حلب تموت ومعها ضمير الأمة

(حلب تموت ومعها ضمير الأمة)

(حلب تموت ومعها ضمير الأمة)

 لبنان اليوم -

حلب تموت ومعها ضمير الأمة

بقلم : جهاد الخازن

لاعب الكرة الإنكليزي المتقاعد غاري لينيكر يقدم برنامجاً تلفزيونياً في هيئة الإذاعة البريطانية عن مباريات الكرة كل أسبوع خلال موسم اللعب، وهو ارتكب «جريمة لا تُغتَفَر» في تغريدة له قال فيها إن معاملة بعض الناس اللاجئين الصغار «عنصرية كريهة بلا قلب» وسأل: ماذا يحدث لبلادنا؟

هذا التعليق صحيح وأنا أكرره وأتحدى كل مَنْ يعترض أن يواجهني في محكمة بريطانية. مع ذلك تعرض لينيكر لحملات يمينية قبيحة عليه، تثبت صدق قوله، وجريدة «الصن» زعمت أن بي بي سي تفكر في طرده من عمله. هذه الجريدة التي يملكها روبرت ميردوخ يمينية حقيرة كانت تنشر صوراً شبه عارية لنساء في كل عدد والآن أصبحت تغطي جزءاً وتكشف أجزاء من أجسادهن.

«الصن» لا تمثل الشعب البريطاني أبداً، فهو سبّاق في عمل الخير والإنصاف (أتحدث عن الشعب لا أي حكومة)، وعندنا مثل يذكره أكبرنا سناً عندما ثار أعضاء في حكومة أنطوني ايدن ونواب عليه بعد العدوان الثلاثي سنة 1956، وانتصروا لمصر.

أكتب اليوم عمّا يجرى في حلب تحت سمعنا وبصرنا، ونحن نفرك الأكف ونتحسّر أو نبكي ولا نفعل شيئاً آخر.

حلب الحبيبة من أقدم مدن العالم، فعمرها يتجاوز خمسة آلاف سنة، وكل الغزاة القدماء مروا بها، فقد كانت «واسطة العقد» في مجوهرات الشرق الأوسط. قبل الهجمة البربرية عليها كانت أول مدن سورية في كثافة السكان الذين تجاوز عددهم 2.5 مليون نسمة، والآن هناك مئات الألوف من سكانها يواجهون الموت ويجوعون ويمرضون ولا تصل اليهم المساعدات. المحظوظ بينهم هو مَنْ غادر المنطقة وهاجر فلم يبتلعه البحر قبل الوصول الى أوروبا، حيث هناك مَنْ يقول إن بعض المهاجرين الذين قُبِلوا في إنكلترا وغيرها ليس دون الثامنة عشرة. أسأل: لو كان المتَّهِم العنصري مكان اللاجئ السوري هل كان اعترف بعمره أو طلب السلامة؟

حلب كانت قاعدة صناعية، ولي فيها أصدقاء من الصناعيين، وصديقة شابة عالمة نووية، سبق أن كتبت عنهم فلا أعود، وهي «عاصمة الثقافة الإسلامية» وفق إعلان لليونسكو سنة 2006. وهي الآن مقسّمة بين غرب تنشر الحكومة السورية دعايات للسياحة فيه، وشرق يموت أهله كل يوم بالبراميل المتفجرة أو صواريخ للطائرات الروسية الغازية، أو رصاص الإرهابيين.

بعضهم يشبّه مصير حلب ببرلين سنة 1945 وغروزني سنة 2000. ربما، ولكن أرى أن برلين هي مرة أخرى عاصمة ألمانيا، وتمر بمرحلة ازدهار كبير، وأن غروزني قامت من جديد، ثم أفكر في يوم تعود حلب الى أهلها مدينة مزدهرة، ولا أستطيع تحديد يوم بل لا أستطيع أن أرجّح تاريخاً تنتهي فيه مأساة حلب.

أصرخ: لا تدمّروا حلب. لكن مَنْ سيسمع، ومَنْ سينفذ إذا سمع؟ هي أصبحت من نوع مدن ألمانيا الكبرى، لا برلين وحدها، بعد الحرب العالمية الثانية. الدمار في حلب من دون أي حرب عالمية، لم يترك أحداً من أهلها في أمان على نفسه أو أطفاله. كم من المشاهد التي رأينا يفوق ما قرأنا في «مأساة إغريقية»، وهذا مع العلم أن المأساة في سورية حقيقية وليست خرافة؟ طفل ينتحب وقد فقد أمه وأباه، وآخر يمسح الدم عن وجهه، وثالث لا يستطيع النطق خوفاً.

في مأساة حلب الكل متّهَم. بعضنا يمارس الإرهاب، وبعضنا يزعم أنه لا يراه، وآخرون قنعوا بالسلامة في بلاد الناس. ليست حلب وحدها تموت، بل ضمير الأمة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلب تموت ومعها ضمير الأمة حلب تموت ومعها ضمير الأمة



GMT 13:59 2021 الأحد ,27 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 00:15 2021 الأربعاء ,12 أيار / مايو

العلاقات السعودية - الايرانية… وبيل غيتس

GMT 06:00 2021 الأحد ,09 أيار / مايو

أخبار من سورية وفلسطين

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon