عيون وآذان «القصر» بلدتي

عيون وآذان («القصر» بلدتي)

عيون وآذان («القصر» بلدتي)

 لبنان اليوم -

عيون وآذان «القصر» بلدتي

جهاد الخازن
أكتب اليوم للبنانيين عن بلدة القصر، فهناك جيل أو جيلان لا يعرفانها، وغداً للأردنيين عن الزرقاء وهي معروفة. في رأس الصفحة الأولى من «الحياة» قبل أيام خبر عن صواريخ سورية سقطت داخل لبنان، أول سطرين فيه يقولان: سقطت أمس خمسة صواريخ في محيط بلدة القصر اللبنانية الواقعة على الحدود مع سورية... بلدة القصر جزء من حياتي في لبنان، فقد كان اللبنانيون في موسم صيد العصافير يقصدون بالآلاف سهل البقاع، وكنت وقلّة من أصدقائي نذهب الى جنوب لبنان، وأكثره منطقة عسكرية يُمنع دخولها على غير أهلها، فحصلنا على التصاريح المطلوبة، أو نذهب الى مناطق «الطفّار»، أي الفارين من العدالة عند سفوح الأرز الشرقية حيث تعرفنا إلى كبيرهم حسن دندش، وكان أكثر الصيد بين مدينة الهرمل وبلدة القصر على الحدود مع سورية. المنطقة مغلقة على غير أهلها، لذلك كنا نذهب برفقة أبو دياب ناصر الدين، رئيس حرس دار «الحياة»، وإبن المنطقة الذي شارك صغيراً في أعمال ثأر، فكان يسكن في ضواحي بيروت، ويذهب الى الهرمل في زيارات خاطفة ولساعات معدودة خشية أن ينتبه أعداؤه الى وجوده. أول زيارة لي الى الهرمل مع أخينا أبو دياب جعلتني أفكر هل صيد عصفور القمح (مَطْوَق) يستحق أن يغامر الواحد منا بحياته. كان أبو دياب يجلس الى جانبي وأنا أقود السيارة داخل مدينة الهرمل، فإذا به يستدير الى خلف ويغطي بساعده أكثر وجهه، ويده على زناد بندقية الصيد الموجهة الى الزجاج الخلفي للسيارة، ويقول لحسن عبّود، وهو من حراس «الحياة»، إحمي لي ظهري قدام، وأنا أراقب الخلف. هناك قانون شرف يحمي العلاقات في المنطقة هو «أرض وعَرْض وفَرْض» وقد شرحته في السابق فلا أعود. وذهبنا مرة للصيد من دون قائدنا أبو دياب، ولكن استعلمنا إسمه. وأخطأنا بالقول له بعد العودة إننا على حاجز للطفار قيل لنا: المرة التالية يأتي أبو دياب معكم. هو أتى، وإصبعه على الزناد، وحراس الحاجز رأوه فأسرعوا يقبّلون رأسه، ويقولون إنهم أرادوا حماية إسمه خشية أن نكون نستعمله من دون إذنه. لا مزاح البتة، فعندما أصاب واحد منا طائراً من نوع العقاب فوق ينابيع نهر العاصي كاد أن يُقتل لأن أهل المنطقة يسمّونه «عقاب مار مارون» ويحمونه بالدم إذا لزم الأمر. حسن عبّود قتلته رصاصة قنّاص وهو جالس للحراسة أمام مبنى «الحياة»، بعد أن نجا من كل احتكاك لنا مع المسلحين أو الأمن في المنطقة. كنا يوماً نصطاد في مزارع القصر فإذا بجنديَيْن سوريَيْن يركب كل منهما جملاً يقتربان منا ويطلبان أن نسلّم بنادقنا لأننا في أرض سورية. أبو دياب وضع بندقية الصيد (الجِفْت) في بطن أحد الجنديَيْن وقال لهما بصوت رائحة الموت فيه أن ينزلا من دون نَفَس. نزل الجنديان عن الجملَيْن وقد تملكهما الخوف، وأسرع الفلاحون في المنطقة للصلح بيننا، وحضرت فناجين القهوة بسرعة، والفلاحون يقولون للجنديَيْن: ولَوْ، ما بتعرفوا أبو دياب. وانتهت الجلسة بتبادل العناق والقُبل. ومرة ثانية، عدت أفكر هل صيد عصفور يستأهل أن يُقتل جندي سوري ونصبح جميعاً مطلوبين للعدالة السورية حتى نموت. عادت إليّ فكرة أهمية العصفور عندما اصطحبنا معنا زميلات من الجامعة ذات يوم ليرينَ الصيد على طبيعته. كان نور الصباح بدأ يطلع عندما أطلقتُ النار على عصفور (مَطْوَق) وأصبته. وأسرعت زوجة المستقبل لتحمل العصفور، وعادت وهي تبكي وتقول: بعده سخن، كله دم. هي غضبت غضبة مضرية، مع أنها من القدس، ودخلت السيارة ولم تخرج منها حتى عدنا، وأنا أسأل نفسي هل صيد عصفور في أهمية أن أغامر بعلاقتي بذات الحُسن والجمال. أهل القصر كانوا يعتبرون الصيادين في ضيافتهم، ويصرّون علينا أن نأكل مما تنتج حقولهم، كما كان يفعل أهل جنوب لبنان. أيام طيبة وناس طيبون. رحم الله الأصدقاء جميعاً. لم يبقَ كثيرون مثلهم، واللبناني من آخر جيلَيْن إذا كان يعرف القصر، فمن خبر عن صواريخ سورية. غداً أستعيد ذكريات في الزرقاء. نقلا عن جريدة الحياة
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيون وآذان «القصر» بلدتي عيون وآذان «القصر» بلدتي



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon