أوروبا بين الخوف والأمل
ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مسلح بشمال غرب باكستان إلى 17 قتيلاً على الأقل و32 مصاباً تحطم طائرة من طراز “دا 42″ تابعة للقوات الجوية المغربية بمدينة بنسليمان استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة أخرون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منطقة المواصي جنوب قطاع غزة غرفة عمليات حزب الله تُصدر بياناً بشأن تفاصيل اشتباك لها مع قوة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا جنوبي لبنان وزارة الصحة اللبنانية تُعلن استشهاد 3583 شخصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على البلاد وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

أوروبا بين الخوف والأمل

أوروبا بين الخوف والأمل

 لبنان اليوم -

أوروبا بين الخوف والأمل

أمير طاهري

كانت مدينة دريسدن الواقعة شرق ألمانيا في كل يوم اثنين خلال الشهور الـ6 الماضية محل تجمعات ترفع شعار «احفظوا أوروبا من الأسلمة». والجماعة التي تولت تنظيم تلك الممارسات تُطلق على نفسها اسم «الوطنيون الأوروبيون»، وتستخدم اسم (PEGIDA - بيغيدا) اختصارا، وتمكنت من تكوين 18 فرعا لها في مدن ألمانية أخرى.

دريسدن من المدن التاريخية وتتمتع بسجل ثقافي حافل وفني متميز. وهي أيضا مدينة مأساوية، حيث تحولت إلى أنقاض إثر القصف البريطاني الأميركي خلال المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية ثم عمل الجيش السوفياتي على نهبها، ثم قبعت وراء الستار الحديدي لتكون جزءا من ألمانيا الشرقية الشيوعية.

حينما زرنا مدينة دريسدن لأول مرة في عام 1974، كانت المدينة لا تزال تعلن عن جراحها التاريخية في شكل توابيت متفحمة من المباني التاريخية، بما فيها الكنائس، والتي تُركت كعلامة بائسة على الماضي البغيض. ولكن، وفي ذلك الوقت، كانت المدينة تستعيد ما يكفيها من الجرأة والشجاعة لتغذية المعارضة ضد الإمبراطورية السوفياتية. فلقد كانت من المواضع القليلة للغاية في ألمانيا الشرقية التي تجرأت على التواصل مع الزائرين الأجانب، وبمزيد من الأهمية، إشعار المراسلين الأجانب بلمحات عن مشاعرهم الحقيقية. وبالتالي، لم تكن مفاجأة كبيرة أنه، منذ حقبة الـثمانينات فصاعدا، قادت مدينة دريسدن ثورة شعبية متنامية ضد نظام الحكم الشيوعي. وبحلول منتصف الـثمانينات كانت دريسدن موطن المظاهرات الأسبوعية الداعية إلى إسقاط حائط برلين. وأحد الشعارات الرئيسية في تلك المظاهرات كان «امنحوا الناس حرياتهم!».

وبدأت حركة (بيغيدا) مظاهراتها انطلاقا من تلك التجمعات الأسبوعية التي اعتادتها المدينة في الماضي.

هناك، برغم ذلك، عدد من الاختلافات الجوهرية بين الماضي والحاضر. وفي واقع الأمر، إذا ما أراد أحدنا أن يكون قاسيا في حكمه على حركة (بيغيدا) فإنه قد يشير إلى أن التجمعات الأسبوعية ليست إلا رسوما كاريكاتيرية لتلك المظاهرات التاريخية المناهضة للشيوعية في الماضي.

وأول تلك التباينات هو أن مظاهرات «امنحوا الناس حرياتهم!» كانت تهدف إلى إسقاط الجدار الفاصل بين شطري ألمانيا، بينما تدعو تجمعات (بيغيدا) إلى تشييد جدار جديد، وإن كان جدارا قانونيا وسياسيا. وطالبت المظاهرات القديمة بحرية انتقال وتحرك الناس أينما شاءوا. بينما تطالب التجمعات الجديدة بعدم السماح لفئة معينة من الناس بالذهاب إلى حيث يمكنهم الذهاب حتى لو كانوا يفرون من نظم حكم قاتلة مثل نظام بشار الأسد في سوريا.

والفرق الثاني يكمن في أن المظاهرات القديمة تحدت خصما يسهل تحديده والتعرف عليه بناء على أسس آيديولوجية وتنظيمية. فلقد كانت الإمبراطورية السوفياتية واقعا ملموسا، وكانت كتلة واحدة متفردة بهياكلها الآيديولوجية، والسياسية، والعسكرية، والأمنية، ولديها مصطلحاتها العابرة للحدود من جبال الألب الأوروبية وحتى الشرق الأقصى.

أما الإسلام، وهو هدف حركة (بيغيدا)، برغم كل شيء، فليس كتلة سياسية منفردة ولا هو آيديولوجيا ذات مصطلحات أو إمبراطورية مترامية الأطراف. ولا يمتلك الإسلام دبابات تجوب شوارع دريسدن أو أي مدينة ألمانية أخرى لذلك الغرض. ومن المثير للسخرية، أن مدينة دريسدن، من بين كافة المدن الألمانية، بها واحدة من أدنى النسب المئوية للسكان المسلمين ومن المهاجرين بصورة عامة.

أما الفرق الثالث، وربما أكثر الفروق أهمية، فهو أن المظاهرات القديمة كانت مستوحاة من الأمل وموجهة ناحية المستقبل بينما تخرج تجمعات اليوم من رحم الخوف مع وعود بالعودة إلى ماض لم يكن له سابق وجود.

وأخيرا، تلقت المظاهرات التاريخية المناهضة للشيوعية دعما كبيرا من كلا شطري ألمانيا المنقسمين حينها ومن خارجها كذلك، وبالتالي انطلقت في تيار واحد. أما التجمعات الجديدة، برغم ذلك، شطرت ألمانيا نصفين إثر المسيرات المناهضة لحركة (بيغيدا) والتي نُظمت في أكثر من 10 مدن ألمانية، وعلى نطاق أوسع في بعض حالاتها.

الأسوأ مما تقدم، من زاوية زعماء (بيغيدا) أنفسهم، أن موقفهم المناهض للإسلام، في حقيقة الأمر، يحول دون مناقشة قضية الهجرة بصورة مناسبة، وهي من القضايا المهمة في عامة أوروبا، ناهيكم عن موقف الإسلام كآخر الأديان ذات الجماهير العريضة في القارة القديمة. كان يسيرا على النخبة السياسية الأوروبية الصحيحة أن تسم حركة (بيغيدا) بالحركة النازية الجديدة ومقارنة حملتهم بتلك التي أطلقها هتلر ضد اليهود. ولغلق الباب أمام أي مناقشة في ألمانيا من السهل في غالب الأمر استدعاء أيام الرايخ الثالث البغيضة وتطويع مفهوم «عقدة الذنب التاريخية» كسوط يضربون به على عقدة الصمت والخنوع الألمانية.

تشير حركة (بيغيدا) إلى عدد من المشاكل الحقيقية ولكنها توفر لها حلولا خاطئة، وفي بعض الأحيان، خطيرة. تمر أوروبا بأزمة هوية نشأت إثر تلاشي تراثها المسيحي، وأوجه القصور التي تتعرض لها باستمرار بسبب الديمقراطية، وفقدان الثقة في نظام اقتصادي يعد بالكثير ويحقق القليل.

وبالتالي، تأتي حركة (بيغيدا) جزءا من الشعور الواسع بالضيق والانزعاج الأوروبي والذي أعطى دفعة قوية للجماعات الراديكالية المتطرفة على طرفي النقيض اليميني واليساري على حد سواء. والحركات المشابهة لحركة (بيغيدا)، ومنها الجبهة الوطنية الفرنسية، وحزب الاستقلال البريطاني، وحركة (سيريزا) اليونانية، وحركة (إنديناندوس) الإسبانية، والديمقراطيون السويديون، من بين حركات أخرى كثيرة، بينها وبين الشعور الواسع بالضيق والانزعاج حالة من التغذية المتبادلة والمتواصلة. ظلت حالة الضيق الثقافي الأوروبية محل التأملات والتكهنات لما يربو على عقد من الزمان، حيث ألف البابا راتزينغر الراحل كتابين حولها، مشيرا إلى إحياء الجذور المسيحية في القارة، وهو موقف لاقى أصداء متعاطفة بين أصحاب الفكر الحر من الألمان، وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس.

تُشجع الحركات مثل (بيغيدا) أولئك الساعين إلى تشييد جدار وقائي ضد أي نقاشات مناسبة لعدد من القضايا المعقدة ومن بينها العلاقة بين أوروبا وسكانها من المسلمين. ومع ذلك، فإن ذلك الجدار الوقائي من شأنه أن يقيم غيتو ثقافيا، مما يُصعب الأمر كثيرا على أوروبا لكي توفر لسكانها المسلمين مساحة ملائمة بينما تواجه بعض المسلمين الآخرين بمشاعر الإقصاء والرفض التي، بدورها، تجتذب ملايين من الشبان المسلمين الأوروبيين ناحية كاريكاتير «الجهاد الدموي» الذي تقدمه جماعات الإرهاب الشرق أوسطية ومن بينها الخلافة التي أسسها تنظيم داعش.

وفي حين أن الأمل لا يوحي دائما بالإبداع في مناحي التاريخ، إلا أن الخوف بلا شك يقود إلى الهزيمة الذاتية المدمرة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا بين الخوف والأمل أوروبا بين الخوف والأمل



GMT 18:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 18:29 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 18:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 18:25 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

GMT 18:19 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شَغَف عبدالرحمان

GMT 18:17 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

البحث عن الرفاعي!

GMT 18:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عكس الاتجاه هناك وهنا (4)

GMT 18:15 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة وتوابعها

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 15:29 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 05:15 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لجنة الانضباط تفرض عقوبات على الأندية العمانية

GMT 13:13 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon