الصين والشرق الأوسط الحذر هو كلمة السر

الصين والشرق الأوسط: الحذر هو كلمة السر

الصين والشرق الأوسط: الحذر هو كلمة السر

 لبنان اليوم -

الصين والشرق الأوسط الحذر هو كلمة السر

أمير طاهري

يبدو أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما عازمة على التخلي عن الريادة العالمية، ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن للصين أن تملأ الفجوة التي يمكن أن تنشأ في منطقة الشرق الأوسط؟ لقد طالب أوباما الرئيس الصيني الجديد شي جين بينغ في الآونة الأخيرة بأن يلعب «دورا نشطا» في رعاية عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو ما أضاف زخما لهذه المسألة. وخلال الأسبوع الماضي، كان هناك حديث في بكين عن استضافة لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وسوف تقوم الصين بدور «الوسيط النزيه»، على عكس الولايات المتحدة «المنحازة كثيرا لإسرائيل». وقد زادت التكهنات بشأن دور الصين في منطقة الشرق الأوسط، بعدما أعلن مقربون من الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني أنه سيقوم بزيارة بكين في وقت قريب بـ«أفكار جديدة» لحل الأزمة القائمة بشأن طموحات إيران النووية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الصين مستعدة للقيام بدور قيادي في منطقة الشرق الأوسط؟ أعتقد أن الإجابة ما زالت «لا». بالتأكيد، عززت الصين مكانتها في المنطقة على مدى العقود الثلاثة الماضية. وبعدما نجحت في إقامة اقتصاد رأسمالي يعتمد على التجارة الخارجية، أصبحت الصين تعتمد على العالم الخارجي للحصول على الطاقة والمواد الخام الأخرى، وكذلك الأسواق لبضائعها المصنعة. وقد أدى هذا الاعتماد إلى ما يسمى بعقيدة «الوصول»، التي بدورها أجبرت بكين على اتباع سياسة خارجية فعالة. وكانت النتائج مثيرة للإعجاب في منطقة الشرق الأوسط، فخلال العام الماضي أصبحت الصين أكبر شريك تجاري في المنطقة، كما أصبحت أكبر مستورد للنفط من المنطقة، في الوقت الذي انخفضت فيه واردات الولايات المتحدة من المنطقة بنسبة 50 في المائة. وأصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في إيران والعراق، كما أصبحت لاعبا رئيسا في صناعة الأسلحة الإيرانية. وخلال العام الماضي بدأ مصنع الصواريخ الذي أنشأته الصين كأحد أكبر المصانع من نوعه في العالم، الإنتاج في إيران. وعلاوة على ذلك، تشارك الصين في مشروعات كبرى للهندسة المدنية في عشرات الدول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والجزائر. وعلى مدى العامين الماضيين، قامت البحرية الصينية الحريصة على تقديم أوراق اعتمادها في «المياه الزرقاء» بزيارات ودية إلى سبعة بلدان، من الخليج إلى عمان إلى البحر الأحمر وخليج عدن. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ القرن الخامس عشر الذي تقوم فيه البحرية الصينية بزيارة المنطقة وهي تحمل العلم الصيني. وعززت الصين وجودها في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، كما تعزز من مكانتها كمورد رئيس للأسلحة في المنطقة، فخلال العام الماضي باعت الصين أسلحة بقيمة مليار دولار إلى ستة بلدان. والأهم من ذلك هو أن البحرية والقوات الجوية الصينية تقيمان علاقات مع القوات المسلحة لعدة دول، من بينها إيران والعراق، وحتى تركيا التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي، وتجري معها مناورات مشتركة وتتبادل معها المعلومات. وقام «المبعوث الصيني الخاص بالشرق الأوسط» وو سيكه بزيارة عدة عواصم للحديث عن قدرة الصين على القيام بدور الريادة في المنطقة. وعلى مدى العقود الماضية، عملت الصين على تحسين معرفتها بمنطقة الشرق الأوسط، ففي عام 1970 عندما قمنا بزيارة الصين لأول مرة، كان هناك 120 شخصا يتحدثون باللغة الفارسية في جمهورية الصين الشعبية، وجميعهم تدربوا في أفغانستان، وكان عدد المتحدثين باللغة العربية لا يتجاوز بضع عشرات، وكلهم تدربوا في جنوب اليمن آنذاك في ظل الحكم الشيوعي. واليوم، وصل عدد الصينيين الذين يتقنون لغات الشرق الأوسط إلى الآلاف. وأنشأت الصين عددا من المعاهد المتخصصة في دراسة سياسة وتاريخ وثقافات الشرق الأوسط. وأصبح المواطنون الصينيون العاديون أكثر معرفة بمنطقة الشرق الأوسط، فبعضهم يعمل في المنطقة، والبعض الآخر يأتون سياحا. ورغم كل ذلك، فإنه من السابق لأوانه، إن لم يكن في غير محله تماما، أن نتحدث عن الدور القيادي للصين في المنطقة. وحتى يمكننا فهم الطريقة التي يجري بها تشكيل السياسة الخارجية الصينية، يتعين علينا أن نتذكر كلمة واحدة وهي «الحذر». تدعي النخبة الحاكمة في بكين أن تاريخها الثوري هو حجر الزاوية في شرعيتها، ويرجع ذلك إلى سببين؛ الأول هو أنه غالبا ما يُنظر إلى العالم الخارجي على أنه مصدر للخطر، ولا سيما أن الصين كانت خاضعة لحكم الغزاة الأجانب على مدى جزء كبير من تاريخها. والسبب الثاني هو أن الصين لديها نظام اقتصادي «قاري»، بمعنى أنه يمكنها أن تنتج كل شيء تحتاج إليه تقريبا، وبالتالي يمكنها تجنب الاعتماد على التجارة الخارجية، وحتى طريق الحرير الذي أصبح لمدة قرن أو نحو ذلك قناة للتجارة الدولية لم يلعب دورا حيويا في الاقتصاد الصيني بشكل عام. ويملي مبدأ الحذر اثنتين من الضرورات على الصين؛ الأولى هي عدم الاعتماد على أي مصدر أجنبي للطاقة والمواد الخام، وهذا هو السبب الذي جعل الصين تستثمر بقوة في تطوير مواردها من النفط والغاز الطبيعي، ولا سيما في شينجيانغ (تركستان الشرقية). وعلاوة على ذلك، توجد بكين في صناعات الطاقة في تركمانستان وكازاخستان، وساعدت في إنشاء أطول خط أنابيب للنفط من آسيا الوسطى. وهناك خطة طموحة للتوسع بشكل كبير في إنتاج الطاقة الكهرمائية والنووية كجزء من استراتيجية تجنب الاعتماد على الشرق الأوسط. وتسعى الصين أيضا إلى أن يكون لها موطئ قدم في مناطق أخرى غنية بالنفط، مثل خليج غينيا وخليج المكسيك. أما الضرورة الثانية التي يمليها الحذر، فهي عدم التدخل في الصراعات داخل أي منطقة أو حولها، من ثم، فعلى سبيل المثال، تمكنت الصين من تحويل كوريا الشمالية إلى مشكلة أميركية، مستأثرة لنفسها بدور «الوسيط الأمين». في الشرق الأوسط، رفضت الصين التدخل في النزاع بين إيران والإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بالجزر الثلاث في مضيق هرمز. وحول سوريا، حاولت تأمين رهاناتها. إن أسلوب الصين في التعامل مع إيران توجيهي على وجه الخصوص. لقد صوتت بكين لصالح كل مشروعات قانون مجلس الأمن الخاصة بفرض العقوبات، لكنها ظلت بزعمها أنها قد خففت من الإجراءات العقابية التي طالبت بها الولايات المتحدة. إن الأميركيين يشعرون بالسعادة لأن الصين قد سمحت بهدوء بتجاهل بعض العقوبات من قبل الشركات المملوكة للدولة. في المقام الأول، تبدو الصين متلهفة على تقليل المخاطر التي تكتنف علاقاتها مع إيران. لقد انخفضت واردات الصين النفطية من إيران من نسبة 16 في المائة في عام 2009 إلى أقل من ستة في المائة في عام 2012. ويبدو أيضا أن المشروع الذي يكثر الحديث عنه والذي بموجبه كان سيتمكن الصينيون من إنشاء 22 محطة طاقة نووية في إيران قد جرى إرجاؤه. خلال العامين الماضيين، تقلص حجم التجارة بين إيران والصين بنسبة 30 في المائة تقريبا، ويرجع ذلك جزئيا إلى هبوط قيمة الريال الإيراني.. الأمر الذي جعل الواردات أعلى تكلفة وشجع الإنتاج المحلي. في الوقت الراهن، ترفض الصين التورط في أي نزاع في الشرق الأوسط، مكتفية بالمشاهدة من على الهامش، رغم أنها ربما تطأ قدما وتخطو بضع خطوات. نقلا عن جريدة الشرق الاوسط

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين والشرق الأوسط الحذر هو كلمة السر الصين والشرق الأوسط الحذر هو كلمة السر



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon