دعوة بارزاني ووحدة أوطاننا

دعوة بارزاني ووحدة أوطاننا

دعوة بارزاني ووحدة أوطاننا

 لبنان اليوم -

دعوة بارزاني ووحدة أوطاننا

حازم صاغية

قد تشقّ الأحداث الكبرى، مهما بلغت بشاعتها الدمويّة، آفاقاً للتطوّر جديدة وغير مُدرَكَة سلفاً. من هذا القبيل فتحت الحروب النابوليونيّة الباب للقوميّات في بلدان أوروبيّة عدّة، ودشنّت الحرب العالميّة الأولى انكسار الامبراطوريّات وظهور الدولة – الأمّة في بقاع كثيرة من العالم، فيما جاءت الحرب العالميّة الثانية، بالنتائج التي تمخّضت عنها، تمهّد لحركة الاستقلالات ونزع الاستعمار في «العالم الثالث».

وربّما جاز الرهان على أن تفضي النتائج التي أسفرت عنها ثورات «الربيع العربيّ» إلى طرح مسألة الاجتماع الوطنيّ في بلدان الثورات نفسها، أقلّه تلك التي تستعرض على نحو ساطع ضعف نسيجها الوطنيّ، كسوريّة وليبيا واليمن، معطوفاً عليها العراق الذي سبقها إلى الثورة بأدوات أخرى، ولبنان الذي يملك من المواصفات ما يؤهّله لاستقبال موجة كهذه.

والحال أنّه في ما خلا البؤرة التونسيّة التي تخوض معركة صعبة قد تخرج منها ظافرة، ولو مدمّاة ومنهكة، وقد لا تخرج، آل التغيير الموعود إلى فشل بيّن. لكنّه آل أيضاً إلى انكشاف حالة من التناظر الضدّيّ بين مبدأ التغيير والأُطر القائمة للاجتماع الوطنيّ. ففي البلدان المذكورة، يستحيل التقدّم، على ما يبدو، من داخل أوطان هي سجون لشعوبها، خصوصاً منها الأطراف المهيضة الجناح، أكانت دينيّة أو إثنيّة أقلّ عدداً، أو أقلّيات سياسيّة كحال السنّة السوريّين ممّن هم أكثريّة عدديّة. إلاّ أنّ البلدان نفسها، وبسبب التكسّر المجتمعيّ، تجعل بعض الفئات المستفيدة من التغيير قلاع دفاع عن الوضع القائم.

واستطراداً، يمكن الرهان على أنّ الحركة الديبلوماسيّة التي تصف نفسها مصدراً للعلاج، ستنتهي، عاجلاً أو آجلاً، إلى طرح مسألة الاجتماع الوطنيّ نفسها، خصوصاً أنّ تعاقب الأيّام لا يفعل إلاّ توسيع الشروخ والعداوات بين جماعات مصنّفة شعوباً واحدة موحّدة.

والوجهة هذه لا تجد في المنطقة أطرافاً تلاقيها، فتقبض على التحوّل الجاري وتعضّ على واقعه المستجدّ. ذاك أنّه لا تزال اللغة السياسيّة، على عمومها، حبيسة الاجترار المضجر لعناوين وشعارات تتزايد وطنيّتها في موازاة التبخّر المتزايد للأوطان، وتمعن في إصرارها على التغيير، على اختلاف التصوّرات المطروحة بشأنه، كمقابل لإصرار الواقع على التفتّت.

في هذا السياق، ومع أنّها لا ترقى إلى أطروحة مبلورة أو متماسكة، جاءت دعوة مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، للاستفتاء في شأن الدولة الكرديّة المستقلّة في شمال العراق، لتضيء شمعة في ظلام دامس. ولم يكن بلا دلالة أن تصدر الدعوة عن أحد أكثر أطراف المنطقة شعوراً بأنّ الأوطان القائمة سجون للشعوب والجماعات، وأحد أقلّها تماهياً مع الوطنيّة السائدة وتراثها ذي الغلبة العربيّة الكاسحة.

ولا يُراد بكلام كهذا الإيحاء بأنّ الطرق معبّدة إلى ذاك الحلّ، أو أنّ البدائل جاهزة. فهناك من المصاعب ما لا يُحصى، أكان في كردستان العراق أو في المناطق الأخرى التي تطالعنا بعجزها عن الاستمرار ضمن أُطر الاجتماع الوطنيّ الراهن. ففي كردستان، مثلاً لا حصراً، لم ينشأ النموذج اللامع إلاّ قياساً بباقي العراق، وهناك مركزان للسلطة، في أربيل وفي السليمانيّة، ليست العلاقة بينهما على ما يرام، وثمّة أزمة اقتصاديّة ناشبة وتمضي استفحالاً. وهذا ناهيك عن أنّ النموذج السودانيّ لم يُفلح في أن يوفّر بديلاً مُقنعاً.

لكنْ مع ذلك كلّه، يبقى الفارق واضحاً بين بذل الجهد لإحياء كائن مريض لكنّه قابل للحياة، وبين إحياء ميّت يغطّ في موته.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دعوة بارزاني ووحدة أوطاننا دعوة بارزاني ووحدة أوطاننا



GMT 00:07 2024 الأربعاء ,14 آب / أغسطس

سلام السنوار... وكاريكاتير المنطقة!

GMT 19:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الأردن بين إيران وإسرائيل

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

إيران أكبر عدو لنفسها

GMT 19:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حين تصدق إيران نكذّبها!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 12:55 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

وضعية للهاتف قد تدل على خيانة شريك الحياة

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon