مصر تسقط أو لا تسقط هذا هو السؤال

مصر: تسقط أو لا تسقط؟ هذا هو السؤال

مصر: تسقط أو لا تسقط؟ هذا هو السؤال

 لبنان اليوم -

مصر تسقط أو لا تسقط هذا هو السؤال

أمير طاهري

«دعوا مصر تسقط!»، هذه هي الرسالة التي يبعث بها بعض المحللين وصناع السياسات في العواصم الغربية، في الوقت الذي يقابلها رسالة أخرى من جانب محللين وصناع سياسات آخرين تقول: «مصر أكبر من أن تسقط». ويرى مؤيدو رسالة «دعوا مصر تسقط» أنه لا يوجد أي سبب يجعل الديمقراطيات الغربية تحرص على مساعدة حكومة يهيمن عليها الإخوان المسلمون وأن المصريين لا يتعين عليهم إلا أن يلوموا أنفسهم نتيجة الفوضى التي تجتاح البلاد لأنهم هم من استبدلوا النظام «الديكتاتوري» لمبارك بنظام «ظلامي» يعيق التقدم والمعرفة. وعلى الجانب الآخر، نجد أن أصحاب رسالة «مصر أكبر من أن تفشل» يتعاطفون قليلا مع الرئيس محمد مرسي ويقولون: إن القوى الغربية يجب أن تشعر بالقلق تجاه ما يحدث في مصر. وأرى أن كلا الرأيين قد جانبه الصواب وفي غير محله. دعونا نبدأ أولا بوجهة النظر الثانية التي تقول بأن مصر أكبر من أن تسقط، فرغم أن مصر بعيدة كل البعد عن الانهيار الاقتصادي، فإن إشارات الخطر قد بدأت تظهر في الأفق بالفعل، حيث وصل معدل التضخم إلى نحو 10% وهو ما بدأ يؤثر بالفعل على مستوى معيشة المواطن المصري، رغم أن هذا المعدل لم يتعد نصف معدل التضخم في إيران. ومع الوضع في الاعتبار أن كثيرا من المصريين يعيشون على حافة الفقر، فإن أي زيادة في معدل التضخم سيكون تأثيرها على المصريين أكبر من التأثير الذي تحدثه زيادة مماثلة في إيران، نظرا لأن حجم الطبقة الوسطى في إيران أكبر بكثير من مصر. وعلاوة على ذلك، يرتفع معدل البطالة في مصر بصورة كبيرة ووصل إلى نحو 13%. وللوهلة الأولى، لا يبدو هذا مقلقا إذا ما قورن بدولة مثل إسبانيا التي يصل معدل البطالة فيها إلى 23%. ومع ذلك، يكون تأثير البطالة أسوأ بكثير في مصر عما هو عليه في إسبانيا، حيث تفتقر مصر إلى شبكة الأمان الاجتماعي المتاحة في إسبانيا بمساعدة الاتحاد الأوروبي، علاوة على أن مدخرات المصريين لا ترتقي لمدخرات الإسبان التي كونوها على مر السنين. ووصل حجم الدين المصري إلى أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي. صحيح أنه أقل من دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا، ناهيك من اليابان، ولكن هذه المقارنات مضللة وفي غير محلها في حقيقة الأمر، فرغم الانخفاضات الأخيرة في التصنيف الائتماني لتلك الدول، فإن أسعار الفائدة على ديون الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان قد وصلت إلى معدلات منخفضة للغاية تعد هي الأقل على مدار تاريخها، وهو ما يعني أن الدولار الذي تقترضه مصر يكون أكثر تكلفة من نفس الدولار الذي تقترضه القوى الاقتصادية الكبرى. وهناك مصدر خطر آخر يتمثل في انخفاض احتياطي مصر من النقد الأجنبي من نحو 40 مليار دولار خلال العام الأخير من حكم مبارك إلى أقل من 13 مليار دولار ونحن على وشك انتهاء العام الأول من حكم مرسي. ومع الوضع في الاعتبار أن مصر تستورد السواد الأعظم من المواد الغذائية ونحو 70% من الطاقة، فإن انخفاض احتياطي النقد الأجنبي قد يؤدي إلى عجز هائل. وكانت إحدى نتائج ذلك التوجه إلى ما يسمى بالدولرة، حيث اتجهت الشركات والأفراد إلى بيع الجنيهات المصرية وشراء عملات أجنبية، وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة الجنية المصري بنسبة 20%. ومرة أخرى، أؤكد على أنه قد لا يكون ذلك كارثيا إذا ما قورن بالريال الإيراني الذي هبطت قيمته بنحو 70% خلال الـ12 شهرا الماضية، ولكني أؤكد مرة أخرى أيضا على أن هذه المقارنة في غير محلها، ولا سيما أن الريال الإيراني قد يتعافى عندما ترتفع أسعار النفط، أما الجنيه المصري فلا يمكن أن يعتمد على مثل هذه العوامل الخارجية. والأهم من ذلك هو أن إيران ليس لديها تقريبا أي ديون خارجية يتعين عليها سدادها، في الوقت الذي ستكون فيه مصر، التي تنخفض قيمة عملتها، بحاجة إلى أموال أكثر لسداد ديونها الخارجية. وعلاوة على ذلك، تواجه مصر مشكلة أخرى تتمثل في هروب رؤوس الأموال بشكل كبير من البلاد، حيث يقوم الكثير من الشركات والأشخاص بنقل أموالهم إلى خارج البلاد، في الوقت الذي هبطت فيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أدنى قيمة لها منذ 20 عاما. هذا النزيف ليس قاتلا أو كارثيا، ولكن هروب رؤوس أموال تقدر بأكثر من 5 مليارات دولار ليس بالشيء الجيد. إن انخفاض أعداد السائحين بشكل ملحوظ وتجميد الاستثمارات في تصنيع السلع الاستهلاكية يحرم مصر من أكبر مصدرين للدخل الأجنبي. وما جعل الأمور أسوأ هو اللامبالاة الملحوظة من جانب إدارة مرسي في مواجهة العواصف الاقتصادية التي تتجمع مع بعضها البعض. لقد حاولت تلك الإدارة الحد من الواردات، وبالتالي ضغطت على الطبقة الأفقر من المصريين، في الوقت الذي عملت فيه على زيادة الإنفاق الاجتماعي، مما أدى إلى زيادة العجز في الميزانية. ومما سبق يتضح لنا أن مصر ليست أكبر من أن تسقط! ولكن هل يعني هذا أن نؤيد دعوة «دعوا مصر تسقط»؟ في الحقيقة، يتحرك أولئك الذين يدعمون هذه الدعوة بدافع من اعتبارات آيديولوجية، فهم ليسوا سعداء لأن المصريين قد صوتوا لرئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين ويريدون لمصر أن تسقط حتى يمكنهم الادعاء بأن مرسي وجماعة الإخوان المسلمين قد سقطوا. في الواقع، هذه رؤية قاصرة من يتبناها يشبه المأجورين والمرتزقة ويريد أن يعاقب المصريين لأنهم لم يختاروا الحكومة التي كانت تريدها القوى الغربية. وبدلا من الوقوف لمشاهدة مصر وهي تعاني من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، يتعين على الاقتصاديات الكبرى التدخل ومساعدة مصر على عبور تلك المرحلة الانتقالية الصعبة لأن ذلك يصب في مصلحتها أيضا، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، قامت الولايات المتحدة بمساعدة بلدان أوروبا الغربية على بناء اقتصاد جديد قائم على السوق للحفاظ على الهياكل الديمقراطية، وهي الاستراتيجية التي تحقق النفع للجميع، والتي أدت إلى ظهور شركاء اقتصاديين كبار على جانبي المحيط الأطلسي. ويتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى نفس الاستراتيجية مع بلدان الربيع العربي، لأن ذلك سيؤتي بثماره على المدى الطويل. غالبا ما يرتكب الناس الذين يبنون مصيرهم بأيديهم أخطاء فادحة ويدفعون الثمن في نهاية المطاف، ولكن لا ينبغي لنا أن نعاقبهم عمدا عن رفضهم للحكم التعسفي والاستبدادي. وحتى الآن، عرضت الولايات المتحدة حزمة مساعدات بقيمة 190 مليون دولار، في الوقت الذي وضع فيه صندوق النقد الدولي نحو 4 مليارات دولار على طاولة المفاوضات مع الحكومة المصرية، كما وعدت بلدان عربية غنية بالنفط بتقديم مساعدات مماثلة، ولكن كل هذا لا يعدو كونه مجرد محاولة لوقف النزيف من خلال ضمادات مؤقتة، وما هو مطلوب عبارة عن تجمع للقوى الكبرى وحلفائها في المنطقة، فيما يمكن أن يطلق عليه نادي «أصدقاء الربيع العربي»، لتقديم مساعدات ضخمة وهادفة في سياق استراتيجية اقتصادية وسياسية واضحة لمصر ودول عربية أخرى تبحث عن مستقبل مختلف. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر تسقط أو لا تسقط هذا هو السؤال مصر تسقط أو لا تسقط هذا هو السؤال



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon