جهاد الخازن
ليبيا على حافة هاوية لا قرار لها، وربما هي سقطت فيها من دون أن ندري فأخبارها كلها بين سيء وأسوأ منه، حتى أن بلداً نفطياً كبيراً أصبح على شفير الإفلاس بعد أن هبط الإنتاج 95 في المئة، وما بقي في أيدي جماعات إرهابية.
كنت سأقول: نرجو من آخر مواطن يغادر ليبيا أن يطفئ الأنوار وهو خارج. إلا أن هذه العبارة تُستعمل على سبيل المزاح ولا شيء في ليبيا هذه الأيام يبعث البسمة، وأهل البلد القادرون في مصر أو تونس أو أوروبا، وحتى أميركا، ومَنْ بقي يحاول الخروج. صندوق النقد الدولي حذّر من أن البلاد تواجه الإفلاس، وقد استعملت الحكومة الليبية السنة الماضية 28 بليون دولار من الاحتياطي وبقي عندها81 بليون دولار، فاذا لم يُستأنف إنتاج النفط قريباً، ولا أرى ذلك ممكناً، فإن ليبيا ستصبح أول بلد نفطي عضو في أوبك يعلن إفلاسه.
ربما كان الوضع المالي أهون مشاكل ليبيا فالحياة البشرية أهم، وهناك إرهاب فالت من كل عقال، وحكومتان، أو حكمان، لا جامع بينهما سوى القتل. في الشرق حكومة شرعية يعترف بها العالم. وفي الغرب «فجر ليبيا» التي تضم عصابات إرهابية أعلنت الولاء للدولة الإسلامية، أو داعش في العراق وسورية، وكانت النتيجة ذبح 21 مصرياً قبطياً وتوزيع فيديو على الإنترنت يفاخر بذبحهم.
وعندي نقطة لا بد منها قبل أن أكمل:
- مجلس التحرير الليكودي في «واشنطن بوست» قال في افتتاحية إن الغارات الجوية المصرية بعد ذبح المواطنين المصريين هي مَثل صارخ على ما لا يجوز فعله، والتدخل الذي يريده الرئيس عبدالفتاح السيسي أسوأ. أسأل: أسوأ من ماذا؟ لا يمكن أن يُعتبر أسوأ من تدخل ليكوديين اميركيين في إرهاب محلي، وكل ما يريدون هو أن يقتل العرب والمسلمون أحدهم الآخر لفائدة إسرائيل.
أعود الى موضوعي، فقد قتِل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين في 19/9/2012، ثم أطلقت النار على ديبلوماسي إيطالي وهوجمت السفارة الفرنسية في طرابلس. نحن نسمع عن مثل هذه الحوادث لأنها تستهدف أجانب، غير أن الإرهابيين في ليبيا يقتلون المواطنين كل يوم، فلا تبدي الميديا العالمية اهتماماً بهم، ربما لأن أرواح العرب والمسلمين رخيصة، أو لأن الخبر يتكرر يوماً بعد يوم، فيقل الاهتمام به.
كنا تفاءلنا خيراً بعد أن انتخب الليبيون المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في تموز (يوليو) 2012، فقد كانت أول انتخابات تجري منذ أكثر من نصف قرن، غير أن الجماعات المتطرفة سرعان ما سيطرت على البرلمان وهو أصدر سلسلة قرارات جعلت الشريعة أساس كل القوانين في البلاد. ورأيت رئيس الوزراء في حينه الأخ علي زيدان في دافوس، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو جلس مع الأخ عمرو موسى ومعي وحدثنا عن الوضع في ليبيا وخططه للمستقبل، وبدا معتدلاً يعرف حاجات البلاد وأهلها. إلا أنه لم يعطَ فرصة للتنفيذ.
الآن هناك حكومتان، واحدة في الشرق يعترف بها العالم ويرأسها عبدالله الثني، وأخرى في الغرب بقيادة «فجر ليبيا» تضمّ متطرفين وإرهابيين، غير أن الحكومتين معاً لا تستطيعان تأمين الكهرباء للسكان، وهناك غياب شبه كامل لمؤسسات الدولة والخدمات الصحية والاجتماعية، ومع هذا كله خوف المواطن الليبي على يومه وغده، حتى بات يتحسر على أيام معمّر القذافي الذي يبدو أنه ترك ليبيين كثيرين على صورته ومثاله في الجهل والقتل.
الدول العربية والمسلمة منقسمة بين تأييد حكام شرق البلاد وحكام غربها، فأكمل بها غداً.