هددت السلطة الفلسطينية بأنه في حال لم يوافق مجلس الأمن الدولي على اقتراح القرار الذي تقدمت به لإقامة دولة فلسطينية مستقلة فإنها ستنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع العلم بأن الخبراء في القانون الدولي يطرحون أسئلة حول فعالية هذه الخطوة التي وصفها وزير الخارجية الفلسطيني بأنها سيف ذو حدين.
تابعت رام الله بترقب اختيار الأعضاء الخمسة الجدد غير الدائمين في مجلس الأمن الذين ستبدأ فترتهم في الأول من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس شعر بأن 9 أشهر من المفاوضات مع إسرائيل بإشراف وزير الخارجية الأميركي جون كيري أدت إلى لا شيء، وهو يسعى لتحقيق تسوية سياسية، خصوصا بعد حرب غزة الأخيرة؛ لذلك اقترح مبادرة لتوضع أمام مجلس الأمن تدعو إلى الاعتراف بدولة فلسطين و«الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وعلى أن يتم كل ذلك في فترة أقصاها شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016».
يأمل عباس الحصول على أغلبية أصوات أعضاء المجلس، فإذا ما استعملت الولايات المتحدة حق النقض، يحرجها ويكشف عن أنها ليست بالوسيط النزيه أو حسب ما يفرض المنطق ستضغط هذه الخطوة على كل من إسرائيل وأميركا للعودة إلى طاولة المفاوضات، مع استعداد للتنازل، من هنا كانت الضجة الكبرى، عندما فشلت تركيا في الحصول على مقعد في مجلس الأمن لعامي 2015 – 2017. قد تحصل فلسطين ربما على أكثر من 9 أصوات، لكن الفيتو الأميركي سيكون بالمرصاد، حسب التوقعات.
السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور قال في حال عدم موافقة مجلس الأمن على تحديد موعد زمني للانسحاب الإسرائيلي، فإن السلطة ستوقع على «نظام روما الأساسي» وستلجأ إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية قد يكون السلاح الأخير في يد السلطة لجعل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني مشكلة عالمية. لكن من المحتمل أن السلطة لم تأخذ بعين الاعتبار تداعيات هذا الخيار. وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قال في مقابلة مع «العربية الحدث» في يوليو (تموز) الماضي، إن انضمام السلطة إلى محكمة لاهاي «سيف ذو حدين»، إذ قد يشمل التحقيق في جرائم حرب منظمة حماس، وقال لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام السابق لمحكمة لاهاي في 9 مايو (أيار) 2014: «إن الفلسطينيين فهموا أن انضمامهم إلى المحكمة الدولية من شأنه أن يعرضهم للدعاوى في المقابل»، وحسب تحليلات الخبراء في القانون الدولي، فإن خطوة السلطة لتجنيد العالم إلى جانبها ستؤدي إلى ما يسمى «تأثير الدومينو»، موجة من الدعاوى المضادة في لاهاي قد تقوض نطاق الدعم الذي تتوخى السلطة أن تتلقاه. وحسب التحليل القانوني فإن السلطة وحماس اللتين، مع بقية الفصائل الفلسطينية، تؤيدان الانضمام إلى «نظام روما الأساسي»، قد تجدان نفسيهما مضطرتين لمواجهة دعاوى ضدهما. كما أن حلقة المتهمين قد تضم مسؤولين كبارا من قطر وتركيا ودول أخرى قد يتهمون بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.
في الفترة الأخيرة كتب الكثير عن الدعم المباشر وغير المباشر لحماس من قبل قطر وتركيا. الدولتان تستضيفان قادة حماس. خالد مشعل في الدوحة، وصلاح العروري في أنقرة، ومن المؤكد أن الدولتين على علم بالاتجاه السائد في القانون الجنائي الدولي، حيث تم توسيع تفسير مفهوم «المساعدة والتحريض»، بحيث صار يشمل المسهلين أو الميسرين الذين ساهموا مباشرة في أي نشاط يمكن وصفه حسب القانون بالإجرامي.
وحسب دراسة قانونية يتبين أن الفلسطينيين يمكن أن يورطوا «المسهلين». كيف؟ المعروف أن قطر وتركيا من الممولين الرئيسيين لحماس، والطرفان حولا سرا عشرات الملايين من الدولارات سنويا للمنظمة التي استعملتها لأهداف مختلفة. وكان أحمد عساف المتحدث باسم فتح، قال في 16 سبتمبر (أيلول) 2014 في مقابلة مع قناة «العودة»، إن قيادة حماس في قطاع غزة تلقت مئات الملايين من الدولارات خلال حملة باسم الشهداء والعجائز والأطفال، لكن حسب قول عساف فإن الأموال لم تصل إلى وجهتها، وتساءل: أين اختفت؟
ومن شأن التحقيق القانوني من قبل المحكمة الدولية بشأن قطر وتركيا أن يفتح الباب أمام ما يذكر عن دعمهما المالي لمنظمات «الجهاد» العالمي المتهمة بالإرهاب، بما فيها تنظيم داعش وجبهة النصرة.
وكان ذكر في الأشهر الأخيرة أن حماس أرسلت أموالا من قطر عبر رحلات جوية إلى تركيا، ومن هناك استطاعت تحويل عشرات الملايين عن طريق مكاتب الصرافة المحلية، والمساعدة التي قدمتها الحكومة التركية أنها غضت الطرف، ومن المرجح أن يؤدي هذا النشاط المكثف إلى طلب المحكمة التحقيق بأنشطة الفلسطينيين المقيمين في الدولتين، وإمكانية فرض عقوبات هي جزء من العملية القانونية في المحكمة. هناك إمكانية أخرى، وهي تقديم دعاوى ضد المصارف أو المؤسسات المالية في قطر وتركيا، حيث جرى هذا النشاط. هذا كله تحت عنوان توسيع مصطلح «المساعدة» القانونية لتشمل التمويل.
من المرجح أن تتحرك المحكمة الجنائية الدولية ضد قياديين في حماس مقيمين في قطر أو تركيا أو أمكنة أخرى، وتسعى للتحقيق معهم والطلب منهم المثول أمامها حول أنشطتهم العسكرية أو التحويلات المالية، وهذا قد يصل إلى خالد مشعل الذي كان يقيم في قطر خلال حرب غزة الأخيرة. ومثل هذا التحقيق سيسلط الضوء على قطر التي تفضل أضواء الاستثمارات والإنجازات المالية، وقد تُمارس ضغوط عليها لتقديم مشعل أو آخرين إلى المحكمة، أو اعتبارهم هاربين من وجه العدالة.
ليس للمدعي العام في المحكمة الدولية أي سلطة للتحقيق مع مواطني دول لم توقع على «نظام روما الأساسي»، وبالتالي هي ليست عضوا في المحكمة. قطر وتركيا والدول العربية الأخرى ليست على قائمة الدول الأعضاء في المحكمة، لكن إذا كان الفلسطينيون يقيمون ويتحركون داخل حدود هذه الدول، عندها يمكن للمدعي العام التحقيق معهم إذا انضمت السلطة إلى محكمة الجنايات الدولية. بهذا المعنى، تبرز إشكالية ربط بين المحكمة والدول المضيفة لأفراد فلسطينيين كان لهم نشاط «إرهابي». مثل هذا الربط سيكون له تداعيات سياسية ومالية وقانونية.
معالجة المحكمة لقضايا الإرهاب وتمويله ستزيد من المناقشة العامة في المجتمع الدولي حول قضايا التمويل، وقد يؤدي هذا إلى دعاوى أخرى، والدعاوى تولد دعاوى، وهكذا دواليك. إضافة إلى ذلك، فإن الدول الأعضاء في محكمة لاهاي، وفي المنظمات الدولية، وخصوصا تلك المرتبطة بالأمم المتحدة، قد تجد من الصعوبة الإبقاء على علاقات طبيعية مع دول يقيم فوق أراضيها متهمون مطلوبون من المحكمة الدولية، لا سيما أن هناك توجيهات بهذه المسألة من بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة.
حتى الآن امتنع محمود عباس عن التوقيع والمصادقة على «نظام روما الأساسي»، لعلمه بأن هذه الخطوة قد تثير ردود فعل سياسية قاسية من عدد من الدول الغربية، قد لا يكون أخذ في الاعتبار الآثار المترتبة على ذلك بالنسبة للدول الصديقة في المنطقة، إذ كيف ستؤثر هذه الخطوة على سمعة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ثم إن قطر التي تريد استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، يكفيها وجع الرأس الذي تواجهه.
وماذا ستقول حماس أمام المحكمة عن تفجير بيوت ومؤسسات تابعة لفتح في غزة؟
تصفيات داخلية!