بائع الحدود السيادية

بائع الحدود السيادية

بائع الحدود السيادية

 لبنان اليوم -

بائع الحدود السيادية

غسان الإمام

هل التاريخ يسير في خط مستقيم؟ أبدا. التاريخ السياسي والحضاري يسير إلى الأمام. أو يتراجع إلى الوراء، بخطوط ملتوية فيها هناء أو شقاء كبيران للناس. الحدود هي الخطوط الوحيدة «المستقيمة» في التاريخ الاستعماري الحديث. الحدود الاستعمارية كالسكين. اخترقت الأوطان. الشعوب. القبائل. العشائر، بلا أي فهم. وتعاطف مع علاقات التعايش. القربى. الجيرة. المصالح الوطنية والقومية المشتركة. وبلا حوار. وتشاور مع المحزومين بزنّار الحدود. ارتسمت معالم العالم العربي وحدوده (النظرية) في وقت مبكر جدا. ولم تكن للاستعمار القديم والحديث يد له في ذلك أبدا، بحيث بات معروفا أن الوطن الناطق بالعربية يمتدد من المغرب إلى العراق. ومن الشام إلى اليمن. مرورا بما يعرف اليوم، بدول الخليج العربي. وهي مساحة تتجاوز اثني عشر مليون كيلومتر مربع، أي ما يساوي مساحة الولايات المتحدة الأميركية. في العصور الوسيطة، وحتى بعد انهيار الإمبراطوريتين الأموية والعباسية، وفي ظل الدويلات المملوكية. ثم الإمبراطورية التركية التي امتدت أربعة قرون (1516/ 1916)، كان العرب قادرين على الانتقال. والإقامة. والعمل، حيث يشاءون في وطنهم الكبير. لكن إذا استطعت أن أفلسف نظرية الحدود الحديثة، أقول إن فائدتها هي في تمكين الدولة من رسم السياسة. وترقيم الميزانية. واستثمار الموارد الطبيعية. وتخطيط الاقتصاد. التنمية. الإنتاج. وحصر الكسب أو الخسارة، بالناس المحزومين بالحدود الذين نسميهم «مواطنين». باستثناء مصر. المغرب. اليمن. السعودية التي رسمت عبقرية التاريخ حدودها. أو كفاحها الوطني الرائع، فالدول الاستعمارية الكبرى هي التي رسمت حدود سائر الدول العربية، بهذا الشكل الهندسي المستقيم. ومن البديهي أن تعاني هذه الدول من مشاكل الحدود الطبيعية أو المصطنعة، فتراوحت العلاقة بين القطيعة الثنائية، والحرب بين أشقاء. بعد مرور عشر سنوات، على حرب غبية شنتها أميركا على العراق. وأدت إلى انهيار حدود الحائط الشرقي للأمة العربية، وتسليم هذا البلد العربي إلى الهيمنة الأجنبية الإيرانية عليه، يواجه العرب اليوم أزمة حدود كارثية في سوريا. تهدد عروبتها. ودورها القومي. وصلاتها الدينية مع أمتها التي شكلت عمقا. تاريخيا. استراتيجيا، للعرب الخليجيين والفلسطينيين. في ذروة الحرب العالمية الأولى (1916)، زحف ثوار عرب (سوريون وعراقيون) من مَعَان في جنوب الأردن، إلى دمشق، لتحرير ولاية الشام (سوريا الكبرى) من الحكم العثماني التركي. في العام ذاته، كان لورد مارك سايكس، وفرنسوا جورج بيكو، يرسمان سرا الحدود الاستعمارية «المستقيمة» للشام، خلافا للوعد بمنح العرب الاستقلال، إذا ما تحرروا من تركيا. وباتفاق الدولتين، و«بعلم وخبر» من روسيا، انتدبت بريطانيا نفسها على الأردن وفلسطين، فيما احتلت فرنسا سوريا ولبنان. غير أن هذه الحدود الاستعمارية تعثرت مرارا. فقد سمحت أوروبا ليهودها باحتلال الجانب الأكبر من فلسطين. وبانتهاك حدود العرب الآخرين. فتراجعت حدود الأردن إلى النهر. ويجري الآن انتهاك حدود القدس الشرقية. والضفة الغربية، بالاستيطان. الخطوط المستقيمة رسمت حدود الدولة السورية مع تركيا (820 كيلومترا). ومع العراق (600 كيلومتر). ثم انتُهكت هذه الحدود أيضا. فقد أُلحق لواء إسكندرون السوري بتركيا. وكادت تركيا تحصل على محافظة حلب، فيما مُزقت سوريا من الداخل، بإنشاء خمس دويلات، حسب قراءة المستشرقين لطوائفها. كفاح السوريين لم يتوقف ضد الانتداب الأوروبي. وتمكنوا خلال سنوات قليلة، من إسقاط دويلاتهم المفبركة. وتوحيدها تحت راية العروبة. وكانت الدولة العلوية آخر دولة التحقت بالوطن الأم، قبل استقلال سوريا التام بسنوات قليلة. كنت كلما التقيت السياسي الماروني الكبير ريمون إِدِّهْ ينسى أنه ذكرني مرارا وتكرارا – على سبيل النكاية – بأن بطريرك الموارنة يوسف الحويّك وإميل إده (والد ريمون) رفضا بفزعٍ عرضا من «النمر» الفرنسي جورج كليمنصو، عندما شطح قلمه الأحمر، فأدخل مدينتي دمشق في دائرة «لبنان الكبير». كان الانتداب قد قام بـ«تكبير» لبنان، بضم المدن السنية الساحلية، والبقاع (الشيعي/ الكاثوليكي) إليه. وكنت أقول للراحل الخفيف الظل إني، كعربي، لن أتأثر إذا صارت دمشق لبنانية، ما دام بقي لبنان عربيا. لكن سوريا اليوم تتعرض إلى غزو طائفي أجنبي. آمل أن يدرك العرب، وفي مقدمتهم جزائريو بوتفليقة والأخضر الإبراهيمي، أن اقتحام مرتزقة حزب الله للحدود السورية ليس مجرد نزاع حدودي بين دولتين عربيتين. إنما هو لحساب دولة أجنبية إقليمية. لها سوابق في معاداة العرب، وشن غزوات وصلت إلى الشام، قبل قرون قليلة. من المسؤول الذي فتح الباب السوري لحصان طروادة الإيراني؟ ارتكب بشار خطأ استراتيجيا أدى إلى «اختصار» عمر دولته الطائفية. فقط شن حربا على شعبه لم يرتكبها حاكم معاصر آخر. هذا الخطأ فتح الباب، أولا، إلى وصول أعداد غفيرة من «الجهادية الحربية» السنية حالت عمدا دون تسليح العرب والغرب للمعارضة السورية الوطنية. ثم ثانيا، استورد مرتزقة حزب الله ليخوضوا حرب جيشه المتعب والمستنزف. الشيعية السياسية اللبنانية التي تحتفل «بنصرها»، في بلدة القصير غير الموجودة على خرائط الجغرافيا، لا تدرك أن حزب الله لم يغسل دماغها فحسب، بل باع عروبتها. وجعل أبناءها وشبابها يؤدون دور «المرتزقة» و«المماليك»، في حروب إيران وبشار، الأمر الذي يهدد علاقتها، بأمتها العربية، بما فيها السنة اللبنانية والسورية. ويورطها في حرب أيضا مع «الجهاديات» السنية الانتحارية. ضعف الرؤية الاستراتيجية، لدى بشار، ناجم عن انعدام التجربة السياسية. كان توريث وترئيس بشار خطأ عائليا وطائفيا كبيرا. شاب بلا مستشارين. بلا مفكرين ومحللين استراتيجيين، وضع نظامه المستنزف تحت وطأة مشروع استراتيجي لدولة أجنبية أكبر، يمتد من إيران إلى لبنان. الهدف إقامة دولة شيعية فارسية، لا تقبل أن تُعامل معاملة الند للند مع دولة علوية أصغر جرى تكفيرها من جانب المرجعيات الدينية في إيران، منذ قيام دولة الخميني. غرض هذه الدولة قطع الطريق على أي دور عربي لسوريا، والإمعان في تمزيق العرب. وتوظيف العراق في منع التحام السُنة العراقية والسورية، لتشكيل كتلة عربية تقف بصمود وحزم، أمام المشروع الإيراني. بقدر ما كان السوريون ضحية لنظام معزول عنهم. ومعاد لهم، فقد كانوا أيضا ضحية ساسة هواة لا يملكون نضج ساسة وطنيين محترفين وشعبيين لم يسمح النظام بنشوئهم وتشكلهم، على مدى خمسين سنة. وقعت سوريا ضحية حدودها المصطنعة التي تتلاشى مع تغير أوجه الصراع، ليغدو بين دول. وطوائف. وتنظيمات سياسية، ومقاتلة. وجهادية: تبادل معابر الجولان المحتل. انسحاب مراقبين دوليين. روسيا تعرض قواتها للمرابطة في الجولان. حرب «جهادية» سنية/ شيعية على خاصرة لبنان. حدود فالتة مع تركيا. يتقاتل عليها جيش «حر» كردي. عربي. تركماني. جهادي. إخواني. تونسي. أردني. ليبي. جزائري. وحدود عشائرية مع العراق. أين هذه «الجيوش» من نجدة القصير؟ أين العقيد «العكيدي» الذي ظهر في القصير بلباسه العسكري كإشارة لوصول تعزيزات الجيش الحر؟ هل كان شبح «العكيد» في مسلسل «باب الحارة»؟! نقلا عن جريدة الشرق الاوسط

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بائع الحدود السيادية بائع الحدود السيادية



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon