سوريا ضرورة العودة إلى جوهر النقاش

سوريا: ضرورة العودة إلى جوهر النقاش

سوريا: ضرورة العودة إلى جوهر النقاش

 لبنان اليوم -

سوريا ضرورة العودة إلى جوهر النقاش

أمير طاهري

بقدر أهمية قضية السياسة الخارجية، فأسوأ ما قد يقع هو أن يتم تحويلها إلى قضية سياسة داخلية أميركية. هذا هو ما حدث في قضية العراق التي ما زالت تثير العواطف في واشنطن، عندما أنفقت الولايات المتحدة قدرا كبيرا من الأموال والأرواح، كما يحلو للأميركيين تذكير الجميع، لكنها انتهت دون مكاسب ملموسة. تحول العراق إلى رمز للكثير من الأشياء، عدا العراق ذاته. ونحن الآن نواجه الخطر ذاته أيضا بإمكانية تحول سوريا إلى رمزا لأشياء أخرى لها علاقة محدودة أو لا علاقة لها أصلا بالمأساة السورية. دعونا نبدأ بباراك أوباما. لا يزال الرئيس الأميركي يخوض حملته الرئاسية لعام 2008، محاولا إثبات أنه ليس جورج بوش، فبعد يوم من إعلانه نيته قصف سوريا عاد ليقول إنه لن يقدم على ذلك دون موافقة الكونغرس. وكمحام دستوري، يعلم أوباما أن النظام الأميركي للحكومة قائم على الفصل بين السلطات. وهذا يعني أنه رغم السلطة التشريعية، على سبيل المثال، ينبغ أن يستشار الكونغرس قبل التنفيذ، وأن الرئيس يملك سلطة استخدام القوة في الدفاع عن الضرورات الوطنية. هذا هو ما فعله الرؤساء الأميركيون في فترات مختلفة وفي ظروف مختلفة. ويذكر التاريخ أن الرئيس توماس جيفرسون أوفد قوة لسحق قراصنة شمال أفريقيا التي أغارت على السفن الأميركية في البحر الأبيض المتوسط. واستخدم جيمس فولك القوة لتوسيع مناطق الاتحاد ضد قبائل السكان الأصليين وجيرانهم من اللاتينيين. وكان تيودور روزفلت لا يتورع عن استخدام القوة دون الحصول على موافقة الكونغرس. وفي الآونة الأخيرة، أمر هاري ترومان بالتدخل في كوريا بموجب سلطته. وفعل جون إف كيندي الشيء نفسه بقيادة الولايات المتحدة في حرب فيتنام وكاد يتسبب في انطلاق مواجهة نووية مع الاتحاد السوفياتي على كوبا. ولم يحظ جيرالد فورد برغبة كبيرة في استعمال السلاح في حادثة ماياجويز. واستخدم رونالد ريغان السلطات الرئاسية لإرسال مشاة البحرية إلى لبنان وغزو غرينادا. كما أمر بشن غارات جوية ضد ليبيا. ولم يطلب بيل كلينتون الإذن عندما قصف السودان وأفغانستان، وأمر بعد ذلك بالتدخل في البوسنة وكوسوفو. ينص قانون سلطات الحرب على أن الرئيس لا يملك صلاحية الأمر بهجوم عسكري في الحالة التي لا تنطوي على تهديدات فعلية أو وشيكة للدولة. ورغم ذلك، فالنقطة المحورية هي أن الرئيس هو الذي يقرر ما إذا كان أو لم يكن هناك مثل هذا التهديد. عندما أعلن أوباما، الأسبوع الماضي، أنه بصدد اتخاذ إجراءات كان الافتراض الأولي أنه اتخذ القرار الضروري. وعندما أسقط قنبلة التشاور مع الكونغرس اعترف بأنه لم يفعل. ربما يكون أوباما ضحية لشغفه بإلقاء الخطب. غير أنه في كثير من الأحيان، لا يوجد لديه ما يقوله، ولكنه يقولها بشكل جميل. قبل عامين، قال ينبغي أن يرحل الرئيس السوري بشار الأسد. لم يجبر أحد أوباما على تأكيد ذلك الإعلان. لكن، من الواضح أنه عندما كان يقول ذلك كان يستمتع به، كان ذلك يبدو ممتعا للغاية. فعل أوباما الشيء ذاته في وقت لاحق من العام عندما أعلن أن استخدام الأسلحة الكيميائية من جانب الأسد سيكون «خطا أحمر»، إن تم عبوره فسيكون له «عواقب». ومرة أخرى، لم يجبره أحد على الإدلاء بهذا التصريح. ومرة أخرى، بدا كأنه يستمتع بقول هذا. رغم ذلك، حدث ما حدث. وسواء رغب في ذلك أم لا، سيقود أوباما الولايات المتحدة 38 شهرا أخرى. يجب ألا يستخدم خصوم الرئيس سوريا كوسيلة لتصفية الحسابات مع أوباما. فالرغبة في هزيمة أوباما في الكونغرس حول سوريا كبيرة جدا لدى الجناح اليميني لـ«الحزب الجمهوري» الذي يعتبره شيوعيا مشفرا «أجنبيا»، والجناح اليساري في «الحزب الديمقراطي» يعتقد أنه باع نفسه لـ«دعاة الحرب الرأسماليين». خارج أميركا، يستخدم البعض سوريا كوسيلة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة. وقد تجاذبت أطراف الحديث قبل بضعة أيام مع عدد من نحو 50 متظاهرا أو نحو ذلك مناهضا للحرب، 50 أو أخذوا الشمس إلى الطرف الآخر من ساحة ترافالغار. سألت أحدهم: «لماذا أنت هنا اليوم؟». جاء الجواب: «لنعارض خطط الحرب الأميركية». كان من بين هؤلاء المحتجين اثنان أو ثلاثة من كبار السن يحملون لافتات باللغة الفارسية التي تقول: «حزب العمال الشيوعي الإيراني». عندما سألت عما إذا كانوا قد تظاهروا أيضا ضد روسيا عندما غزت جورجيا في أغسطس (آب) 2008، كان جوابهم أنهم لم يكونوا على علم بالحدث. وبعبارة أخرى، كان ما يهم هو التنفيس عن الكراهية للولايات المتحدة لا للمساعدة في وقف المجزرة الكيماوية في سوريا. من المهم أن تعود القضية السورية إلى سياقها الصحيح. ما يحدث في سوريا هو مأساة إنسانية يجب أن تشغل البشرية جمعاء. وهذه ليست مشكلة أميركية. كما أنها ليست وسيلة لإثبات نرجسية أوباما أو عدم الكفاءة. لن يعاني معظم الباحثين القانونيين صعوبة تذكر في العثور على القوانين اللازمة للتدخل. وستكون الصيغة المثالية للإجراءات التي تتخذها الأمم المتحدة، بأن يتولى مجلس الأمن القيادة. لكن ذلك غير متوقع الحدوث، لأن فلاديمير بوتين يبدي اهتماما بالعداء مع الولايات المتحدة أكثر من رغبته في حماية السوريين. لكن العمل خارج مجلس الأمن ممكن. فالأسلحة الكيميائية محظورة بموجب المعاهدات الدولية التي يعود تاريخها إلى 1925 - مع روسيا وإيران والدول الموقعة. فاستخدام مثل هذه الأسلحة جريمة حرب، كما عرفها القانون الدولي، ويجب ألا تمر من دون عقاب. ثم هناك «الإجماع الدولي» الذي جرى التوصل إليه في مؤتمر القمة العالمية عام 2005 حول مسؤولية حماية الناس من المجازر والإبادة الجماعية. ما نقوم به حول سوريا لا ينبغي أن يتقرر على أساس ما إذا كان جيدا أو سيئا لأوباما. ينبغي ألا نحثه على التدخل، لأنه إذا تقاعست الولايات المتحدة مرة أخرى فهذا من شأنه نهاية «القيادة الأميركية». حتى وإن لم يفعل أوباما شيئا، فحقيقة القوة الأميركية لا تزال قائمة. وهيبة الولايات المتحدة تعافت من الرؤساء على شاكلة أوباما، وعلى الأخص جيمي كارتر. يجب أن يتقرر التدخل في سوريا على أساس مزاياه الخاصة. فإن أي قرار على أساس أجندات خفية، محلية أو أجنبية، ستكون غير فعالة في أحسن الأحوال وكارثية في أسوأ الأحوال. نقلا عن "الشرق الأوسط"  

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا ضرورة العودة إلى جوهر النقاش سوريا ضرورة العودة إلى جوهر النقاش



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon