إيران بين الغطرسة والفعل الانتحاري

إيران بين الغطرسة والفعل الانتحاري

إيران بين الغطرسة والفعل الانتحاري

 لبنان اليوم -

إيران بين الغطرسة والفعل الانتحاري

بقلم - أمير طاهري

تتطلع طهران، استعداداً لما يعتقدون أنه سيكون التحدي الأكبر أمام النظام، نحو دول الجوار القريبة أو البعيدة من أجل مساعدتها في التصدي للعقوبات الجديدة التي تعدّها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن. وتتم دراسة خطة لها ثلاثة أهداف رئيسية.
الهدف الأول هو ضمان تصدير إيران كمية من النفط تكفي لتمويل «النفقات الضرورية» بما فيها دفع رواتب موظفي الحكومة وأفراد الجيش. الهدف الثاني هو ضمان توافر ما يكفي من العملة الأجنبية في السوق المحلية من أجل إبطاء التراجع المتوقع للعملة المحلية؛ وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة التضخم. أخيراً، تستهدف الخطة ضمان توافر المواد والسلع الأساسية بما فيها القطع التي تدخل في الصناعة واللازمة لاستمرار عمل المصانع الكبرى.
يعتمد النجاح في كل تلك الأمور على مدى حسن النية التي تعتزم دول الجوار إظهارها في مواجهة خطر انتقام واشنطن. فيما يتعلق ببيع النفط، ربما تتمكن كل من روسيا والعراق من السماح ببيع النفط الإيراني من خلال قنواتهم الموجودة بالفعل، أو عبر عمليات تبادل جزئية؛ مما يجعل من الصعب على واشنطن تحديد المصدر بوضوح واتخاذ إجراء عقابي تأديبي. تركيا من جانبها قادرة على خفض وارداتها النفطية من المصادر الأخرى مما يتيح زيادة وارداتها من إيران. فيما يتعلق بتوافر المزيد من العملة الأجنبية، تنتشر الدولارات الأميركية في كل من أفغانستان والعراق، ويتحكم صغار رجال الأعمال في الجزء الأكبر منها، وتتطلع النخبة السياسية دوماً إلى تحقيق المزيد من الأرباح.
ويُذكر أن هناك مبالغ مالية كبيرة من النقد الأجنبي قد دخلت إيران من العراق وأفغانستان وأذربيجان وحتى جورجيا خلال الأشهر القليلة الماضية. كذلك، اتخذت تركيا من جانبها موقفاً لمنع النزف الشديد للعملة الأجنبية من إيران. وكانت حاجة إيران الماسّة إلى حسن النية من جيرانها موضوع الخطاب الأخير للرئيس حسن روحاني، وبخاصة في الوقت الذي يتوقع فيه استمرار تراجع دعم الاتحاد الأوروبي. يشير كل ذلك إلى أن روحاني وفريقه مقتنعون بأنهم سوف يضطرون في النهاية إلى إقامة حوار مع إدارة ترمب، لكنهم يأملون أن يسعوا وراء الحوار عندما تتغير أجزاء من المشهد لصالح الجمهورية الإسلامية.
سيتم الترحيب في طهران بأي عرض أو أداء سيئ للحزب الجمهوري خلال الانتخابات النصفية المقرر إجراؤها الشهر المقبل في الولايات المتحدة، حتى إذا لم يخسر ترمب السيطرة على الكونغرس. وربما يكون الأهم من ذلك هو اعتقاد روحاني أنه إذا تمكنت إيران من التكيف والتأقلم مع «أقسى عقوبات في التاريخ»، كتلك التي يفرضها ترمب، لمدة عام أو نحو ذلك، سوف تتمكن إيران من الاتجاه نحو إقامة حوار دون أن تكون ممتهنة وذليلة بشكل واضح.
سوف يتيح النجاح في الصمود لمدة ستة أشهر أو عام لـ«المرشد الأعلى» علي خامنئي الإلقاء بثقل فصيله السياسي فيما يتعلق بالمحادثات مع «الشيطان الأكبر» من خلال الزعم أن «طريقة مقاومته» قد أجدت نفعاً. المشكلة الأساسية في استراتيجية طهران هي أن جزءاً كبيراً منها يقوم على الأماني والأحلام، حيث يسود علاقات إيران مع كل دول جوارها، بما فيها روسيا، توتر أكبر من ذلك الذي يسود علاقتها بالولايات المتحدة. ورغم أن طهران قد تخلت عن موقفها التاريخي تجاه بحر قزوين، ووافقت على التوقيع على اتفاق أملته موسكو عليها، لم تفِ القيادة الروسية بأي من وعودها الكثيرة لإيران.
ولا تزال إيران في أفغانستان أكبر طرف متبرع بالمساعدات بعد الولايات المتحدة والهند، ومع ذلك تعارض كل من الحكومة في كابل، والجماعات المسلحة بما فيها حركة طالبان، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتعتبرها خطراً وتهديداً نظراً لتعارض وجهتي نظر كل من الطرفين فيما يتعلق بـ«الهوية الأفغانية». كذلك، ينظرون إلى النظام الإيراني الحالي باعتباره مطية لآيديولوجية تستهدف غزو المنطقة بأكملها باسم النسخة التي تتبعها من الدين الإسلامي.
ترى طهران أن الحكومة الباكستانية الجديدة، التي يقودها عمران خان، أكثر ميلاً نحو إقامة علاقات جيدة مع إيران، مقارنة بنواز شريف رئيس الحكومة السابق. ربما تكون هذه حقيقة أو لا تكون، لكن تظل حقيقة اعتماد عمران خان بشكل كبير على دعم الجيش الباكستاني قائمة، وهو كذلك غير مستعد لقطع العلاقات مع الولايات المتحدة لاتخاذ جانب ملالي طهران.
وتوجد علامة استفهام كبيرة على الحكومة العراقية الجديدة فيما يتعلق بنواياها تجاه طهران. بالنظر إلى الوضع الحالي من غير المرجح أن يكون العراق مستعداً لاتخاذ جانب إيران، فيما يراه الجميع معركة خاسرة في نهاية المطاف. ويأتي على رأس جدول أعمال عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي الجديد، إلغاء كامل العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على العراق منذ عام 1991، وسيتطلب ذلك الحصول على دعم قوي من واشنطن. كذلك، يمقت الكثير من العراقيين تولي فيلق القدس، لا الحكومة الإيرانية «الطبيعية»، إدارة العلاقات مع إيران. كذلك، لا يزال الكثير من أكراد العراق متألمين من عرقلة طهران وأنقرة وبغداد لإفساد استفتائهم على «الاستقلال». كذلك، يزدري أكثر شيعة العراق ما تبذله طهران من محاولات لجعلهم «حصان طروادة» في بغداد.
على الجانب الآخر، رغم أن علاقات طهران مع كل من عُمان، وقطر، لا تزال قوية، فإنها لا تخلو من توترات. تمكّنت عُمان من العمل من كثب مع إيران؛ نظراً لرغبة الحكومات الأميركية المتعاقبة في أن تكون قناة اتصال مع طهران. ومن غير المؤكد أن يستمر الحال على هذا المنوال، ويواصل ترمب تبني تلك السياسة حتى إذا كان ذلك يعني التأثير على العقوبات لصالح الجمهورية الإسلامية. سوف تفكر قطر أيضاً مرتين قبل أن تصبح جزءاً من الخطة الإيرانية لمعارضة استراتيجية ترمب الجديدة. 
ربما يكون الأهم من ذلك هو تراجع احتمال اضطلاع تركيا بالدور الذي حددته لها طهران في السيناريو. وقد أظهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنه قادر على أن يكون قاسياً في تحدي القوى الكبرى، حين يتطلب الأمر ذلك. مع ذلك، أظهر أيضاً أنه يعلم الفرق بين الكبرياء والسلوك الانتحاري. وسوف يصنع «المرشد الأعلى» الإيراني لنفسه وللشعب الإيراني معروفاً، ويفعل صنيعاً إذا تفكّر في ذلك الفرق أيضاً.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بين الغطرسة والفعل الانتحاري إيران بين الغطرسة والفعل الانتحاري



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:49 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 لبنان اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon