إيران الأخرى وثنائيّ الإقليميّ والأهليّ

إيران الأخرى وثنائيّ الإقليميّ والأهليّ

إيران الأخرى وثنائيّ الإقليميّ والأهليّ

 لبنان اليوم -

إيران الأخرى وثنائيّ الإقليميّ والأهليّ

بقلم - حازم صاغية

«كان أحسنَ الأزمنة، وكان أسوأ الأزمنة. كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة. كان حقبة للتصديق، وكان حقبة للتشكيك...»... ويمضي تشارلز ديكنز في تعداد الثنائيّات المتناقضة التي انطوى عليها زمن الثورة الفرنسيّة.

ما جاء في روايته «قصّة مدينتين»، يمكن اعتماده، ولو بمعنى يغاير ما قصده الروائي البريطانيّ، وصفاً لأكثريّة ساحقة من الثورات التي عرفتها شعوب الأرض. فقبل 1989 على الأقلّ، حفّت بمعظم تلك الملاحم الجبارة حروب أهليّة وحروب إقليميّة، بعضها أحبطته الثورات، وبعضها أحبطها. ومن الإحباطات ما حصل في حينه، ومنه ما حصل بعد حين.

عندنا، في الثورتين الراهنتين العراقيّة واللبنانيّة، يخيّم بقوّة شبح النزاع الإقليمي الأميركي – الإيرانيّ، وهو شبح يسعى لأن يتغذّى على التفتّت الأهلي والطائفي للمجتمعين. فإذا تكامل البُعدان الإقليمي والأهلي بدت الثورة المضادّة داخليّة المصادر، شأنها شأن الثورة تماماً. شرعيّة تقابل شرعيّة أخرى.

هذا بالضبط ما حصل مع الموجة الأولى للثورات العربيّة، خصوصاً في سوريّا وليبيا واليمن. لقد تضامن الإقليمي والأهليّ، لا بوصفهما امتداداً للثورة، أو متفرّعاً ثانويّاً عنها، بل بوصفهما نقضاً واغتيالاً لها.

والحال أنّ اعتصار العراق الآن، ما بين طهران وواشنطن، هو أكثر ما يمثّل هذه الوجهة النشطة.

واستطراداً: في مواجهة سلميّة الثورتين، هناك عنفيّة النزاع الإقليمي التي تسعى لأن تستحضر العنف الكامن بالضرورة في النزاع الطائفي فتحضنه وتضمّه إليها. الأولى، السلميّة، ونسجاً على منوال الموجة الثوريّة لـ2011، تبغي إخراج المنطقة من «الاستثناء العربيّ». الثانية، العنفيّة، تعمل على إبقائها فيه، ناسجة على منوال القمع الذي واجه تلك الثورات.

ولنلاحظ، في المكان الأوّل، أنّ أيّاً من طرفي الاستقطاب الإقليمي ليس نابوليونيّاً، أي ليس مهموماً بنشر قيم تحرّريّة في المناطق والبلدان التي يتوسّع إليها، أو يطمح في ذلك: إيران الخمينيّة عدوّ صريح للثورات، تعتبرها مؤامرات، فيما تصطدم الثورات إيّاها بالخريطة السياسيّة للمنطقة كما رسمها التمدّد الإيرانيّ. الولايات المتّحدة، بدورها، ليست مناهضة للثورات بالمعنى الإيراني لكنّها، في ظلّ دونالد ترمب وقبله باراك أوباما، انكفائيّة وغير تدخّليّة إلاّ في حدود الدفاع عن «مصالح أميركا» وعن حياة الأميركيين. سجلّ العلاقة المتذبذب لواشنطن مع الأكراد مثل ناصع.

هذه الوجهة، للأسف، شعبيّة في الولايات المتّحدة وفي عموم العالم الغربيّ: لنلاحظ مثلاً أنّ التغطيات الإعلاميّة لهرب كارلوس غصن من اليابان إلى لبنان فاقت بأشواط تغطية الثورتين العراقيّة واللبنانيّة.

بالتالي، لا نغالي إذا قلنا إنّ تحييد البلدين عن الصراع الإقليمي أحد شروط محاصرة البُعد الطائفي وضبط فاعليّته، وبالتالي أحد أبرز شروط التغيير الموعود.

وفي هذين البلدين تحديداً، سجّل التاريخ الحديث أكثر من محاولة لتجاوز الطائفي من منصّة الدولة، وهي محاولات أطاحها الإقليمي على نحو أحبط التغيير: مع الملك فيصل الأوّل في ثلاثينات العراق، ثمّ مع عبد الكريم قاسم في خمسيناته وستيناته، ومع فؤاد شهاب بعد الحرب الأهليّة الصغرى عام 1958 في لبنان.

إنّ وعياً كهذا، وعياً يخشى التحام الأهلي والإقليميّ، هو ما يفسّر تلك «المليونيّة» العراقيّة الجبارة قبل أيّام، والتي رفضت الوصايتين الإيرانيّة والأميركيّة، فيما واكبها كلام آية الله السيستاني عن أنّ البلد يحكمه أبناؤه، لا الغريبون عنه. هذه الوجهة البغداديّة وجدت امتدادها في كربلاء حيث قُتل متظاهران وجُرح عشرة، قبل أن تُضرم النار في مقرّ «منظّمة بدر» – أحد فصائل «الحشد الشعبيّ»، ويحاول المتظاهرون لاحقاً اقتحام مبنى المحافظة.

وكان المدهش، ولا يزال، أنّ ذلك حصل فيما كانت التوقّعات تقول إنّ مقتل قاسم سليماني سيُنهي الثورة العراقيّة.

في وقت واحد تقريباً، ومن دون أن تُبتَزّ بمقتل سليماني، وبأجواء «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» مع أميركا، استعادت الثورة اللبنانيّة حرارتها الأولى وعاود الرونق الثوري الظهور في شوارع بيروت.

وهي مهمّة صعبة من غير شكّ، وإذا كُتب النجاح لثنائي الإقليمي – الأهليّ، كُتب الفشل للثورتين. لكنّ العامل الجديد هو، مرّة أخرى، طهران. وبسبب هذا العامل، صار مشروعاً الشكُّ في حظوظ ذاك الثنائيّ. لقد آثر أولئك الشبّان الإيرانيّون الشجعان أن لا يشاركوا في مراسم سليماني، وأن يشاركوا، في المقابل، في مراسم ضحايا الطائرة المدنيّة الذين قُتلوا باسم الانتقام لسليماني. مزّقوا صور القائد العسكري نفسه، ودعوا إلى رحيل القائد الروحي والسياسيّ، وطلبوا الموت لـ«الديكتاتور» ولفكرة «الولي الفقيه»، وسمّوا «الحرس الثوريّ» «داعش». وإذا ما تصاعدت هذه الموجة في المركز الإمبراطوريّ، اختلّ دور العامل الإقليمي المهدّد واختلّت قدرته على الاستنجاد بالأهلي في بلدان الأطراف الإمبراطوريّة. عند ذاك، وبلغة تشارلز ديكنز، نستطيع القول إنّ «أحسن الأزمنة» تمكّن من سحق «أسوئها».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران الأخرى وثنائيّ الإقليميّ والأهليّ إيران الأخرى وثنائيّ الإقليميّ والأهليّ



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 11:49 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 لبنان اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
 لبنان اليوم - "واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي

GMT 17:45 2021 الخميس ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الكاظمي يؤكد العمل على حماية المتظاهرين بالدستور

GMT 08:32 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي علي نصائح للتعامل مع الطفل العنيد

GMT 11:05 2014 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لرئيسهم العاشر بطولته في "قديم الكلام"!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon