سارتر وكامو ومدى حضور الشخصي في الفكريّ
ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مسلح بشمال غرب باكستان إلى 17 قتيلاً على الأقل و32 مصاباً تحطم طائرة من طراز “دا 42″ تابعة للقوات الجوية المغربية بمدينة بنسليمان استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة أخرون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منطقة المواصي جنوب قطاع غزة غرفة عمليات حزب الله تُصدر بياناً بشأن تفاصيل اشتباك لها مع قوة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا جنوبي لبنان وزارة الصحة اللبنانية تُعلن استشهاد 3583 شخصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على البلاد وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

سارتر وكامو ومدى حضور الشخصي في الفكريّ

سارتر وكامو ومدى حضور الشخصي في الفكريّ

 لبنان اليوم -

سارتر وكامو ومدى حضور الشخصي في الفكريّ

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

إبّان الحرب العالميّة الثانية، كان ألبير كامو ونشرة «كومبات»، التي يحرّرها وتنطق بلسان المقاومة الفرنسيّة، من غلاة المطالبين بـ»التطهير»، أي إنزال أشدّ العقوبات بالمتعاونين مع الاحتلال النازيّ. وضدّ هذا الاتّجاه ساجل فرانسوا مورياك، الروائيّ ذو الوعي الكاثوليكيّ الذي كان أحد المحافظين الأوروبيّين ممّن انحازوا إلى الجمهوريّين إبّان الحرب الأهليّة الإسبانيّة أواخر الثلاثينات.

لكنْ مع التحرير في 1945 طرأت المشكلة التي عُرفت باسم روبير براسيلّاش، وهو الروائيّ والناقد الذي انتقل من موقع محافظ إلى موقع فاشيّ ولا ساميّ متعاون مع الاحتلال. وبهذا كان مساره معاكساً لموقف مورياك الذي انتقل من وطنيّة معجبة بالجنرال بيتان إلى المقاومة. إلاّ أنّ مورياك هو من كان وراء عريضة تطالب الجنرال ديغول بعدم إعدام براسيلّاش، علماً أنّ الأخير كان قد شهّر به شخصيّاً، وشمت بإصابته بسرطان في الحنجرة.

في هذه الغضون كان موقف كامو من إعدام المتعاونين قد تغيّر، ما حمله على الاعتذار من مورياك وتوقيع العريضة. أمّا صديقه يومذاك، جون بول سارتر، فأبى أن يوقّعها مُصرّاً على معاقبة العملاء بأكثر ما يمكن من الشدّة لأنّ أشخاصاً كبراسيلّاش ينبغي ألاّ يكون لهم مكان في عالم جديد ونقيّ.

هذه الحادثة قليلاً ما تُذكر عند التأريخ لعلاقة سارتر، الغاضب المتوتّر، بكامو، الرحب والسموح، والتي غدت إحدى محطّات التاريخ الثقافيّ الفرنسيّ الحديث، مثلها مثل علاقة سارتر بالفيلسوف والسوسيولوجيّ ريمون أرون الذي جمع بين الليبراليّة والمحافظة. ففي هذا الافتراق حيال قضيّة براسيلّاش ما يضيء على تكوينين شخصيّين غالباً ما يُهمّش اختلافهما عند عرض المشكلات الفكريّة.

والحال أنّ صداقة سارتر وكامو التي بدأت مع الحرب العالميّة الثانية، وتحديداً مع مسرحيّة سارتر «الذباب» (1943)، تعرّضت للتصدّع بعد سنوات قليلة.

فمع «المتمرّد» لكامو (1951)، بدا من الصعب إدامة الصداقة بسبب موقف كاتبها بالغ السلبيّة من العنف والشيوعيّة والحركات التي تشبهها، واعتباره أنّ وجود الاتّحاد السوفياتيّ الستالينيّ استمرار للجريمة التي سجّلتها الحرب العالميّة الثانية. وكان رأي سارتر أّنّ هذا الموقف أخلاقويّ إذ الأولويّة هي للوقوف مع المضطهَدين، ما لا يمكن إتيانه عمليّاً إلاّ بالتضامن مع السوفيات ودعم الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ.

ثمّ كان الخلاف الشهير حول العنف حين انفجرت في 1954 الثورة الجزائريّة، فوقف سارتر معها بلا تحفّظ ورأى أنّ عنفها يبرّره الظلم الاستعماريّ، وأنّه وسيلة لغاية عظمى، فيما لم يرَ كامو أنّ ثمّة ما يبرّر العنف، إذ السياسة، عنده، تخضع للأخلاق.

وبدا موقف كامو هذا مناقضاً للموقفين الشعبيّين المنتشرين يومذاك: ذاك المطالب باستئصال «إرهابيّي» جبهة التحرير الجزائريّة، وذاك المؤيّد لاستئصال المستوطنين البيض. فهو لم يشأ الوقوف مع يسار «يبحث عن خونة» ولا مع يمين «يبحث عن متطوّعين». وفي النهاية نجح الموقعان الحَدّيّان في إسكاته، وبسيطرة سارتر على البيئة الثقافيّة طُرد كامو منها.

لكنّ سارتر، وإبّان صداقته الوطيدة مع الشيوعيّين ما بين 1950 و1956، لم يحتفل بالعنف الذي يطلقه التحرّر الوطنيّ فحسب، بل احتفل أيضاً بالعنف الذي حَضنتْه الشيوعيّة وصاحب نموّها. وهذه مواقف لا يليق غيرُها بالمثقّفين في رأيه، إذ المثقّف «كاهن العصر (...) كما لو أنّه بندقية في خدمة الالتزام السياسي».

وفي المسار هذا كانت السقطة الكبرى: ففي مناخ الحرب الباردة التي اندلعت للتوّ، وبعد اعتقال أحد قادة الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ جاك ديكلو، كتب سارتر في 1952 «الشيوعيّون والسلم»، داعماً الحزب المذكور ومعلناً خوفه من منعه، إذ الحكومات الغربيّة تتحوّل على نحو متسارع إلى السلطويّة. ولئن كانت المكارثيّة الأميركيّة تشجّع يومذاك على أحكام كهذه، فقد ذهب سارتر إلى حدّ نفي وجود الغولاغ في الاتّحاد السوفياتيّ. لكنّه في 1954، وبعد زيارته موسكو، جزم بأنّ «حرّيّة النقد كاملة» هناك، واتّهم الكتّاب والنقّاد الذين يشهدون بغير ذلك وشهّر بهم.

وما لبث ريمون أرون أن أصدر في 1955 كتابه الشهير «أفيون المثقّفين»، وهو بمعنى ما هجاء لسارتر (وللفيلسوف الوجوديّ الآخر موريس ميرلو بونتي) ولصمته و»التزامه»، معتبراً أنّ «أسطورة الثورة» عند سارتر أفيون يخدّر الانتلجنسيا الفرنسيّة بالمعنى الذي قصده ماركس في تناوله أثر الدين على عامّة الناس، وأنّ «الوظيفة الأولى للمثقّف ليست السياسة بل البحث عن الحقيقة». وفي مطاردته جذور الأفكار التي ينتقدها، وضع أرون لفصوله الثلاثة الأولى عناوين قويّة الدلالة: «أسطورة اليسار» و»أسطورة الثورة» و»أسطورة البروليتاريا».

وفي وقت لاحق (1992)، عاد الكاتب والمؤرّخ البريطانيّ الأميركيّ توني جوت إلى الموضوع نفسه في كتاب حمل عنوان «الماضي الناقص: المثقّفون الفرنسيّون 1944-1956»، حيث نعى لا مسؤوليّة الأخيرين وتردّيهم الأخلاقيّ، وكيف أنّهم انساقوا، وعلى رأسهم سارتر، إلى تمجيد ستالين، كاشفين عن «ضَيعويّتهم» (provincialism)، وعن عجزهم عن مصالحة موقفهم الإيجابيّ من الشيوعيّة مع موقف نقديّ من الأفعال السوفياتيّة في أوروبا الشرقيّة.

لقد باشر سارتر ابتعاده عن الشيوعيّة والسوفيات مع غزو هنغاريا في 1956، لكنّه في 1961 كتب مقدّمته العنفيّة والناريّة الشهيرة لكتاب فرانس فانون «معذّبو الأرض»، فيما تصاعد ولهه بقادة ككاسترو وغيفارا، واصفاً الأخير، بعد مصرعه أواخر 1967 في بوليفيا، بأنّه «ليس مثقّفاً فقط، بل هو أكمل الكائنات الإنسانيّة في عصرنا». ولم تنفصل مواقف وآراء متوتّرة وعشوائيّة كهذه عن محاكمات لاحقة لدور الثقافة السياسيّة الفرنسيّة في ظلّ سارتر. فعلى هذا النحو خضع السجال للتتفيه وأُفرغ النقاش العامّ من القضايا الراهنة والملحّة، فيما أتيحت الفرصة لليمين الفرنسيّ المتطرّف كي يملأ بطريقته تلك الفجوات الكبيرة المهملة.

فلئن انتقل كامو، متأثّراً بمراجعاته وبالموقف النبيل لخصمه الإيديولوجيّ مورياك، إلى موقف أقلّ عنفيّة وأكثر إنسانويّة، فقد انتقل سارتر، متأثّراً بإحباطه بالاتّحاد السوفياتيّ وشيوعيّته، إلى موقف أشدّ عنفيّة وراديكاليّة في عنفيّته.

وبالنظر إلى الوراء من شرفة يومنا هذا، قد يتأدّى كثير من التبسيط والاختزال عن ردّ مواقف سارتر وكامو إلى تكوينهما الشخصيّ ومزاجيهما حيال العنف. لكنّ إغفال هذا التكوين الشخصيّ يفضي، في أغلب الظنّ، إلى تبسيط واختزال من نوع آخر.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سارتر وكامو ومدى حضور الشخصي في الفكريّ سارتر وكامو ومدى حضور الشخصي في الفكريّ



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 15:29 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 05:15 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لجنة الانضباط تفرض عقوبات على الأندية العمانية

GMT 13:13 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف

GMT 07:45 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد زيت الزيتون
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon