الخارج يُحيي الطوائف اللبنانية ثم يُميتها

الخارج يُحيي الطوائف اللبنانية ثم يُميتها

الخارج يُحيي الطوائف اللبنانية ثم يُميتها

 لبنان اليوم -

الخارج يُحيي الطوائف اللبنانية ثم يُميتها

حازم صاغية

لا تصير الطائفة اللبنانية وحدة وقوة سياسية ناجزة من دون اكتسابها «سياسة خارجية» تتميز بها عن سواها. فإلى الذراع العسكرية، والحد الأدنى من رواية إيديولوجية «حديثة»، يُسبَغ على التكون السياسي للطوائف ما يمكن أن يُسمى ديبلوماسية الوضاعة أو بروتوكول التبعية والالتحاق. وهذه الأخيرة ليست مجرد عنصر عَرضي في قوة الطوائف، بل شرط شارط لتلك القوة. فهي، فضلاً عن توفيرها التسليح والتدريب، وأحياناً التمويل السخي، تتيح للطائفة الصغيرة أن تكبر حجمها وتكثر أهميتها تبعاً لعلاقتها بدولة كبيرة. وفي وسع تلك «السياسة الخارجية» أن تُظهر «القضية» التي تقاتل الطائفةُ دفاعاً عنها قضيةً عامة، شاملة، إن لم يكن متعالية، وفي الآن نفسه شأناً استراتيجياً خطيراً عابراً للحدود، يضيف شيئاً من المهابة على الضآلة التي تسم كل طائفة محلية. هكذا يُرتهن صعود الطائفة، بوصفها وحدة سياسية فاعلة، بهذه «السياسة الخارجية». فالتبعية لإيران، وجزئياً لسورية حتى 2011، كانت جزءاً تكوينياً من سيرة «حزب الله»، ومن نموه وتضخم دوره، كتنظيم راديكالي للطائفة الشيعية في لبنان. لكن هذه العلاقة تنطوي على طورين متلاحقين ومتضاربي الأثر، ويبدو اليوم أننا دخلنا طور الغرم التالي على طور الغنم. ذاك أن السيد الخارجي له أيضاً، وبطبيعة الحال، طلباته التي قد تعجز الطائفة المحلية، وهي تعريفاً محدودة القدرة، عن تلبيتها كلها. وبديهيٌ، والحال على ما هي عليه، أن الطرف الخارجي لم يسمن حليفه الداخلي إلا لكي يطالبه بمطالب مُسمنة تليق بالأكلاف التي بُذلت لأجله. وربما كان «حزب الله»، وهو يوسع انخراطه في الحرب السورية التي هي جزئياً حرب إيران في سورية، يدخل اليوم طوره الثاني، طور تسديد الديون التي وفرتها له «سياسته الخارجية» وما لازمها من تحالفات. وغني عن القول إن حرباً في سورية أكبر كثيراً من إمكانات حزب لبناني، كما أن الانتصارات اللفظية غير المرئية على إسرائيل (التي ننتصر جميعاً عليها!) أصعب تسويقاً بلا قياس حين يتعلق الأمر بسورية المرئية جداً. فإذا انطوى طور الغنم على توسع في فرص العمل والخدمات لقاعدة الحزب، وعلى تصاعد في نبرة اعتداده، فضلاً عن تعميمه الثابت روايته الانتصارية، حمل طور الغرم المآسي، لا لحزب الطائفة وحده، بل للطائفة التي انجرت، لهذا السبب أو ذاك، وراءه، وللوطن كله من ورائها. هكذا ينقلب الاحتفال حزناً على ضحايا بريئة يحصدها الإرهاب المجرم، أو يتهدد بحصدها، كما يتصاحب ذلك مع مغادرة الخائفين هذه المنطقة إلى واحدة أكثر أمناً، ولو في جوار عدو سابق، فيما تُباع البيوت المملوكة في المناطق الأقل أمناً، وتصاب التجارة والأعمال وفرص العمل بكساد قاتل. ووراءنا تجربة المسيحيين اللبنانيين في أوائل الثمانينات، حين ترافق صعود أكثر قياداتهم راديكالية، وصولاً إلى انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، مع تعاظم الدور الإسرائيلي الذي اندفع، في 1982، إلى الغزو والاجتياح. لكن طور الغرم سريعاً ما أطل برأسه انهياراً في «حرب الجبل» وطرداً للسلطة المركزية من بيروت والضاحية الجنوبية، وإسقاطاً لاتفاق 17 أيار، وهجرةً مفتوحة على مصراعيها. لقد ذهب التورط بعيداً، مُرتباً من الديون ما لا تستطيع طائفة محلية صغيرة سداده. وهناك تجربة سابقة عليها، أصغر حجماً وأضعف أثراً وأقل كلفة، تورطت فيها الطائفة السنية مع الناصرية المصرية – السورية أواخر الخمسينات، ثم مع المقاومة الفلسطينية في الستينات وأوائل السبعينات. لكن الناصرية منحت الزعامة السنية للرئيس الماروني فؤاد شهاب، قبل أن تمنحها الثورة الفلسطينية للزعيم الدرزي كمال جنبلاط. وهي تجارب وعبر من المؤلم أن «حزب الله» لم يعتبر بها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخارج يُحيي الطوائف اللبنانية ثم يُميتها الخارج يُحيي الطوائف اللبنانية ثم يُميتها



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon