الفيحاء ستعود وسنشهد ذلك

الفيحاء ستعود وسنشهد ذلك

الفيحاء ستعود وسنشهد ذلك

 لبنان اليوم -

الفيحاء ستعود وسنشهد ذلك

جهاد الخازن

شعرت بأنني أراجع قاموس مرادفات الكلمات وأنا أتابع كلام موظفي الأمم المتحدة الذين دخلوا بلدة مضايا مع رتل من سيارات الشحن التي حملت مساعدات غذائية لحوالى 40 ألف مواطن تحت الحصار منذ تموز (يوليو) الماضي.

كان هناك مَنْ قال إن رؤية الأطفال الجياع «تكسر القلب»، وقال غيره «كارثة إنسانية» أو فاجعة، وسمعت عن مأساة أو مجاعة، وعن سوء تغذية وأمراض.

يحدث هذا في سورية، التي تستطيع أن تطعِم بلاد الهلال الخصيب -أو الذي كان خصيباً- كلها، فهي بلد من سهول وأنهار، ونفط أيضاً. سورية كانت «سلة غلال» الدولة الرومانية قبل 20 قرناً، ويجوع أهلها في القرن الواحد والعشرين.

مضايا ليست وحدها في معاناة تفوق الوصف، فهناك حوالى 15 منطقة محاصرة يقدَّر عدد السكان فيها بأكثر من 450 ألف مواطن. دير الزور محاصرة الآن، فأدعو ألاّ تلقى مصير مضايا.

المفاوضات لإيصال المساعدات كانت طويلة ومتعثرة، وعندما وصلَتْ في النهاية كان 67 من سكان البلدة قد ماتوا جوعاً أو مرضاً، وهناك 400 آخرون تحاول الأمم المتحدة إخلاءهم للعلاج، فأرجو ألا يموت بعضهم قبل أن يخرجوا.

أنا من جيل لم يعرف الفرق بين لبناني وسوري وأردني وفلسطيني. غالبية من أصدقائي في المدرسة الثانوية من المسلمين السنّة في بيروت الغربية كانوا لأمهات سوريات، فاللبناني الشاب الميسور، وله متجر في سوق سرسق، كان يبحث عن عروس من البلد الذي يضم أجمل نساء العرب.

لا يليق وأنا أكتب ألمي ويأسي أن أعطي أسماء، إلا أنها محفوظة في ذاكرتي لمن يريدها شفاهة. كنا مراهقين نذهب الى دمشق، إما في نهاية الأسبوع أو في العطلة الصيفية، وكان بعضنا يحمل حوائج لأهل والدته أو يعود وهو يحملها الى أهله في بيروت. كل الرحلة ما كانت تكلف 300 دولار، وأسمع أن كيلو الرز بيع في مضايا بهذا السعر.

ما تصورت لحظة في تلك الأيام أن تصبح الفيحاء صحراء، وهي أصعب عندما تتصحر القلوب والنفوس، فلا يعود الإنسان يعرف صديقاً من عدو، ولا يأمن على نفسه حتى وهو حبيس بيته.

قبل سنوات فقط، سنوات قليلة، كانت سورية واحة رجاء لكل عربي. كان هناك أمل بمستقبل أفضل، اعتقدنا جميعاً أننا نسير في الطريق الصحيح، كنا نقصد ملاعب الصبا في أقدم مدن العالم، أو في جبل قاسيون أو الغوطة، وربما معلولا، أو تدمر، وكان رفيقُ السفر غير المرئي ذلك الأملَ بأن يرى أطفالنا أياماً أفضل مما رأينا.

هل أعيش لأرى سورية الطفولة والشباب تعود كما عرفتها صغيراً ومراهقاً وشاباً؟ لا سبب منطقياً لتوقع أيام أفضل، إلا أن العناد يغلب الطبع والتطبع وأحلم بيوم قريب أعود فيه الى دمشق، وأسير في سوق الحميدية حتى الجامع الأموي، وقد أنعطف إلى الشارع المستقيم والسور، وربما لعبت البرجيس مع جدة أحد زملاء الدراسة، كما فعلت يوماً، أو أقصد أحد المطاعم التي كنا نرتادها قبل أن نسمع بالكولسترول.

أكاد أقول إن ربنا تخلى عن السوريين، لكن بقية من إيمان وبقية من عناد وبقية من رجاء أو أمل تمنعني. كتب التاريخ تقول إن سورية احتُلت ودمِّرت حاضراتها، غير أن التتر حفظوا آثاراً يدمرها الآن إرهابيون خارجون عن العقل والدين والإنسانية.

سورية جنّة الله على أرضه، لا أذكى ولا أحلى من أهلها، ستنهض من عثارها، وسأكون والقارئ هناك ليهنئ أحدنا الآخر بالسلامة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيحاء ستعود وسنشهد ذلك الفيحاء ستعود وسنشهد ذلك



GMT 18:41 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الإبادة لن تبيد الإرادة

GMT 20:24 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الاقتلاع

GMT 08:41 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران، "حزب الله"... وغزة

GMT 21:16 2023 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرق الأوسط والسلام الضائع

GMT 15:31 2023 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أمم متحدة جديدة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon