إيران في العراق بداية الشرق الأوسط الجديد

إيران في العراق.. بداية الشرق الأوسط الجديد

إيران في العراق.. بداية الشرق الأوسط الجديد

 لبنان اليوم -

إيران في العراق بداية الشرق الأوسط الجديد

خير الله خير الله

يعطي تجاوز الحدود العراقية الإيرانية بالطريقة التي حصلت بها، ثم الدخول التركي الحديث نسبيا، فكرة عن الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ يتبلور في العام 2003.

مرّ اختراق عشرات آلاف الإيرانيين الحدود العراقية المعترف بها دوليا، بحجة المجيء إلى كربلاء في ذكرى أربعين الحسين، مرور الكرام. مثل هذا الحادث، أي وجود إيران في العراق، كان يتسبب بحروب في الماضي، لكنه صار أمرا عاديا تمكن معالجته بتصريح من هنا وموقف مزايد من هناك، من دون أيّ فعل على الأرض.

بعد أيام، جاء الإعلان المفاجئ عن الوجود التركي إلى الموصل، والذي يبدو أنّه قديم بموجب اتفاق بين الدولتين، ليؤكد أن العراق مستباح وأنّ كلّ ما تستطيع الحكومة العراقية عمله هو الاحتجاج وذلك لإثبات أنّها موجودة. المؤسف أن الاحتجاج على الوجود التركي، جاء لتبرير الوجود الطاغي لإيران والتغطية عليه. كذلك، يمكن أن يندرج في سياق التدهور في العلاقات بين تركيا من جهة وإيران وروسيا من جهة أخرى بسبب سوريا وإسقاط تركيا للقاذفة الروسية.

في ما يخص الوجود الإيراني العسكري والمدني، احتج العراق رسميا، لكن الاحتجاج لم يترافق مع أيّ إجراءات ذات طابع جدّي من أي نوع. لن تكون للاحتجاج أيّ متابعة، نظرا إلى أنّ طابعه شكلي، بل من باب رفع العتب لا أكثر. يكشف ذلك هشاشة السيادة العراقية وسقوط الحدود بين العراق وإيران في ضوء الغزو الأميركي لهذا البلد العربي، سابقا، وتسليمه على صحن من فضّة إلى ايران.

سقط العراق وسقطت معه منطقة المشرق العربي، من دون أن يعني ذلك أن نظام صدّام حسين كان يجب أن يبقى وأنّه كان ضمانة للعراق والعراقيين ولمنظومة الأمن العربية، خصوصا بعد احتلاله الكويت في العام 1990.

حطم إيرانيون منفذ زرباطية بين العراق وإيران في محافظة واسط. دخل عشرات آلاف الإيرانيين الأراضي العراقية من دون تأشيرة أو إذن. حصل ذلك عن سابق تصوّر وتصميم في منطقة يزداد فيها يوما بعد يوم عمق الشرخ المذهبي واتساعه. أرادت إيران بكلّ بساطة توجيه رسالة، إلى كلّ من يعنيه الأمر، بما في ذلك العراقيين أنفسهم. مضمون الرسالة أنّها لم تعد تعترف بالحدود الدولية للعراق، كدولة ذات سيادة. صار الرابط المذهبي فوق الحدود المعترف بها دوليا.

ما بدأ في العراق كان الفصل الأوّل من مسلسل نشهد في كلّ يوم فصلا جديدا منه. عنوان المسلسل حلول الرابط المذهبي مكان السيادة الوطنية. صار هذا الرابط أهمّ بكثير من أيّ حدود، معترف بها، بين دولة عربية وأخرى. تفوّق المذهب على الحدود.

لذلك، لم يعد مستغربا أن يدخل إيرانيون إلى العراق، بحجة إحياء أربعين الحسين، أو أيّ مناسبة دينية أو تاريخية أخرى من دون كلفة أو تأشيرة. الأرض أرضهم والبيوت بيوتهم وذلك منذ حصول الاتفاق الأميركي ـ الإيراني على خوض حرب العراق معا.

