دونالد ترامب كذاب. هو رأيي فيه إلا أنني ما كنت أجرؤ على قوله لولا أنني وجدت في الأيام الأخيرة أن الاميركيين يقولونه، وأقرأ: ترامب يكذب بمقدار ما يتنفس الناس الآخرون.
ترامب قال حرفياً: «هيلاري كلينتون تلقت تقريراً سرياً للاستخبارات يقول إن ادارة أوباما تساعد بنشاط القاعدة في العراق، أي المنظمة الإرهابية التي أصبحت الدولة الإسلامية».
«واشنطن بوست» أعطت ترامب «أربعة بينوكيو» على هذا الكلام، وبينوكيو هو الصغير في الخرافة الذي يطول أنفه كلما كذب. التقرير الذي يعود إلى سنة 2012 لم يُرسَل إلى كلينتون وإنما الى دوائر حكومية، بما فيها وزارة الخارجية، وهو قال إن السلفيين والإخوان المسلمين والقاعدة في العراق هم القوة وراء التمرد في سورية، وإن الغرب ودول الخليج وتركيا تؤيد المعارضة، وروسيا والصين وإيران تدعم النظام.
هذا الكلام لا يحتاج إلى استخبارات وإنما نعرفه جميعاً، وترامب فسّره كما يريد.
ترامب عاد بعد الإرهاب في أورلاندو إلى المطالبة بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وقال إن أعضاء الجالية المسلمة لا يبلّغون عن دعاة الإرهاب أو ممارسيه. هذا كذب، لأن مدير مكتب التحقيق الفدرالي (إف بي آي) جيمس كومي قال إنهم يتعاونون ويبلغون، وأمامي كلام مماثل لقادة أمن آخرين.
ترامب لا يزال يقول إن اللاجئين من سورية أو غيرها يأتون الى الولايات المتحدة لقتل الأميركيين. الواقع إن جميع اللاجئين الذين سُمِح لهم بدخول البلاد بين 2012 و2015 لا يتجاوز ألفين، وكل منهم يتعرض لتحقيق طويل قبل أن يؤذَن له بالدخول. وعندما هنأ كاهن أميركي جيرانه المسلمين برمضان قال ترامب عنه إنه «مريض».
هو من الوقاحة أن يوجّه أصبع الاتهام إلى باراك أوباما، فبعد الإرهاب في أورلاندو قال ترامب: «انظروا، يقودنا رجل إما أنه ليس صلباً أو ذكياً، أو أن هناك شيئاً آخر في عقله». الميديا الأميركية كلها قالت إن ترامب يتهم أوباما بتأييد الإرهاب. غير أن غالبية الأميركيين أيّدت موقف أوباما بعد الإرهاب.
ترامب ردَّ على الميديا بمنع «واشنطن بوست» من حضور مؤتمراته ومهرجاناته ونقل أخبارها، وكان قبل ذلك منع «فورين بوليسي» (السياسة الخارجية) و «يونيفجن» و «نيو هامبشير يونيون ليدر» و «دي موينز ريجستر» و «ديلي بيست» و«هفنغتون بوست» وغيرها كثير.
لا إنسان عاقلاً في بلد ديمقراطي مثل الولايات المتحدة يعادي الميديا، لأنها باللغة العاميّة «ستمسح به الأرض» وهذا ما فعلت ميديا بلاده.
ما هي النتيجة؟ هناك قاعدة محدودة من الأميركيين الذين يؤيدون ترامب، وهم مثله جهلاً وتطرفاً. إلا أن الغالبية ليست كذلك، وآخر استطلاع للرأي العام قرأته يُظهِر أن هيلاري كلينتون متقدمة عليه بين الناخبين المسجلين جميعاً بتسع نقاط، أو 46 في المئة لها مقابل 37 في المئة له. استطلاعات الرأي العام جعلت ترامب يكفّ عن التفاخر بأنه متقدم على كلينتون بين الناخبين، ويختار أن يتّهم منظمي هذه الاستطلاعات بالتزوير.
ما ليس تزويراً هو أن حاكم ولاية نيو جيرسي لاري هوغان، وهو جمهوري، أعلن رسمياً أنه لن يؤيد ترامب في الانتخابات، وانضم بذلك الى عدد كبير من قادة الحزب الجمهوري لا يريدون أن يمثلهم ترامب، وبعضهم يبحث عن بديل له.
أعتقد أن الوقت تأخر، ولا بديل بعد أن ضمِنَ ترامب غالبية من ممثلي الولايات تؤيده للرئاسة. هذا يعني أن هيلاري كلينتون في طريقها إلى البيت الأبيض، لتصبح أول امرأة تشغل منصب رئيسة الولايات المتحدة منذ الاستقلال سنة 1776.