إيران وتركيا ليستا نموذجين لأحد

إيران وتركيا ليستا نموذجين لأحد

إيران وتركيا ليستا نموذجين لأحد

 لبنان اليوم -

إيران وتركيا ليستا نموذجين لأحد

حازم صاغية

ما إن ظهرت نتائج الانتخابات الإيرانيّة الأخيرة التي أعطت «الإصلاحيّين» و «المعتدلين» نصراً مُعتبراً، حتّى مُنع الرئيس السابق محمّد خاتمي من الظهور على وسائل الإعلام، فيما تردّدت أخبار لم تتأكّد عن فرض الإقامة الجبريّة عليه. أهمّ من ذلك أنّ «الحرس الثوريّ»، وهو قلعة التشدّد الرسميّ، أطلق واختبر صواريخ باليستيّة، مؤكّداً بطريقته ما سبق أن ردّده المرشد علي خامنئي ورسميّون آخرون من أنّ إيران لم يغيّرها الاتّفاق النوويّ الأخير.

وإذا صحّ أنّ توكيد التمايز يخدم «الحرس» والمتشدّدين، متجاوباً مع إيديولوجيّتهم ومع مصالحهم في آن، يبقى أنّ التمايز هذا شرط شارط لمعنى النظام نفسه. فهو الحريص منذ ولادته على «الخصوصيّة» والـ «لا شرقيّة ولا غربيّة»، مدعوّ دائماً إلى البرهنة على أنّ ما يجري في العالم لا يعنيه ولا يحرفه عن مقاصده الأصليّة. وهو كلّما ازداد تورّطه في العالم وتورّط العالم فيه، على ما جَدّ بسبب الاتّفاق النوويّ، ضاعف إلحاحه الذاتيّ على تمايزه هذا. إنّه يريد أن يقول: أنا لا أتغيّر لأنّ التغيّر «ابتلاع» لنا، وفقاً لآخر تعابير خامنئي.

وبدورها فإنّ تركيّا، الركن الآخر في الشرق الأوسط، تجد دائماً، في ظلّ رجب طيّب أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» الإسلاميّ، ما تتمايز به وتعلن أنّها لا تتغيّر. وفي رأس التمايز، كما تراه، قدرتها على الحكم عبر «استراتيجيّة» متواصلة من ابتزاز العالم. فهناك الابتزاز بـ «داعش» والابتزاز باللاجئين إلى أوروبا، فضلاً عن الابتزاز بفتح الله غولن. ولا تخلو الاستباحة الأخيرة لصحيفة «زمان» من ابتزاز سبق أن رأيناه في انتهاك وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعيّ ونشاط المنظّمات غير الحكوميّة. فهؤلاء كلّهم لا يرى فيهم الحزب الإسلاميّ الحاكم أكثر من أدوات غربيّة يصار، عبر الردّ عليها، إلى الردّ على الغرب.

لقد وُجد دائماً من يعوّل على هذين القطبين الكبيرين في الشرق الأوسط، إيران وتركيّا، بوصفهما نموذجين ومرجعين لعموم المنطقة. وما فاقم التعويل هذا أنّ مصر مبارك لم تطرح نفسها نموذجاً أصلاً، فيما مصر السيسي مشغولة بهمومها بطريقة لا توحي بتخفيف الانشغال مستقبلاً. وبدورها فإسرائيل ممنوع، للأسباب المعروفة، من أن تكون نموذجاً، فضلاً عن أنّ حكومتها ذاتها لا تفعل سوى الإمعان في تكريه جيرانها بها.

والحال أنّ تركيّا وإيران الراهنتين لا تستطيعان، حتّى لو رغبتا، في أن تكونا نموذجين. وفشلهما هذا إنّما يعزّز إلحاحهما على التمايز المحكوم بالمكابرة، وعلى تحويل النقص إلى فضيلة وامتياز. فهما محكومتان بنظامين طائفيّين، وإن كان النظام الإيرانيّ يبزّ مثيله التركيّ في هذا. وبعض ما يعنيه ذلك أنّهما إضافةٌ إلى أسباب الاحتراب على صعيد المنطقة أكثر ممّا هما إضافة إلى أسباب الاستقرار. وهما نظامان ماضويّا التطلّع: الإيرانيّ منهما لا يكتم ذلك، بل يجعله جزءاً من دينيّته ومن «ولاية الفقيه» التي تُعلي يد الغيب على يد الشعب، بينما التركيّ المسكون بالسلطنة، يتربّع في قمّته رئيس سلطانيّ، آخر همومه مصالحة الحداثة والديموقراطيّة.

وقد يقال بدقّة أكبر إنّ إيران، في ظلّ الاستبداد الشاهنشاهيّ، وتركيّا، في ظلّ الرقابة العسكريّة على الديموقراطيّة، كانتا أشدّ اهتماماً بتلك المصالحة التاريخيّة من إيران ما بعد الثورة ومن تركيّا ما بعد ظفر «العدالة والتنمية». وهذا ليس مديحاً للنظامين البائدين، بل إقرار بأنّ ضعفهما الإيديولوجيّ قابل لأن يشقّ طريقاً إلى العالم لا يشقّه الامتلاء الإيديولوجيّ للنظامين القائمين. أمّا استبدادهما فقابل، نظريّاً على الأقلّ، لأن يندرج في الاستبدادات العسكريّة الآسيويّة التي فتحت الباب للتقدّم الاقتصاديّ ومنه للديموقراطيّة السياسيّة.

والراهن أنّ واحداً من شروط تقدّم المنطقة اليوم هو انكسار هذين النموذجين أو تآكلهما الذي يرقى إلى انكسار الممانعة، لا بوصفها خطّاً سياسيّاً يقتصر على إيران والأسد و «حزب الله»، بل بوصفها خطّاً ثقافيّاً يتّفق عليه المتخاصمون الذين لا يريدون أن يتغيّروا.

والممانعة هذه، بأعرض معاني الكلمة، ليست بريئة من مسؤوليّة جزئيّة عمّا حلّ ويحلّ بالجارين العراقيّ والسوريّ، وبعموم منطقة تفتقر إلى أيّ نموذج صالح.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وتركيا ليستا نموذجين لأحد إيران وتركيا ليستا نموذجين لأحد



GMT 00:07 2024 الأربعاء ,14 آب / أغسطس

سلام السنوار... وكاريكاتير المنطقة!

GMT 19:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الأردن بين إيران وإسرائيل

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

إيران أكبر عدو لنفسها

GMT 19:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حين تصدق إيران نكذّبها!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 12:55 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

وضعية للهاتف قد تدل على خيانة شريك الحياة

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon