ماذا نفعل بالنساء

ماذا نفعل بالنساء؟

ماذا نفعل بالنساء؟

 لبنان اليوم -

ماذا نفعل بالنساء

بقلم : حازم صاغية

يُخيّل للمراقب أن بلداننا، وفي موازاة حروبها الأهلية الكثيرة، تعيش حرباً دائمة على النساء. وكثيرون جدّاً من رجالنا، في قمم السلطة كما في قواعد المجتمع، محتارون: إنّهم ليسوا متأكدين تماماً مما ينبغي فعله بتلك الكائنات الفائضة عن الحاجة.

في يوم واحد، رأى نائب لبناني اسمه إيلي ماروني، قد لا يعترف بأي دور للمرأة، بأن لها دوراً. هذا ما يُشكر عليه. لكنّ ما نسبه إليها هو أن «بعض النساء يعطين المغتصِب سبباً للاغتصاب».

وعارض النائب المصري المدعو إلهامي عجينه، بمقدار من التخييل والفنتزَة يفتقر إليه زميله اللبناني، وضع قانون يجرم ختان النساء. أما السبب فارتفاع الضعف الجنسي عند الرجال، ما يوجب خفض التطلب الجنسي للمرأة! ولمناسبة ما تفضل به عجينه، أعلمتنا الأرقام بما يرقى إلى خوارق ومعجزات، بأن المختونات في مصر تتراوح نسبتهن بين 70 و90 في المئة من مجموع المصريات.

في ذاك اليوم لم يُتحفنا الأردن برأي مرضي على غرار الرأيين اللبناني والمصري، لكنه آثر إتحافنا بفعل مرضيّ.

فعبر «فايسبوك»، أطلقت الزميلة رلى أمين «نداء عاجلاً» تستجدي تنفيذ القرارات التي أصدرتها المحكمة الأردنيّة، حيث «اصطحب زوجي السابق محمّد عجلوني ابنتي دينا، 7 أعوام، في الزيارة المعتادة، وهو يمتنع عن إعادتها إليّ وفق ما ينصّ عليه قرار المحكمة، وتقول الشرطة إنّها لا تستطيع فعل شيء لمساعدتي». وكان التضامن الواسع والضغط الشديد الذي مورس عبر الإعلام بسائر أشكاله ما أعاد دينا إلى أمّها.

ثلاثة عناوين تتّصل على نحو أو آخر بمحنة النساء العربيّات، أبرزتها الصحف ومواقع التواصل الاجتماعيّ. لكنّ العدد يرتفع ليطاول آلافاً مؤلّفة تعاش مآسيهنّ في أطراف نائية ووراء غرف مغلقة مسكوت عمّا يحصل فيها.

فكيف إذاً نتدبّر هذه المرأة التي يُراد لها أن تترجّح إلى ما لا نهاية بين كونها عبدةً وكونها سلعةً وكونها دمية؟

الأنظمة، المحافظة منها والانقلابيّة، لم تعمل إلاّ على تكريس موقعها هذا. والثورات، ما خلا الحالة التونسيّة جزئيّاً، لم تُعنَ بوضعها القائم وبتغييره. أنظمة العسكر استحسنت تحويلها إلى مجنّدة تُستعرض في «أعياد الثورة»، وإسلاميّو الثورات وجدوا فيها موضوعاً آخر للضبط والتأديب المنسوبين إلى المقدّس. واستمرّ، في هذه الغضون، «التقليد» القديم في الاحتفال بسيّدة صالون هنا وبسيّدة أعمال هناك نبرهن من خلال صورهما في المجلاّت «النسائيّة» و «الاجتماعيّة» أنّنا قطعنا شوطاً معتبراً في مساواة الجنسين!

والحال أنّ المرأة مطرودة من النقاش العام، تُستحضر فيه أحياناً بوصفها الدليل على مكائد الغرب وعلى استشراقه الذي يزورنا. وهي في الحالات جميعاً متروكة لأعداد محدودة من النسويين والنسويات، ومن بضعة قانونيين، ومن ناشطين وناشطات في منظمات المجتمع المدني، ممن يقل تأثيرهم عن نبلهم وحماستهم. والشيء نفسه يصحّ في الضغوط الغربية على حكوماتنا، إذ تتحايل الأخيرة عليها ببعض التلطيف والاستعراض، حتّى إذا غادر الرسمي الغربي مطاراتنا عادت حليمة إلى عادتها القديمة.

يحصل هذا فيما الرجولة تزداد تأزّماً، لا عندنا فحسب بل في العالم كلّه. يكفي القول إنّ الاجتماع والاقتصاد الحديثين يجعلان القوّة العضليّة لزوم ما لا يلزم، كما يحيلان القيم التي ارتبطت طويلاً بالذكورة إلى كتب الإنشاء الميّت. وإذا كان التعليم وسوق العمل ووسائط التواصل تمعن في استقبال النساء وفي حضّهنّ على مغادرة البيت، فهذا ما يصبّ زيتاً كثيراً على غضب ذكوريّ مشتعل أصلاً. وحين نضيف الردّة الراهنة على التنوير والحداثة، مرموزاً إليها بصعود رجال كدونالد ترامب بعد سيلفيو بيرلوسكوني، نفهم أن يلجأ «الرجل الرجل»، في دفاعه عن العالم القديم وامتيازاته، إلى أسافل الكلام والسلوك.

لكنْ بينما يفكّر البريطانيّون، مثلاً لا حصراً، بضمّ العداء للمرأة وكراهيّتها إلى تعريف «جريمة الكراهيّة»، نجدنا، في هذه الرقعة من الكوكب، لا نجد ما نعوّل عليه في مواجهة الهمجيّات الزاحفة: لا الأخلاق تفعل فعلها، ولا السياسة ولا القوانين. أمّا نوّاب الأمّة، الذين تنتخبهم جماهيرنا كي يشرّعوا لنا وكي يحدّوا من تغوّل السلطة التنفيذيّة علينا، فماروني وعجينة ليسا، على الإطلاق، أسوأهم.

وفي غضون ذلك، يبقى شيء واحد يقضّ مضاجعنا علينا: حقّاً، ماذا نفعل بهذا العبء المسمّى نساءً؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا نفعل بالنساء ماذا نفعل بالنساء



GMT 17:43 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كيف نربّي مناعة حيال إسرائيل؟

GMT 07:10 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان المُحيّد عسكريّاً والمصارحة المطلوبة بين اللبنانيّين

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

انطباعات أوّليّة وسريعة وغاضبة على هامش الحرب

GMT 18:52 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى

GMT 22:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الحقّ الفلسطيني وحياة القادة وموتهم!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 12:55 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

وضعية للهاتف قد تدل على خيانة شريك الحياة

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon