جهاد الخازن
الصحافي، أو «سي حافي» كما كان يسميه المصريون، أهوَن خلق الله على الناس. لا أحد يصدقه، خصوصاً إذا كتب الحقيقة... ثم يُقتَل.
أمامي التقرير السنوي الذي يصدره الاتحاد الدولي للصحافيين، وهو يقول إن 2297 صحافياً قتلوا منذ بدء صدور التقرير سنة 1990، ومنهم 112 صحافياً في سنة 2015 وحدها.
القتل شمل العالم كله، وكان لنا في الشرق الأوسط نصيب وافر منه، فنحن أمة أجادت الموت لا الحياة.
التقرير في 83 صفحة وأختار منه، ففي سنة 1990 قتِل 40 صحافياً، كما قتِل 37 في سنة 1998، وأيضاً في سنة ألفين. ثم هناك 121 قتيلاً سنة 1994 ومئة قتيل سنة 2001، و128 قتيلاً سنة 2004، و155 قتيلاً سنة 2006، وهو الرقم القياسي المسجل، و135 قتيلاً سنة 2007 و121 قتيلاً سنة 2012.
أعود الى رقم السنة الماضية، فنصيب العرب منه كان عشرة قتلى في العراق وستة في ليبيا وخمسة في سورية، و11 في اليمن. وربما زدت هنا فرنسا، التي شهدت قتل إرهابيين يدّعون الإسلام 11 صحافياً وعاملاً في المهنة، فلا نملك سوى أن نتذكر صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة والهجوم المجرم عليها.
أكثر شهداء الصحافة ليسوا في بلادنا، وإنما في أفريقيا وأميركا اللاتينية، مع ذلك سجل التقرير قتل 473 صحافياً في الشرق الأوسط بين 1990 و2015. وبما أنني ولدت قبل 1990 فقد كنت مراهقاً عندما اغتيل نسيب المتني سنة 1958 وأطلق حرب صيف تلك السنة، إلا أنني أذكر جيداً اغتيال مؤسس «الحياة» ورئيس تحريرها الأستاذ كامل مروة سنة 1966، ولا أنسى فتحنا باب مكتبه بعد أن سمعنا صوت تكسير (زجاج الشرفة) لنراه ملقى على ظهره، ودائرة دم صغيرة في الصدر حيث قلبه. أذكر أنه كان معي من الزملاء في ذلك اليوم عرفان نظام الدين وراجح خوري ومحمد الملاح. وعشت بعد ذلك، أو عايشت، اغتيال جبران تويني وسمير قصير وآخرين. واغتيل سليم اللوزي سنة 1980 إلا أنني كنت في لندن وجاره في السكن.
كل ما سبق معلومات صحيحة، وضحايا 2015 أرفقت أسماؤهم بصورهم ونبذة عن عملهم. إذا سمح لي القارئ أن أكمل برأي مختصر، فهو أن اغتيال الصحافي يؤدي دائماً الى عكس المطلوب منه، فهو قد يُسكِت رجلاً واحداً أو امرأة، إلا أن عملية الاغتيال تركز الأضواء على سبب قتله، فإذا كان القارئ لم يسمع بالصحافي أو الموضوع الذي اغتيل بسببه، يصبح مطلعاً جداً على أسباب القتل، فهي تظل معه أياماً وأسابيع حتى تغرس في الذاكرة.
ماذا جنى الذين قتلوا زملاءنا في لبنان؟ لا شيء إطلاقاً سوى التركيز على جرائمهم. هل أوقف قتل الصحافيين في العراق انحدار بلد عربي ثري بالماء والنفط الى الهاوية؟ هل هزموا داعش أو أي إرهاب آخر؟ أقول إنهم زادوا المأساة المستمرة. وأسأل السؤال نفسه عن سورية واليمن، وأجد أن كلاً من البلدين دخل مرحلة أسوأ مما عرف في سنوات ماضية وعقود، بل أسوأ من أيام الاستعمار وقبلها عصور الظلام.
ربما كان الصحافي في بلاد أخرى نافذاً وصاحب تأثير في المواقف السياسية، إلا أنه في بلادنا مسكين يكتب فيُتهم بالعمالة للسلطة، أو بخيانة البلد والتجسس لأميركا وإسرائيل. وفي جميع الأحوال لا يصدقه أحد، إلا في حالات نادرة جداً، وتبقى حياته مهددة وهو يتقاضى مرتباً لا يكفي لحياة كريمة مطمئنة. كل ما سبق ثم يواجه القتل. لا أعرف حظاً أسوأ من هذا.