كلنا صاحب قضية

كلنا صاحب قضية

كلنا صاحب قضية

 لبنان اليوم -

كلنا صاحب قضية

جهاد الخازن

بعض القراء يعارض حماس إلى درجة أنه يصدق أنها وضعت صواريخ في المدارس، ما يعني بالتالي أنها مسؤولة عن قتل حوالى 500 طفل فلسطيني لا إسرائيل.

عندي اعتراضات مسجلة على حماس، أهمها رفضي انفصالها في قطاع غزة، بل إدانته، إلا أنني أعتبر حماس حركة تحرر وطني في وجه الإرهاب الإسرائيلي. ثم أحاول الموضوعية وأقول إن الصغار في مدارس غزة هم أبناء المقاتلين من حماس، ولم أسمع بعد أن رجلاً، من أي جنس أو لون أو دين، استخدم طفله درعاً بشرية لحماية نفسه، فالمنطق يقول العكس، أي أن يحمي الرجل بجسده طفله، فأذكر الطفل محمد الدرة في غزة.

كلنا «صاحب قضية»، وقد كانت قضيتي ولا تزال الوحدة العربية والحرية والديموقراطية والتقدم الاقتصادي، مع إدراكي أنها لن تتحقق في حياتي. القارئ صاحب القضية يقرأ بحثاً عمّا يؤيد رأيه فيُسرّ به، أو ما يخالف رأيه فيهاجمه كأنه وحده يملك ناصية الحقيقة. وإذا لم يجد القارئ تأييداً أو معارضة يدفع الكاتب الثمن.

أتلقى باستمرار رسائل تحاسبني على ما لم أقل. أنتَ لم تسأل القادة العرب لماذا صمتوا عن حرب غزة. أنت لم تقل من أين سلاح داعش (قلت إن أكثره من احتلال أربع قواعد عسكرية عراقية فرّ منها جنود النظام). أنت لم تذكر أن مصر أغلقت حدودها مع قطاع غزة. أنت لم تنتقد هذا النظام أو ذاك...

كل ما سبق صحيح، والرد الصحيح أيضاً هو أنه يستحيل على أي كاتب أن يحيط بكل القضايا وأن يعلق عليها. في الأخبار العربية عندي خبرة مباشرة في مصر والجزيرة العربية كلها، مع لبنان وسورية والأردن، إلا أنني لا أزعم أنني أعرف عن ليبيا أو السودان مثلاً أكثر من أهلهما. فأكتب فقط عندما أقابل مسؤولين من هذا البلد أو ذاك، أو بعد أن أجري اتصالات أملاً بتقديم مادة مفيدة للقارئ. بالنسبة إلى إسرائيل، مقاطعتي نهائية حتى لو كللت عملية السلام بالنجاح، إلا أن عندي كل المصادر المهمة عن داخل إسرائيل وعن أنصارها في الخارج، خصوصاً في الولايات المتحدة. وعندما أهاجم حكومة مجرمي الحرب أفعل وعندي معلومات مسجلة أحتفظ بها خشية أن يأتي مَنْ ينكر كلامي، ويكذب دفاعاً عن الإرهابيين الإسرائيليين.

ما سبق يقودني إلى الرئيس حسني مبارك، فقد كتبت عنه ما أعرف شخصياً منه ومن أعضاء حكومته، ولم أنقل عن أحد، مع ذلك تلقيت رسائل من قراء، أعتقد أنهم من الإخوان المسلمين، ينكرون ما كتبت ويعطون «معلومات» غير صحيحة فهم لم يروا الرئيس الأسبق في حياتهم، ولم يجلسوا معه ويجروا له مقابلات، ولم تكن لهم معه أحاديث خاصة ليست للنشر، ثم يأتي الواحد من هؤلاء ليثقفني في سياسة حسني مبارك. دنت مرة بعد مرة أداء الإخوان المسلمين في حكم مصر، وأيدت تركهم الحكم، إلا أن الموضوعية جعلتني لا أنكر شعبيتهم الكبيرة بين الناس، فأصرّ مرة أخرى على أن يكون لهم دور سياسي لتستحق الديموقراطية اسمها، والشرط الوحيد نبذهم العنف.

التطرف يدين صاحبه ويلغي حجته، وأقدم للقراء مثلاً بعيداً عنهم هو أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، أو أنصار الإرهاب والاحتلال والقتل. قرأت قبل يومين مقالاً في موقع ليكودي عنوانه «الدستور إلى الجحيم» يبدأ بتيودور روزفلت ورأي له سنة 1902 ويقارنه بشيء كتبه وودرو ولسون سنة 1890، ثم ينتهي بباراك أوباما وقوله إنه يستطيع أن يحكم بتوقيع قرارات إدارية أو تنفيذية.

أين التطرف هنا؟ المقال وكاتبه والموقع الذي نشره والمساهمون الآخرون فيه جميعاً لا يمكن أن يرقوا إلى معرفة باراك أوباما بالدستور، فهو أستاذ جامعي تخرج من كلية القانون في جامعة هارفارد، وعلَّم القانون الدستوري في جامعة شيكاغو، في حين أن المنتقدين خريجو مخابرات إسرائيل واعتذاريون عن إرهابها. هم كانوا يستطيعون مهاجمة الرئيس الأميركي في قضايا عدة إلا أن تطرفهم الأعمى جعلهم يختارون نقطة قوة محسومة له. أرجو أن يكون بين العرب والمسلمين تبادل أفضل للآراء.

الأعلام الصغيرة
غسان شربل
هل يكفي قوله إنه لبناني لتنطلق معه في حوار صريح أو مثمر؟ وهل لا تزال صفة اللبناني تعني اليوم ما كانت تعنيه سابقاً؟ وهل عليه أن يسهل الحوار بالقول إنه ماروني لبناني أو شيعي لبناني أو سنّي لبناني أو درزي لبناني؟ هل عليه أن يعطيك المفاتيح من البداية، كي لا يهدر الوقت في العموميات والتمنيات؟

ولنفترض أنه قاوم وتستر. ولنفترض أيضاً أن اسمه لا يكشف جذوره. المسألة بسيطة. تستدرجه فتعرف. تسأله عن الثورة السورية وسلاح «حزب الله» فتكتشف معسكره. وإذا تغطى أكثر تسأله عن مستقبل الأقليات فيأتيك الجواب.

أبدأ بوطني كي لا أجرح مشاعر الآخرين. أبدأ بما كان وطني. لم يعد ثمة وطن للعربي الذي يرفض الانضواء تحت الأعلام الصغيرة والاحتماء بالجيوش الصغيرة. أقول العربي وأعرف أن هذه الصفة لم تعد تعني ما كانت تعنيه سابقاً. على العربي أيضاً أن يكشف انتماءه الطائفي أو المذهبي ليكون الحوار حقيقياً إذا كان الحوار وارداً.

هل يكفي قوله إنه عراقي؟ وماذا يعني أن يكون المرء عراقياً اليوم؟ وهل يمكنه الاكتفاء بهذه الصفة؟ الحقيقة أنه يمكن أن يوفر عليك مشقة التقصي. لا يكفي أن يقول إنه عربي ولا علاقة له بالإقليم. يجب أن يوضح أكثر. أن يقول إنه شيعي أو سنّي. وإذا حاول التمويه يمكنك استدراجه. تسأله عن «اجتثاث البعث» أو حزب الدعوة أو أحوال الأنبار. لن يتأخر الجواب الواضح في الحضور.

هل يكفي أن يقول إنه سوري؟ وماذا تعني صفة سوري اليوم؟ عليه أن يوضح إن كان عربياً أم كردياً. وإذا قال إنه عربي عليه أن يحدد إن كان سنيّاً أم علوياً أم مسيحياً. وإن حاول التمويه تسارع الى مفاتيح استدراجه. تسأله عن «الجيش الحر» و «النصرة» و «داعش» وعن التعذيب والمفقودين والبراميل. لن يتأخر الجواب.

قبل أعوام، سألتُ في بغداد عن تدهور العلاقات الشيعية – السنّية، جاءني الجواب: «هناك مشكلات وهناك محاولات لإثارة الفتنة. لكن شروط الحرب الأهلية غير متوافرة. لا تنظر الى الوضع العراقي بعيون لبنانية. الجنود الشيعة في الجيش العراقي قاتلوا إيران على مدى سنوات. العراق عميق الجذور ومحصّن. لدينا عشائر نصفها سنّي ونصفها الآخر شيعي. ثم إننا تعلمنا من دروس لبنان». لم أقتنع لكنني تظاهرت.

تصاعد التوتر المذهبي في الإقليم بعد اغتيال رفيق الحريري وإعدام صدام حسين بطريقة أوحت بالثأر والتشفي. سألتُ نفسي كيف ستستطيع سورية الإقامة بين حربين أهليتين، خصوصاً في ضوء تحالفها العميق مع إيران؟ طرحت السؤال في دمشق وجاءني الجواب: «الوضع في سورية مختلف. المفردات اللبنانية لا تصلح لقراءته. في سورية الانتماء القومي والوطني هو الأعمق. هذه التنشئة القومية والوطنية كانت دائماً في طليعة أولويات الحزب والدولة. مشروع التفتيت إسرائيلي. والطائفية في لبنان سُلَّم الى المواقع والمكاسب والحصص». تمنيتُ أن يكون الكلام دقيقاً. لم أقتنع لكنني انتقلت الى موضوع آخر.

لا أريد أبداً التقليل من أخطار «داعش» وضرورة تدميره. لكن الحقيقة هي أن «داعش» وُلد من تمزق مجتمعاتنا، بفعل العصبيات والإقصاء والتهميش والسياسات المجازِفة والقسوة المتمادية.

يعيش أهل الإقليم تحت أعلامهم الصغيرة. يريد ابن الأنبار أن يكون الشرطي سنيّاً ومثله القاضي والمحافظ. يريد ابن البصرة أن يكون الشرطي شيعياً ومثله القاضي والمحافظ. يريد ابن أربيل أن يكون الشرطي كردياً ومثله القاضي ورئيس الإقليم. يهجو العراقيون المحاصصة ويتمسكون بها. الحالمون بحل في سورية يقولون إنه سيكون على النمط العراقي أو اللبناني. دولة مركزية ضعيفة ومحاصصة تتضمن ضمانات للمكوّنات. هذه قصتنا قبل «داعش» وبعده. نؤدي التحية للعلم الوطني وننام تحت الأعلام الصغيرة.

 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلنا صاحب قضية كلنا صاحب قضية



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:17 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
 لبنان اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
 لبنان اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon