بقلم : جهاد الخازن
من معلقة عنتر بن شداد العبسي:
ولقد نزلت فلا تظني غيره / مني بمنزلة المحب المكرم
كيف المزار وقد تربع أهلها / بعنيزتين وأهلنا بالغيلم
إن كنت أزمعت الفراق فإنما / زُمّت ركابكم بليل مظلم
تمسي وتصبح فوق ظهر حشيّة / وأبيت فوق سراة أدهم ملجم
إن تغدفي دوني القناع فإنني / طب بأخذ الفارس المستلئم
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك / إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة انني / أغشى الوغى وأعف عند المغنم
وقال في فراق أحبته:
ظعن الذين فراقهم أتوقع / وجرى بينهم الغراب الأبقع
إن الذين نعيت لي بفراقهم / هم أسهروا ليلي التمام فأوجعوا
وعرفت أن منيتي إن تأتني / لا ينجني منها الفرار الأسرع
وقال في إمرأة أبيه:
أمن سهيّة دمع العين تذريف / لو أن ذا منك قبل اليوم معروف
كأنها يوم صدت ما تكلمني / ظبي بعُسفان ساجي الطرف مطروف
المال مالكم والعبد عبدكم / فهل عذابك عني اليوم مصروف
وقال عن نفسه:
اني امرؤ من خير عبس منصبا / شطري واحمي سائري بالمنصل
إن يلحقوا أكرر وإن يستلحموا / أشدد وإن يلفوا بضنك أنزل
ولقد أبيت على الطوى وأظله / حتى أنال به كريم المأكل
والخيل تعلم والفوارس أنني / فرقت جمعهم بطعنة فيصل
بكرت تخوفني الحتوف كأنني / أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل
فأجبتها إن المنية منهل / لا بد أن أسقى بكأس المنهل
فاقني حياءك لا أبالك واعلمي / اني امرؤ سأموت إن لم أقتل
وقال في عبلة:
عجبت عبيلة من فتى متبذل / عاري الأشاجع شاحب كالمنصل
فتضاحكت عجبا وقالت يا فتى / لا خير فيك كأنها لم تحفل
لا تصرميني يا عُبيل وراجعي / في البصيرة نظرة المتأمل
يا عبل كم من غمرة باشرتها / بالنفس ما كادت لعمرك تنجلي
وقال في يوم جفر الهباءة:
اني أنا عنتر الهجين / فج الأنان قد علا الأنين
عندكم من ذلك اليقين / عبلة قومي ترك العيون
فيشتفي مما به الحزين / دارت على القوم رحى المنون
وله من قصيدة "وأغض طرفي":
يا عبل أين من المنية مهربي / إن كان ربي في السماء قضاها
ولقيت في قبل الهجير كتيبة / فطعنت أول فارس أولاها
اني امرؤ سمح الخليقة ماجد / لا أتبع النفس اللجوج هواها
ولئن سألت بذاك عبلة خبرت / أن لا أريد من النساء سواها
قالت له عبلة كلاماً يكرهه فقال:
سلا القلب عما كان يهوى ويطلب / وأصبح لا يشكو ولا يتعتب
عبيلة أيام الجمال قليلة / لها دولة معلومة ثم تذهب
فلا تحسبي أني على البعد نادم / ولا القلب من نار الغرام معذّب
وقال لها:
ألا يا عبلُ ضيعت العهودا / وأمسى حبك الماضي صدودا
وما زال الشباب ولا اكتهلنا / ولا أبلى الزمان لنا جديدا
إذا بلغ الفطام لنا صبي / تخر له أعادينا سجودا