مقعد سورية تحدّ للمعارضة بمقدار ما هو امتياز

مقعد سورية تحدّ للمعارضة بمقدار ما هو امتياز

مقعد سورية تحدّ للمعارضة بمقدار ما هو امتياز

 لبنان اليوم -

مقعد سورية تحدّ للمعارضة بمقدار ما هو امتياز

عبدالوهاب بدرخان

أقدمت القمة العربية في الدوحة على خطوة متقدمة في المواجهة مع النظام السوري، إذ تعاملت معه باعتبار أنه لم يعد موجوداً وأن مرحلة «ما بعده» قد بدأت لتوّها. لم يعد مقعد سورية خالياً بل أصبح في كنف المعارضة، وهذا تحدٍّ لها بمقدار ما هو إنجاز وامتياز، فقد آن لمسيرتها أن تقلع لرأب الصدع الفادح الذي أصاب سورية بفعل وحشية النظام وعبثيته اللامتناهية، كما آن لها أن تباشر مسؤولية الرهان عليها والآمال التي وُضعت فيها. لا يمكن المعارضة أن تلوم العالم على توانيه ودمه البارد، أو تستنهض الهمم والضمائر، وترفع الصوت ضد المتلاعبين والمتخاذلين، إذا واصلت استهلاك طاقاتها في إبراز أشخاص وإقصائهم، أو في تراكيب موازين قوى غير واقعية بين أطرافها، فضلاً عن توهّم اجتذاب الداعمين إلى ألاعيب نفوذ لن يكون لها أو لوجوهها أي أثر عندما يبدأ المستقبل. مضى وقت التجارب والتجاذب، وجاء وقت الاعتراف بالحقائق التي انتجتها الثورة وعنف النظام، ولم يعد جائزاً أو مبرراً أن يستمر العمل العشوائي الذي يمنع تراكم الخبرة ويقتل زخمها، خصوصاً أن في صفوف الائتلاف من يحتج على ضعف العمل المؤسسي. لم يعد مسموحاً أن تداوم المعارضة، بمختلف أطيافها، على التأرجح والتخبّط اللذين يفرغان التضحيات الأسطورية من جدواها، أو أن تبقى دون المستوى الذي يريده العالم لها. فها هم العرب، على عجزهم الموصوف، ذهبوا إلى قطيعة نهائية مع نظام منتهٍ وإلى تحدٍّ لـ «المجتمع الدولي» المواظب على تأخير النهاية الفعلية لهذا النظام ويخضعها لحساباتٍ بعض منها مبرر، لكن أهمها أن المعارضة لم تستطع بعد مضي عامين أن تكون مقنعة ولا أن تملأ مكانها. دول العالم تبحث عن مصالحها، بطبيعة الحال، وهي انتظرت النظام ليصلح كي ينقذ نفسه والبلاد، وبما أنه ضلّ الطريق منذ اليوم الأول ثم الشهر الأول فالعاشر فالرابع والعشرين فإن الأزمة مرّت بتحوّلات عدة وبلغت الآن «الحرب بالوكالة» بين أطراف إقليمية تخوض حروب أطراف دولية، لكنها تدافع أيضاً عن نفسها. لم يكن أطفال درعا يعلمون أن معاقبتهم القاسية ستشعل ثورة وأن هذه ستتحول خلال عامين مشهداً تفتح في خلفيته كل ملفات المنطقة وصراعاتها وبازاراتها العسكرية والأيديولوجية. فروسيا استثمرت في الحدث السوري لتستعيد هيبتها الدولية ولتثأر من الحدث الليبي. وأميركا اختبأت وراء «الفيتو» الروسي لتمرر انكفاءها عن الشرق الأوسط وتوزيع المهمات على الحلفاء. وإيران التي تيقنت من ابتعاد الحرب عن أرضها ما لبثت أن غرقت في حرب النظام السوري على شعبه. فرنسا وبريطانيا أكدتا العزم على تجاوز القيود القانونية لتتمكّنا من إيجاد موطئ قدم في الصراع السوري... ومع هذين التدويل والأقلمة، قد يعتقد النظام أنه لا يزال لاعباً متجاهلاً أن سورية نفسها أصبحت اللعبة، أما المعارضة فلا يبدو من تصرفاتها أنها مدركة خطر هذه اللعبة ونتائجها. وفي هذا السياق لم يشك أحد في أن الاعتذار الإسرائيلي لتركيا كان له سبب واحد مباشر، هو سورية. أما ضغوط باراك أوباما والإلحاح الأوروبي ورغبة «الناتو» فلم يكن لها سوى تأثير محدود في موقف بنيامين نتانياهو طوال الأعوام الثلاثة الماضية. وليس واضحاً ما إذا كان القصد من تطبيع العلاقات الآن اجتذاب تركيا إلى التفاهم الأميركي - الإسرائيلي، أم تقريب إسرائيل من تقاطع الموقفين الأميركي والتركي إزاء النظام السوري، أم أخيراً إبعاد تركيا عن شؤون العرب. الأكيد أن أميركا تريد أن يتناغم هذان الحليفان في العمل على موجتها السورية، على افتراض أن لها خطّاً واضحاً ومنسجماً، مع استمرارها في بثّ الشيء ونقيضه. يومٌ مع الضغط عسكرياً على النظام، ويومٌ آخر مع «جلوس» المعارضة «مع الأسد». يومٌ مع روسيا بوتين - لافروف، ويومٌ مع «أصدقاء الشعب السوري». تبدو واشنطن كأنها تلعب لعبة كسب الوقت متجاهلةً ثقل عامين من التقتيل والتدمير، فلا هي ولا روسيا ولا إسرائيل متعجلة لحل تريده سياسياً ولا تزال فاتورته الدموية تكبر، لكنها لا ترى لدى الطرفين استعداداً جدياً له. ثمة رهان متجدّد على وهن الطرفين، رهان خبيث يقارب الإجرام يبرر ذاته فقط بظهور «الجهاديين» والمتطرفين الذين صاروا هاجساً مقلقاً على حدود إسرائيل. ما زاد هذا القلق أن النظام لم يعد قادراً على تبديده، ولم يعد لاعباً مقبولاً في المنطقة، فممارساته الوحشية فاقت كل تصوّر ومنعته من تحقيق الأهداف التي توخّاها وحالت دون تأهيله لأي دور مستقبلي. لذلك يتهيّب الأميركيون الحل، ويشاركهم الروس والإسرائيليون ضرورة البحث عن «البديل» بل حتى «صنعه» وترويضه للتفاهم معه قبل إطلاق الحل. لكن نظرتهم هذه إلى النظام تطيّر صوابه، تستثير المزيد من شراسته، تجعله يقتل محمد سعيد البوطي لمجرد أنه اعتزم الرحيل، بل تدفعه إلى التلويح بالسلاح الكيماوي، فيما هم يريدونه أن يتعقلن و»يتعاون» في صنع بديله. تلك «فرصة» أخرى سيضيّعها حتماً. في معرض تحليل زيارة أوباما إسرائيل ساد انطباع بإن المحنة السورية بدأت تقترب من نهايتها. ومردُّ ذلك إلى أن الموقفين الأميركي والإسرائيلي أصبحا متقاربين في الظاهر «ضد النظام» ومع التعجيل بتغييره، لكن حقيقة أن واشنطن نظرت دائماً إلى ما يحصل في سورية بعيون إسرائيلية ما لبثت أن عززت الاستنتاج الواقعي، ومفاده بأن المصالحة مع زعيم ليكود زادت الرئيس الأميركي اقتناعاً بصواب إدارته البليدة والسلبية للأزمة، وبضرورة الانتظار وعدم التحرك لإنهاء أزمة قبل التعرّف إلى مخرجاتها الأكيدة. فما كان ثابتاً ومعتمَداً في سورية، وهو النظام القوي المسيطر، انطوى عملياً ليحلّ محله «المجهول» الغامض، ولعل الأداء المشرذم والمتقلب للمعارضة يكثّف الارتياب أكثر مما يغلّب الثقة بمسارها. قد يشكّل إنهاء الخلاف التركي - الإسرائيلي عنصراً مساعداً للرئيس الأميركي في التعامل مع الملفين السوري والإيراني، لكن بناءً على تفاهمات مع إسرائيل، وليس مؤكداً أنها تفاهمات تلائم القناعات التركية المستجدّة. ذاك أن عودة واشنطن إلى ديبلوماسية تعتمد على القوى الإقليمية التقليدية قد لا تتمكن من إحياء حال «التحالف» التي كانت سابقاً بين إسرائيل وتركيا عندما لم تكن الأخيرة معنية سياسياً أو «أخلاقياً» بالشأن الفلسطيني كما لم تكن لديها سياسة شرق أوسطية. والأرجح أن تركيا المنغمسة في المستنقع السوري منذ عامين، بتنسيق كامل ودائم مع الولايات المتحدة وحلف «الناتو»، ليست في مزاج يسمح لها بمشاركة الإسرائيليين في تناول الشأن السوري. ولا تجهل واشنطن أن ثمة ضيقاً تركياً من المقاربة الأميركية الباردة للمسألة السورية، كما أنها تلاحظ ازدياد مؤشرات تنسيق إقليمي قوامه السعودية وتركيا وقطر في مواجهة تحالف دمشق وطهران، وسط تصاعد مخاطر الصراع السنّي - الشيعي. لذلك، وطالما أن الصراع السوري تحوّل إلى حرب إقليمية بالوكالة، فإن واشنطن ترى ضرورة لإعادة الارتباط بين حليفيها رغم إدراكها المتغيّرات المفاهيمية لدى تركيا. إذ إن المخططين الأميركيين والأطلسيين باتوا يتحسبون لسيناريوات متعددة الأوجه في سورية، منها الاضطرار للتدخل المباشر في مرحلة ما عبر دول حليفة سواء لمنع نقل السلاح الكيماوي والأسلحة النوعية إلى أيدٍ غير مرغوب فيها، أو ربما لحماية مواقع معينة. ومن أبرز السيناريوات أيضاً احتمال نشوء بؤر مشابهة لمنطقة وزيرستان الباكستانية ومن هنا التسريبات عن تأهيل قواعد في دول مجاورة لاستخدام طائرات من دون طيارين ضد مجموعات متطرفة. نقلاً عن جريدة "الحياة"

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقعد سورية تحدّ للمعارضة بمقدار ما هو امتياز مقعد سورية تحدّ للمعارضة بمقدار ما هو امتياز



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:53 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 لبنان اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 لبنان اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 06:42 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"
 لبنان اليوم - وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"

GMT 18:43 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فوز سيدات لبنان على سوريا في بطولة غرب آسيا لكرة السلة

GMT 22:09 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 سيارات دفع رباعي حديثة ومريحة على الطرق الوعرة

GMT 07:24 2023 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المنتجة الفنية ناهد فريد شوقي عن عمر يُناهز 73 عامًا

GMT 17:19 2015 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هاميلتون يؤكد أنّ شوماخر بطل سباقات السيارات على مر العصور

GMT 14:35 2014 الخميس ,04 أيلول / سبتمبر

شريط فيديو جديد لدبلوماسي سعودي مختطف في اليمن

GMT 08:17 2022 الإثنين ,30 أيار / مايو

السعودية وأميركا... قوة المنطق

GMT 18:23 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

قرداحي يعدد ما تعلمه من أزمته الأخيرة ويؤكد شعوره بالظلم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon