عن قوّة الحرب الروسيّة وضعفها

... عن قوّة الحرب الروسيّة وضعفها

... عن قوّة الحرب الروسيّة وضعفها

 لبنان اليوم -

 عن قوّة الحرب الروسيّة وضعفها

بقلم:حازم صاغية

هناك تفاوت ملحوظ بين الحرب الروسيّة على أوكرانيا، بوصفها حدثاً عسكريّاً، والتطوّرات السياسيّة التي تخدم تلك الحرب. فقد صار من المتّفق عليه أنّ الهجوم، الذي انكفأ نحو الشرق وانحصر فيه، متعثّر ومتضارب، يندمج فيها التقدّم البطيء والتراجع السريع، وتكثر عنه التقارير التي لا تسرّ متحمّساً للروس أو معجباً بجيشهم وسلاحهم. لكنْ، وعلى رغم التعاطف الواسع، السياسيّ والإنسانيّ، مع أوكرانيا، وعلى رغم تصويتين متتاليين في الأمم المتّحدة حيث صوّتت الأكثريّة لمعاقبة روسيا، ينبغي عدم التهوين من مكاسب، كبيرة وصغيرة، تصبّ في رصيد الحرب الروسيّة وسياستها.
فالصين، التي كثر اللغط بشأن تردّدها وحيرتها، أشهرت تأييدها لموسكو من خلال حزبها الشيوعيّ الحاكم. ذاك أنّ الأخير أعدّ فيلماً وثائقيّاً، ناقشه كبار المسؤولين، صُوّر فيه فلاديمير بوتين بالبطل، وشُبّه بستالين (الذي تُجلّه الماويّة الصينيّة) إبّان الحرب العالميّة الثانية. ويبدو، وفق تقارير صحافيّة غربيّة، أنّ الحزب الحاكم والجامعات، الرسميّة طبعاً، يرعون حملة منهجيّة لنشر «الفهم الصائب» للحرب واتّهام الولايات المتّحدة حصراً بالتسبّب فيها.
وغير بعيد عن الصين، اتّهم رئيس الوزراء الباكستانيّ عمران خان الولايات المتّحدة إيّاها بأنّها تقف وراء محاولة لعزله من ضمن رغبتها في تغيير النظام الباكستانيّ. أمّا دليله على الرغبة الأميركيّة تلك فلقاؤه بالرئيس الروسيّ مع بداية الحرب الأوكرانيّة، وبالتالي انتهاجه «سياسة خارجيّة مستقلّة». ومعروف أنّ البرلمان الباكستانيّ قد صوّت لحجب الثقة عن عمران، تماماً قبيل حملته على واشنطن.
وهناك طبعاً التعثّر على جبهة النفط والغاز، حيث لا يبدو من السهل ربط التعاون بالتعاون على جبهات أخرى إقليميّة تعني بلداناً صديقة تقليديّاً للولايات المتّحدة. ويمتدّ هذا التعثّر إلى أوروبا ذاتها. فرغم الضغوط المتزايدة عليها، تكاد ألمانيا تجزم بأنّها لن تستغني بالكامل عن النفط والغاز الروسيّين، وإن كانت ستقلّل، بعد مجرة بوتشا، الاعتماد عليهما. وكان الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي قد اتّهم المستشارة الألمانيّة السابقة أنغيلا ميركل، ومعها رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة السابق نيكولا ساركوزي، بتقديم تنازلات كثيرة لبوتين شجّعته على اتّباع سياساته الحربيّة.
كذلك حقّق رئيس الحكومة الهنغاريّة فيكتور أوربان انتصاراً انتخابيّاً كبيراً (135 من 199 مقعداً لحزبه «التحالف الهنغاريّ المدنيّ») سوف يمنحه ولاية رابعة. لكنّ أوربان ما إن ابتعد قليلاً عن «صديقه» بوتين، بُعيد الهجوم على أوكرانيا، حتّى عاد «طبعه»، بمجرّد إحرازه نصره الانتخابيّ، يغلب «تطبّعه». ففي خطابه الأوّل بعد الانتخابات، هاجم «بيروقراطيّي بروكسل» وزيلينسكي وسمّاهم «خصوماً». وقد سبق للأخير أن انتقد سياسة أوربان في منع نقل السلاح إلى أوكرانيا المجاورة لبلده. كذلك سارع الزعيم الهنغاريّ إلى إعلان موقف آخر في المنحى ذاته، مُبدياً استعداده لأن يدفع لروسيا بالروبل مقابل الغاز الذي يشتريه منها، غير عابئ بموقف الاتّحاد الأوروبيّ الرافض.
وكما في هنغاريا كذلك في صربيا، حيث فاز برئاسة ثانية للجمهوريّة القوميّ المتطرّف، المناهض للغرب والمُحبّ لروسيا، ألكسندر فوشيش. والأخير، مثل أوربان، من أكثر الذين طالتهم انتقادات المعارضين وبلدان الاتّحاد الأوروبيّ بسبب حقوق الإنسان في بلديهما ورصيدهما السالب في معاملة أصحاب الرأي الآخر.
بوتين، من ناحيته، كان من أوائل المهنّئين لرئيس الحكومة الهنغاريّ ورئيس الجمهوريّة الصربيّ بفوزهما.
وقد يضاف هامش ليس عديم الصلة بهذه الوجهة: إنّه المهاترة الفرنسيّة – البولنديّة. فقد اتّهم رئيس حكومة بولندا ماتيوش مورافيسكي الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون بأنّه كان في تفاوضه مع بوتين كمن يفاوض هتلر وستالين وبول بوت. جاء هذا الاتّهام القاسي بُعيد مجزرة بوتشا وقُبيل الدورة الأولى للانتخابات الفرنسيّة، فاستحقّ ردّاً لا يقلّ ناريّةً من الرئيس الفرنسيّ الذي اتّهم نظام وارسو بمناهضة القيم الديمقراطيّة والإصلاحات الاقتصاديّة، وأنّ شعب بولندا «يستحقّ ما هو أفضل».
لكنّ الدعم السياسيّ لروسيا أو الامتناع عن دعم أوكرانيا يرتبط تأثيرهما، أو ضعف تأثيرهما، بأداء الجيش الروسيّ على الأرض، وبالتالي بقدرة موسكو على الاستفادة من هذا الدعم، أو الاستفادة من عدم دعم الأوكرانيّين. ما يبدو، حتّى إشعار آخر، أنّ الأداء العسكريّ الروسيّ ليس مدعاة لتفاؤل من يؤيّدونه.
يُلاحَظ، إلى ذلك، أنّ معظم الدعم السياسيّ المُهدى إلى موسكو ناتج عن تأزّمٍ ما في العلاقة بواشنطن، أو بالاتّحاد الأوروبيّ. المتعاطفون مع بوتين لا يكنّون بالضرورة محبّة خاصّة له، وباستثناء «التسريب السرّيّ» للحزب الشيوعيّ الصينيّ، ليست هناك مرافعات تدافع عن مزايا بعينها في النظام الروسيّ. وأخيراً، هناك المقاومة الأوكرانيّة التي توحي المعطيات حتّى الآن أنّ قدرتها على خلط الأوراق لن تكون بسيطة في حرب يتزايد عدد الذين يتوقّعون أنّها ستكون طويلة. أمّا تلك القدرة فيُرجّح أن تغدو أكبر فأكبر مع تعاظم المآسي الأوكرانيّة وتوسّع حجمها نتيجةً لتعاظم الإخفاق العسكريّ الروسيّ والإمعان في استراتيجيّة «الأرض المحروقة».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن قوّة الحرب الروسيّة وضعفها  عن قوّة الحرب الروسيّة وضعفها



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 11:49 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 لبنان اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 14:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
 لبنان اليوم - "واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon