الـ«درون» تدمر البنى البشرية والاقتصادية السورية

الـ«درون» تدمر البنى البشرية والاقتصادية السورية!

الـ«درون» تدمر البنى البشرية والاقتصادية السورية!

 لبنان اليوم -

الـ«درون» تدمر البنى البشرية والاقتصادية السورية

غسان الإمام

شرب المتنبي، حتى الثمالة، ثقافة العداء لأميركا: «ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى/ عدوا له ما من صداقته بُدُّ». العرب يكرهون أميركا. ثم يعتبون عليها. يطالبونها بأن تقف معهم. تحارب حروبهم. وتنتصر على أعدائهم!

خاطب الزعيم السوري عبد الرحمن الشهبندر مؤتمر الصلح في فرساي (1919) مطالبا إياه بأن ينتدب أميركا لحكم سوريا، إذا كان لا بد من انتداب يفرض عليها.

بعد ثلاثين سنة من هذا الطلب الذي اعتبر وطنيا، انحازت أميركا إلى إسرائيل. دبرت انقلابات عسكرية في سوريا وغيرها. أنقذت جمال عبد الناصر في حرب السويس (1956). هزمته مع إسرائيل في حرب النكسة (1967).

رسمت أميركا مصيرا مأساويا للسادات، بعدما أقنعته بالصلح والتحالف مع إسرائيل. أسقطت عروبة العراق. سلمت رقبة صدام لعملاء إيران. صمتت عن قتل إسرائيل 2200 فلسطيني في غزة مؤخرا. أعلنت حربا على تنظيم ديني واحد. وتركت ميليشيات إيران، بما فيها «حزب الله» تعيث فسادا في العراق. وسوريا. ولبنان.

هل تملك أميركا حلا إذا أهلكت «داعش»؟ أبدا. لا أحد يملك حلا. ليست هناك زعامات سورية وعراقية قادرة على فرض حوار. سوريا والعراق باتا ساحة قتال. لبنان مرشح للحرب. الطبقة السياسية تم تحييدها. هناك فقط «حزب الله» و«الجهاديون».

اليمن السعيد سبق لبنان إلى الحرب. هناك زعماء. لكن الحل أكبر منهم. هناك أيضا إيران التي حول رئيسها روحاني نفسه حمامة سلام ترفرف في الأمم المتحدة، فيما يقول معلمه خامنئي: لا حل بلا إيران. بمعنى أن لا حل بلا ضمانات. ومكاسب. ومصالح لإيران في المشرق العربي! وفي مقدمتها، انتخاب رئيس لبناني ينسجم مع حزب الشيعة. وبقاء الرئيسين السوري واليمني تحت الوصاية الإيرانية.

إيران اليوم هي اللاعب الأكبر. والأذكى. والأخطر. غير أنها غير مؤهلة للمشاركة في الحوار للبحث عن حل. لأنها هي السبب/ الأساس للمشكلة في سوريا. والعراق. ولبنان. واليوم هي المشكلة الأكبر في اليمن.

لماذا لا تملك أميركا أوباما حلا؟ لأنها هي أيضا كإيران: القاسم المشترك الأعظم في المشكلة. منذ الانتفاضة، انبرت أميركا أوباما لتقديم الإسلام السياسي و«الإخواني» حلا في مصر وتونس. كما هو الإسلام التركي. وكان لا بد من ثورة في مصر. وانقلاب سلمي. ديمقراطي، في تونس، ليمارس المفكر أوباما النقد الذاتي، معترفا بالخطأ.

الطيران العربي يشارك في قصف «داعش». لكن من يحدد الأهداف؟ الطيران الأميركي أم الطيران العربي؟ نريد بلاغات حربية عربية، عن تفاصيل كل غارة ونتائجها. لماذا صمت الإعلام الأميركي عن صولات وجولات «درون» العمياء؟! المرصد العربي الموجود تحت المظلة البريطانية يتحدث عن ضحايا الحرب في سوريا، لكن ليس بكل عناصر الإخبار المطلوبة، عن المدنيين. والداعشيين.

حتى الإعلام الأميركي المستقل صمت عن ضحايا قصف المدنيين الهاربين من الموصل الذين دشّنت «الدرون» عملياتها بقصفهم موقعة 70 قتيلا وجريحا بينهم. «الدرون» مشكلة قانونية في أميركا. مأساة سياسية في أفغانستان. باكستان. اليمن. الآن هي مشكلة مرعبة لدى المدنيين في سوريا.

بمعنى آخر، فقد أخفقت حرب أميركا الجوية في تجميد حركة «داعش». هي الآن على حدود تركيا. وكردستان العراق. وفي جرود لبنان. وربما هناك خلايا نائمة في تركيا، فيما هي تسيطر تقريبا على أكثر من ثلث العراق. وتقول لنا أميركا إنها حرب ستطول ريثما يتم بناء جيش قوي «معتدل».

تركيا؟ هي على وشك التدخل في سوريا. تريد إنشاء منطقة محايدة بإشرافها على حدودها. قد تصل بعملياتها إلى مناطق يسيطر عليها نظام بشار. إردوغان يقول صراحة لا بد من إسقاط النظام السوري. هل يقبل العلويون في تركيا (4 إلى 6 ملايين علوي) المتعاطفون مع بشار؟ وماذا عن روسيا وإيران؟ هل تقبلان أن ينفرد إردوغان بنظام بشار؟

إذا رفض المنطق القبول ببقاء «بشار/ الأمر الواقع». فهل من المنطق القبول بصمت العرب الذين يموِّلون. ومعهم المعارضة «المعتدلة» المتأمركة، عن تدمير البنى التحتية السورية، بهذه اللامبالاة الأميركية؟

كان النفط من حصة عائلة الأسد بفروعها الثلاثية. النفط غدا قطاعا «داعشيا»، بعد سيطرة «دولة الخلافة». «الخليفة» البغدادي يبيع برميل النفط بدولارين فقط للأتراك ورثة دولة الخلافة العثمانية. دمرت «الدرون» الأميركية الآبار ومصافي النفط الصغيرة في ثلاث محافظات سورية مرشحة لأن «يطهرها» الجيش السوري «المعتدل» الذي تدربه أميركا.

هذه الآبار ملك للسوريين. ألم يكن واجبا على أميركا أن تحافظ عليها، لتسليمها إلى الدولة السورية المستقبلية؟ ثم لماذا تم تدمير أكبر مجمع لمطاحن الحبوب؟ هل ملايين السوريين الذين بالكاد يحصلون على الرغيف، داعشيون أيضا، لحرمانهم من الحد الأدنى للغذاء؟

وهكذا، فهذه الحرب الجوية التي تفتك بالمدنيين السوريين والعراقيين على الأرض، وتوفر نظام الأسد. و«حزب الله». والميليشيات الإيرانية، تبدو بمثابة حرب هوجاء ثأرية، أكثر مما هي حرب استراتيجية تحرص على حياة المدنيين.

بسذاجتها الوحشية، قطعت «داعش» ثلاثة رؤوس. فاستحقت حربا شعواء تشنها عليها أميركا. من يحاسب إسرائيل التي قتلت 2200 فلسطيني. وجرحت سبعة آلاف آخرين. ودمرت المباني فوق رؤوس سكانها المدنيين، بقنابل زنة الواحدة طن كامل، من صنع أميركا؟!

قلت مرارا وتكرارا إني لست مدمنا ثقافة العداء لأميركا. لكن أليس من حق العرب المحاربين معها، والعرب المتفرجين عليها، أن يشككوا في سلامة عقل ومنطق أميركا، عندما يعرفون أن إدارة أوباما تطمئن الأسد، برسالة خاصة، أوصلها إليه السندباد العراقي حيدر العبادي؟

لماذا العبادي بالذات، «زلمة» إيران، الذي ما زال يحتفظ بمفاتيح وزارتي الداخلية والدفاع؟! رفض العبادي والإيرانيون توزير سني «معتدل» للدفاع. ومرشحهم الدائم لوزارة الدفاع هو هادي العامري زعيم ميليشيا «بدر» التي موّلتها ودربتها إيران!

لا شك أن النظام العربي الذي يخوض حربا مشتركة مع أميركا، ضمن ائتلاف دولي عريض، فيه كبرى الدول الغربية، سوف يسأل ويناقش أميركا. بل ويحاسبها عبر دبلوماسيته التقليدية في التعامل معها. ولعل أول سؤال يخطر على البال، هو ما إذا كانت أميركا جادة في مواصلة حرب بتنا متشائمين إزاء نهاية قصيرة لها.

السؤال الآخر الذي لا يقل أهمية، هو عن السبب في الإلحاح على تدمير بنى اقتصادية (مصانع. مدارس. مقار حكومية) حرص بشار على شلها بقصفه الجوي المتواصل. ولا بد أيضا من إجراء تحقيق عربي/ دولي، حول ما إذا كانت هناك تنظيمات مسلحة معارضة تدعي أنها «معتدلة» شاركت في نسف مدرستين في حمص تضم أطفال أسر غالبيتها علوية ومسيحية.

مهما قسا نظام بلا أخلاق. وبلا كبرياء دولةٍ على رأسها طبيبان، في تعمده التعامل بوحشية مع غالبية السوريين السنّة، فلا يجوز لمعارضة «معتدلة» أن تجاريه في تعامله السلبي مع الأقليات الدينية والعنصرية. وعلى النظام العربي أن يرفض الاعتراف والتعامل مع تنظيمات تنتهك هي أيضا ميثاق حقوق الإنسان، والمعاهدات الدولية التي تحفظ للأسير والمعتقل، إلى أي دين وطائفة انتمى، حقه في الحياة، والحد الأدنى من كرامته كإنسان.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الـ«درون» تدمر البنى البشرية والاقتصادية السورية الـ«درون» تدمر البنى البشرية والاقتصادية السورية



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon