ماذا نعرف ماذا قد نعرف وماذا لن نعرف
ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مسلح بشمال غرب باكستان إلى 17 قتيلاً على الأقل و32 مصاباً تحطم طائرة من طراز “دا 42″ تابعة للقوات الجوية المغربية بمدينة بنسليمان استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة أخرون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منطقة المواصي جنوب قطاع غزة غرفة عمليات حزب الله تُصدر بياناً بشأن تفاصيل اشتباك لها مع قوة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا جنوبي لبنان وزارة الصحة اللبنانية تُعلن استشهاد 3583 شخصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على البلاد وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

ماذا نعرف؟ ماذا قد نعرف؟ وماذا لن نعرف؟

ماذا نعرف؟ ماذا قد نعرف؟ وماذا لن نعرف؟

 لبنان اليوم -

ماذا نعرف ماذا قد نعرف وماذا لن نعرف

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ذات مرّة شاهدت فيلماً سينمائيّاً برفقة صديق طاعن في الوعي الآيديولوجيّ. الفيلم كان بوليسيّاً، ابتدأ برسم صورة ورديّة للشرطيّ: ينصر المظلوم وينحاز إلى الحقّ ويطبّق القانون، مُغلّباً المصلحة العامّة على مصلحته وعلى كلّ مصلحة خاصّة. صديقي مال صوبي وهمس لي بأنّ هوليوود الشرّيرة تفعلها مرّة أخرى. فهي تصوّر رجلاً ليس سوى أداة قمع صغيرة كما لو كان ملاكاً حارساً. أو ليست هذه وظيفة هوليوود في التحليل الأخير؟
بضع دقائق كانت كافية لأن يُفهمنا الفيلم أنّ هذا الشرطيّ شخص فاسد ومُرتشٍ، وأنّه كان في بداية الفيلم يؤدّي دوراً خادعاً مُضلّلاً خدمةً منه لأغراضه الملتوية. وأنا لم أقل شيئاً لصديقي، مدركاً أنّني لو قلتُ لعاجلني بالعبارة الأثيرة: «ولكنّ هوليوود في المحصّلة الأخيرة هي...».
والحال أنّ الغرض هنا ليس الدفاع عن هوليوود، لكنّه محاولة في تظهير طريقة في التفكير لا تتردّد في إعلان معرفتها المسبقة والمطلقة في آن معاً. صاحبها يتّجه كالسهم نحو هدفه، فإذا جافاه التفصيل اعتمد، بوصفه خبير «محصّلات أخيرة»، على «محصّلة أخيرة» أخرى يعرفها سلفاً.
إنّها الوعي الغائيّ (teleological) الذي لا يعبأ بتاتاً بما هو تجريبيّ (empirical) في الواقع.
فيلسوف العلوم النمساويّ البريطانيّ كارل بوبر، كان أحد أكثر الذين حذّرونا من هذه المعرفة الأوتوستراديّة التي لا تأتيها الحيرة من يمين أو يسار. في كتابيه «المجتمع المفتوح وأعداؤه» و«بؤس التاريخانيّة»، وفي مقالات ودراسات عديدة، تناول الظاهرة هذه، عائداً بأصولها إلى أثينا الإغريقيّة. هناك كان المجتمع «مفتوحاً»، والفرد المواطن حرّاً ومسؤولاً عن القرارات التي تتّصل بحياته، وفي مجتمع كهذا يتصرّف الفرد آخذاً في الاعتبار أنّه قد يخطئ، فيكون دائم الاستعداد لتحسين فهمه لما يعرض له من ظاهرات وتجارب. والتصوّر هذا إنّما يزرع في حامله نوعاً من القلق المبدع والمتعب معاً، نوعاً لا تعرفه المجتمعات المغلقة التي تستقرّ على إجابات جاهزة وعلى تشكيلات وقرابات دمويّة معطاة.
لكنّ ثلاثة من عظام تاريخ الأفكار أسّسوا التحوّل في اتّجاه آخر هو الذي آل، في العصر الحديث، إلى التوتاليتاريّة. أوّلهم، حسب بوبر، كان أفلاطون الذي تأثّر بأحداث عصره وبآلامه وخيباته، من اتّهام أستاذه سقراط بتخريب الشبيبة وإفسادها، ما حمله على تجرّع السمّ، إلى احتلال إسبارطة لأثينا في الحرب البيلوبونيزيّة. وكما نعلم، صاغ أفلاطون في جمهوريّته، وفي ما بات يُعرف بـ«استعارة الكهف»، عالمين: ففي العالم الأرضيّ حيث نعيش، هناك الظلال الزائفة والشائهة للأشكال المثلى التي تقيم في الحيّز الثاني، أي الحيّز الافتراضيّ، أو «عالم الأشكال». وإذا كان هذا الأخير يضمّ ما هو ناصع وخالد وعابر للأزمنة، فإنّ النُسخ الأرضيّة الناقصة خاضعة للتفسّخ والتداعي، مثلما تتداعى أجسامنا وتهرم. يصحّ ذلك في الدولة المدينة ونظامها، كما يصحّ في الحضارة على العموم.
وعند أفلاطون، كاره الديمقراطيّة الذي ساواها بالفوضى ورآها تمهيداً لطغيان العامّة، يستدعي علاجُ التداعي والتفسّخ هذين أن نفهم «الكلّ»، أي جميع مكوّنات الظاهرة المعنيّة، وبالتالي أن نأتي بحاكم يجيد هذا الفهم ويردع التداعي. وإذ تتوحّد في حاكم كهذا السلطة والفلسفة، الفعل والإدراك، يكون الحاكم العتيد «ملكاً فيلسوفاً». هكذا يتربّع في الذروة من ورث الحكم ورُبّي على أداء هذه المهمّة، فبات مجرّباً في معرفة ما هو جوهريّ ومثاليّ في الأشياء والظاهرات.
بعد أفلاطون ونزعته «الكلّيّة»، جاء هيغل وماركس بـ«التاريخانيّة»، حيث السلوك الإنسانيّ الجماعيّ داخل مجتمع ما سلوكٌ قصديّ بالضرورة، وليس بحال عرضيّاً أو عشوائيّاً أو منيعاً على التوقّع. ذاك أنّه، وفق الفيلسوفين الألمانيّين، يمكن إدراك أنماط معيّنة لحركة المجتمع وتقدّمه والقبض عليها، وهو ما سيغدو قوانين للتطوّر التاريخيّ والسلوك الإنسانيّ تُستنبط معها وجهة للمستقبل، وجهةٌ ليس علينا نحن البشر سوى الدفع باتّجاه ظفرها أو التعجيل فيه. هكذا ننتقل من التاريخ إلى نهاية التاريخ التي يحلّ معها مستوى غير مسبوق من السلام والحرّيّة للبشر أجمعين. والتصوّر هذا إنّما يحضّ، في عرف بوبر، على هندسة اجتماعيّة بالغة القسوة يكون هدفها تهيئة الناس لتلك الوجهة ودفعهم إلى مواكبتها.
ويُبقينا بوبر، من دون انقطاع، أمام تمييز صارخ بين ما يمكن اعتباره المعرفة المتواضعة للعلماء والفلاسفة وما يُفترض أنّه معرفة الأنبياء. فهو مثلاً يمجّ تعابير كـ«تاريخ الجنس البشريّ» فيما لا يوجد بين أيدينا مثل هذا التاريخ الشامل. أمّا المطروح علينا فليس أن نكون مُصيبين، بل أن نكون أقلّ خطأً دائماً. وفي الوجهة ذاتها، كان من إنجازات الفيلسوف النمساويّ البريطانيّ تأسيسه مفهوم الـ«Falsifiability»، أي القابليّة لبرهنة الخطأ عبر الملاحظة أو التجربة: فما يميّز العلميّ عن غيره أنّ التكهّنات العلميّة تطرح فرضيّات عن العالم، والفرضيّاتُ هذه تحتمل البرهنة على خطئها، فحين لا يكون ممكناً توفير البراهين على ذاك الخطأ، فإنّ الفرضيّات المذكورة لا تكون علماً.
وفي نصّ آخر، راجع بوبر القول الذي بات كلاسيكيّاً: «كلّ البجعات بيضاء». ذاك أنّ هذه «القناعة» ظلّت معمولاً بها لقرون إلى أن شاهد مكتشفون ورحّالة أوروبيّون في القرن السابع عشر بجعات سوداء للمرّة الأولى. والحقّ أنّ عبارة كهذه لا بدّ أن تكون مخطئة لأسباب ثلاثة: فالذي رأى البجعات التي شوهدت لم ير كلّ البجعات في العالم كي يُصدر حكماً إطلاقيّاً كهذا، ثمّ أنّنا لا نعرف على أيّة هيئة كانت البجعات في الماضي، وأخيراً، نحن نجهل على أيّة هيئة ستصير البجعات في المستقبل.
لقد منّت علينا اللغة بكلمات من نوع «قد» و«ربّما» و«يُرجّح» و«يُحتمل» و«أغلب الظنّ»... هذه ينبغي أن نحتمي بها، وأن نستخدمها أكثر ممّا نفعل. أمّا صديقي، فكان من الأفضل أن يتروّى وينتظر نهاية الفيلم.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا نعرف ماذا قد نعرف وماذا لن نعرف ماذا نعرف ماذا قد نعرف وماذا لن نعرف



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 15:29 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 05:15 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لجنة الانضباط تفرض عقوبات على الأندية العمانية

GMT 13:13 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف

GMT 07:45 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد زيت الزيتون
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon