاحية الأُخرى، يقفِز سُؤال على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، وهو عن مكانة مِصر، الضِّلع الرّابع والأهَم، من ضُلوع المُقاطعة هذه، وهل تتم خُطوات التّقارب المُتسارعة بالتّنسيق معها أم من خلفِ ظَهرها؟
قبل الإجابة عن هذا السّؤال، وكُل ما يتفرّع عنه من علامات استِفهام أُخرى مشروعة، لا بُد من الإشارة إلى عدّة خطوات رئيسيّة جرى اتّخاذها في الأيّام القليلة الماضية تُؤكِّد أنّ المُصالحة الخليجيّة تسير على قدمٍ وساق، وأنّ القمّة الخليجيّة المُقبلة التي ستُعقَد في الرياض بعد اعتِذار الإمارات عن استِضافتها ستكون منصّة التّتويج لها، وحُضور جميع القادة الخليجيين لهذه المُناسبة السنويّة:
الأولى: أنّ الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، ومِثلما قالت قناة “الحرّة”، هو الذي يُشرِف شَخصيًّا على الجُهود الدبلوماسيّة المَبذولة للتّقريب بين دولة قطر والدول الخليجيّة الثّلاث المُقاطِعة لها، وأنّ هذه الجُهود وصَلت إلى مرحلةٍ مُتقدّمةٍ، وعبّر عن هذه المسألة بشكلٍ أوضَح الجنرال ديفيد غولدفين، رئيس هيئة الأركان الأمريكي في خِطابه أمام معرض الطّيران في دبي، عندما حثّ دول الخليج على تَوحيد قُدراتها العسكريّة في ظِل احتِدام التوتّر مع إيران.
الثانية: أكّدت وِكالة الصّحافة الفرنسيّة نقلًا عن مصادر خليجيّة أنّ وَفدًا قَطريًّا رَفيعًا سيَصِل في الأيّام القليلة المُقبلة إلى الرياض، ولم تستبعد مصادرنا أن يكون برئاسة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجيّة، وفي إطار الاجتماع التّحضيري لوزراء خارجيّة دول مجلس التعاون الذي يسبق عادةً القمم الخليجيّة وللتّحضير لها.
الثالثة: الزّيارة المُفاجئة التي قام بها الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، ووليّ وليّ العهد غير المُعلن، لمسقط واجتماعه بالسّلطان قابوس، وقد يكون الهدف من هذه الزّيارة مُزدَوج، المُصالحة الخليجيّة أوّلًا، وحرب اليمن ثانيًا، بالنّظر إلى التّقارير المُؤكَّدة حول لِقاءات سِريّة سُعوديّة حُوثيّة في العاصمة العُمانيّة.
الرابعة: المُشاركة المُفاجئة للدول الخليجيّة الثّلاث المُقاطِعة لدولة قطر في دورة الخليج الكرويّة 24 التي ستُقام في الدوحة يوم 26 من شهر تشرين الثّاني (نوفمبر) الحالي وحتى السادس من كانون أوّل (ديسمبر) المُقبل، وتأكيد تقارير إخباريّة أنّ الطّائرات التي ستُقِل المُنتخبات المُشاركة ستَطير مُباشرةً إلى الدوحة، وربّما يتم أيضًا رَفع الحَظر كُلِّيًّا الذي تَفرِضه دول المُقاطَعة على شركات طيَرانها في هذا الإطار، والسّماح لها بنقل آلاف المُشجّعين مُباشرةً دون المُرور عبر مطارٍ ثالث.
الخامسة: الهُدوء غير المسبوق في أجهزة الإعلام الخليجيّة على جانبيّ الأزَمة، وتوقّف كُل الحمَلات الإعلاميّة، سواءً على شاشات التّلفزة أو في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد عامين ونصف العام تقريبًا من السُّباب والشَّتائِم وخَوض الأعراض.
السادسة: إحياء دولة الكويت لوِساطتها وجُهودها لترميم البيت الخليجي، وتنقيته من الخِلافات بعد فترةٍ من الهُدوء، حيث أرسل الشيخ صباح الأحمد وزير خارجيّته الشيخ صباح الخالد، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجيّة للعاهل السعودي قبل أُسبوع.
***
بالعودة إلى سُؤالنا الأساسيّ الذي بدأنا بِه هذه المقالة، يُمكن القول بأنّ مِصر الضِّلع الرّابع والأهم، التي شاركت بفاعليّة في مُقاطعة دولة قطر، وأوقفت رحَلات طيرانها إلى القاهرة، حجَبت التّأشيرات عن مُواطنيها، وفي المُقابل كانت محطّة “الجزيرة” المدفعيّة الثّقيلة في الهجَمات على مِصر، والاحتِفال ببعض الاحتِجاجات التي انفَجرت بعد دعوة المُمثّل والمُقاول محمد علي، وكانت على نطاقٍ محدود، نقول إنّ مِصر كانت شِبه مُغيّبة أو مُغيّبة كُلِّيًّا، عن جُهود هذه المُصالحة ولم يَصدُر عن حُكومتها أيّ تعليق حتّى الآن.
ربّما كان الاستثناء الوحيد كان الزّيارة المُفاجئة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أبو ظبي الأربعاء الماضي، وحظِي خلالها باستِقبالٍ حافلٍ كالعادة من الشيخ محمد بن زايد، وليّ العهد، وتمخّضت عن إطلاق صندوق استثماري بين الإمارات ومِصر بقيمة 20 مِليار دولار، وجرى منح الرئيس المِصري الزّائر الوِسام الأرفَع في دولة الإمارات، الأمر الذي جعل الكثير من المُراقبين يتساءلون عمّا إذا كانت هذه المِنصّة الاستثماريّة مُحاولةً لاستِرضاء الرئيس السيسي لإخفاء خُطوات المُصالحة عنه؟
كان لافِتًا أنّ الرئيس السيسي زار دولة الإمارات، ولم يَزُر السعوديّة، وآخر زيارة له للأخيرة كانت أثناء القِمم العربيّة والإسلاميّة والخليجيّة التي انعَقدت في مكّة المُكرّمة في شهر رمضان الماضي، أيّ أنّها لم تكُن زيارةً رسميّةً خاصّة، كما لم يَقُم أيّ مسؤول سعودي بارز بزيارة القاهرة في الأشهُر الأخيرة على غيرِ العادَة.
من المُفارقة أنّ الهُدنة الإعلاميّة بين دول الخليج المُتخاصِمة لم تشمل مِصر، ومن يُتابع قناة “الجزيرة” وبعض القنوات الأُخرى القطريّة في أوروبا، أو المحسوبة عليها في إسطنبول، يلمِس أنّه لم يَطرأ أيّ تغيير على سِياستها التّصعيديّة ضِد السّلطات المِصريّة، ممّا يُؤكِّد بعض الشُّكوك حول استِثناء مِصر، وجعلها مُصالحةً خليجيّةً صِرفَة؟
في ظل هذا التكتّم بشقّيه الخليجيّ والمِصريّ لا نملك أيّ إجابة، ولكن هُناك مُراقبين يرفَعون الكارت الأحمر ويُحذِّرون من الغَضب الرسميّ المِصريّ، أو القفز عن دور مِصر ومكانتها، فإذا لم تكُن هذه المُصالحة شاملةً، فإنّ أزَمات عديدة ستنفجر، وستُغيِّر الكثير من المُعادلات السياسيّة في المِنطقة، خاصّةً أنّ القِيادة المِصريّة تَشعُر بخيبة أمَل من مواقف بعض الحُلفاء الخليجيين تُجاه صِراعها مع إثيوبيا حول سَد النّهضة.. واللُه أعلم.