بقلم : طارق الحميد
كشف كتاب جديد يصدر قريباً للصحافي الاستقصائي الشهير في صحيفة «واشنطن بوست» بوب وودورد، وروبرت كوستا، عن اتصالات تمت بين قائد الأركان الأميركي ونظيره الصيني في الفترة الانتقالية للانتخابات الرئاسية الأميركية.
في تلك الفترة، وبينما كان الرئيس ترمب يرفض نتائج الانتخابات، كشف كتاب «بيريل (خطر)» أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي اتخذ في الأيام الأخيرة من عهد ترمب تدابير سرية لتجنب اندلاع حرب بين الولايات المتّحدة والصين.
ووفقاً لمقتطفات من الكتاب نشرتها صحيفة «واشنطن بوست»، فإن الجنرال ميلي اتصل بنظيره الصيني لي تشو تشنغ مرّتين، وذلك بعدما خلصت الاستخبارات الأميركية إلى أن الصين تتحسب لهجوم أميركي وشيك.
في الاتصال الأول قال ميلي لنظيره الصيني: «أودّ أن أطمئنكم بأنّ الدولة الأميركية مستقرّة، وبأنّ كلّ الأمور ستسير بشكل جيّد»، مضيفاً: «لن نهاجمكم، ولن نشنّ عمليات عسكرية ضدّكم».
والأدهى من كل ذلك أن الجنرال الأميركي قال لنظيره الصيني، ووفقاً لما نشرته «واشنطن بوست»: «الجنرال لي، أنت وأنا نعرف بعضنا بعضاً منذ خمس سنوات. إذا كنا سنهاجم، فسوف أتصل بك في وقت مبكر. لن تكون مفاجأة».
وفي الاتصال الثاني، بعد شهرين، قال الجنرال ميلي لنظيره الصيني إن «كلّ الأمور تسير بشكل جيّد، نحن ثابتون بنسبة 100 في المائة. كل شيء على ما يرام. لكن الديمقراطية تكون فوضوية أحياناً».
وهذا أمر واضح من دون شك، وخصوصاً في الحالة الأميركية، ومنذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، وحتى اليوم، فهل يعقل أن يتصل جنرال بنظيره، الذي يصور كعدو، ليقول له لن نضرب، وإذا قرر الرئيس الضرب سأخبرك!
أعتقد أن هذا الأمر يتجاوز الفوضى إلى ما هو أكبر، لكن ما يهمنا الآن هو كيف يمكن أن يثق «الحلفاء»، وأضعها بين مزدوجين، لأن تعريف حلفاء بات ملتبساً الآن، خصوصاً مع المواقف الأوروبية، والموقف الإسرائيلي، وقبلهم العرب، من واشنطن، فكيف يثق الحلفاء بواشنطن بعد هذه القصة؟
الحقيقة أن القصة ليست مرتبطة بتصرف الجنرال الأميركي، بل هي من وقت أبكر، وتحديداً من بعد فضائح «ويكليكس» التي أوضحت أنه من الصعب الوثوق بسرية المعلومات من الناحية الأميركية، وآثار «ويكليكس» هذه لم تنتهِ للآن.
ويضاف إلى ذلك عملية التجسس الأميركية فترة الرئيس الأسبق أوباما على المستشارة الألمانية ميركل، والقصص كثيرة، لكن قصة قائد الأركان هذه تثير الكثير من الأسئلة.
هل تم التواصل مع إيران مثلاً، لتطمينها، أواخر مرحلة ترمب؟ هل قيل لطهران انتظروا ولن يكون هناك ضربات، وسوف نخبركم في حال قررنا القيام بضربة عسكرية، أو في حال قررت إسرائيل القيام بأي عملية سرية ضدكم؟
لا شيء مستبعداً خصوصاً أن التقارير تشير باستمرار إلى أن «الموساد» الإسرائيلي لا يثق بنظيره الأميركي، وهناك سابقة أدت إلى أزمة، حيث لم تطلع إسرائيل واشنطن على إحدى عملياتها ضد إيران إلا قبل ساعات، مما أظهر عدم الثقة.
خلاصة القول إن التوصيف الوحيد الدقيق الذي قدمه قائد الأركان الأميركي ميلي هو أن «الديمقراطية تكون فوضوية»، وخصوصاً في الحالة الأميركية الآن.