بقلم : طارق الحميد
لمدة سبع ساعات كان العالم مريحاً مساء الاثنين الماضي، حيث تعطل بعض وسائل الاتصال الاجتماعي، وشعر المرء بهدوء نُزع منه عنوة تحت وطأة «زيف» الحياة الافتراضية.
حدث ذلك عندما تعطلت كل من «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب» و«ماسنجر» لمدة سبع ساعات، لكن قصة تعطلها هذه لا يجب النظر إليها من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية فحسب، بل هي بمثابة قرع جرس الخطر لما هو أكبر وأخطر.
سطوة وسائل التواصل الاجتماعية هي سطوة أفراد، أي ملّاك، وسطوة تيار فكري محدد، أي اليسار الليبرالي، ولذا فهي خطر حقيقي، وأبسط دليل على ذلك غرور مؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرغ عندما علق على انقطاع الخدمة سبع ساعات.
قال زوكربيرغ: «آسف للاضطراب اليوم... أعلم مدى اعتمادكم على خدماتنا للبقاء على اتصال مع الأشخاص الذين تهتمون بهم»... فهو ينظر إلى العالم هكذا «مدى اعتمادكم» ومثله مؤسس «تويتر» الذي يقرر ما يجب أن يقال، وما لا يجب.
تفعل «تويتر» ذلك وفق لمنظورها الآيديولوجي، وليس لقواعد نشر، فهي منتديات وليست دور نشر. «تويتر» التي تقيد الناس، لا شيء يقيدها مثل سائر وسائل الإعلام. فبينما تطالب وسائل الإعلام بمراعاة قواعد عدة قانونية ونشر، وأكثر، لا أحد يطالب وسائل التواصل الاجتماعي بشيء، ولا يُلزمها بقواعد، ولا يمكن أن تقاضيها.
وتستطيع وسائل التواصل منع من تشاء. وأفضل مثال، بل أكبر فضيحة للقيم الغربية، منع الرئيس الأميركي السابق ترمب من حق الوجود في «تويتر»، و«فيسبوك»، ومنعه من أن يشارك برأيه دون مبرر قانوني، أو حكم قضائي!
وعليه، وهنا القصة، ماذا لو قررت وسائل التواصل الاجتماعي هذه حجب دولة بأكملها عن المشاركة في لحظة سياسية؟ أو قررت حجب قيادة بلد ما، كما فعلت «تويتر» بتعليق حساب المتحدث باسم «طالبان»، وأياً كان رأينا تجاهه؟
مَن يحدد الصح والخطأ؟ وما هو مقبول وغير مقبول ما دامت لا توجد قواعد قانونية تؤطّر عمل وسائل التواصل؟ كيف يعلَّق حساب الرئيس الأميركي السابق وتبقى حسابات «داعش» و«القاعدة» و«الحوثيين»؟
مَن يتحكم بمن؟ نحن نعرف أنه في دول العالم الثالث يحدث الانقلاب عندما يتم الاستيلاء على مبنى التلفزيون، ولا فرق بين ذلك وعملية تعليق حساب قائد أو مسؤول بقرار من أحدهم في غرفة بكالفيورنيا أو غيرها.
الاتحاد الأوروبي يقول بعد التعطل أول من أمس (الاثنين) إنه لا بد من شركات منافسة، وهذا صحيح، ولا بد من قوانين مؤطّرة أيضاً. وبالنسبة إلينا نحن العرب، لا بد من شركاتنا، وتطبيقاتنا الخاصة، ووفق أنظمة وقوانين تكفل حقوق الناس، لا تجسس ولا خلافه.
الأمر الآخر هو أن درس الاثنين الماضي يعلّمنا أنه من الكارثة تدمير الإعلام الحقيقي أمام وسائل تواصل افتراضية مفتاحها بيد الغير. على كل مسؤول أن يعي أن الإعلام مثل كل المؤسسات الأساسية. يطوّر، ويحدّث، لكن لا يمكن أن نصدق أن هناك بديلاً له.
بإمكان أي وسيلة إعلامية تقديم محتوى لـ«فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» وغيرها، لكن ليس بمقدور هذه جميعاً تقديم وسيلة إعلام. الاثنين الماضي كان درساً اجتماعياً، اقتصادياً، سياسياً، أمنياً، وأكثر بكثير.