لم يكن لدى الإدارة الأميركية أيّ حليف إقليمي حقيقي في حربها على العراق سوى إيران. في مقابل تعاون إيران، قدّمت إدارة جورج بوش الابن كلّ التنازلات المطلوبة. شملت هذه التنازلات تلبية طلب يدعو إلى الإقرار بوجود “أكثرية شيعية في العراق”. وردت هذه العبارة في البيان الختامي لمؤتمر لندن الذي عقدته المعارضة العراقية في كانون الأوّل ـ ديسمبر من العام 2002، أي قبل أربعة أشهر من بدء العملية العسكرية الأميركية. كان في الإمكان الكلام عن أكثرية عربية في العراق، في حال أخذنا في الاعتبار الشيعة العرب والسنّة العرب معا. لماذا كان ذلك الإصرار على عبارة “الأكثرية الشيعية” والإصرار على التمييز بين القوميات والمذاهب؟

    ما نشهده حاليا أكثر من طبيعي في ضوء انهيار الحدود بين العراق وإيران نتيجة المغامرة التي أقدم عليها جورج بوش الابن الذي لم يكن يدرك النتائج التي ستترتب على مثل هذه المغامرة المجنونة

في كلّ الأحوال، وضعت إدارة بوش الابن حجر الزاوية للشرق الأوسط الجديد، انطلاقا من العراق، بالتفاهم مع إيران. قبضت إيران سلفا ثمن دفعها لبعض الأحزاب والتنظيمات الشيعية الموالية لها مثل “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” إلى المشاركة في مؤتمر لندن وتوفير غطاء للاجتياح الأميركي الذي توّج بحدثين جاءا بعد إسقاط النظام الذي كان على رأسه صدّام حسين.

تمثّل الحدث الأول بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي الذي كرّس تهميش السنّة العرب، والآخر حل الجيش العراقي، بما وفّر لاحقا حاضنة لـ”داعش” وكلّ الحركات الإرهابية التي مهدت لصعود هذا التنظيم الإرهابي وتمدّده في كلّ الاتجاهات. حصل ذلك بتشجيع من النظام السوري أوّلا وبسبب وجود الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، تلك الميليشيات التي أخذت مكان الجيش العراقي ذي التاريخ الطويل والتقاليد العريقة.

يعطي تجاوز الحدود العراقية ـ الإيرانية بالطريقة التي حصلت بها، ثمّ الدخول التركي الحديث نسبيا، فكرة عن الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ يتبلور في العام 2003. لم يعد غريبا بعد ذلك أن يربط “داعش” بين الأراضي السورية والأراضي العراقية التي فيها السنّة العرب وصولا إلى الموصل المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو المليونين.

كذلك، لم يعد غريبا أن يتورّط “حزب الله” بصفة كونه ميليشيا مذهبية لبنانية تابعة لإيران في الحرب على الشعب السوري تحت شعارات تتحدّث عن حماية مزار الستّ زينب في ضواحي دمشق وقرى شيعية في الداخل السوري. عمليا، كان “حزب الله” يلبي طلبا إيرانيا يستهدف نجدة النظام السوري من منطلق أنّه نظام أقلّوي لا أكثر.

من المفيد في مثل هذه الأيّام العودة إلى كلام صدر عن الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران في تبريره لدعم العراق عسكريا في مطلع ثمانينات القرن الماضي. وقتذاك، بدأت كفّة الحرب تميل لمصلحة إيران، فما كان من ميتران إلّا أن وافق على “تأجير” العراق ست طائرات “سوبر أتندار” لم تكن البحرية الفرنسية تمتلك غيرها وتزويده بصواريخ “إكزوسيت” وذلك من أجل ضرب الموانئ الإيرانية في الخليج.

قال الرئيس الفرنسي الراحل، الذي لم يكن مغرما بصدّام حسين بأيّ شكل، إن المسألة تتجاوز الحدود القائمة بين بلدين. شدّد على ضرورة المحافظة على هذه الحدود التي عمرها مئات السنين، نظرا إلى أنّها “حدود بين حضارتين عظيمتين”.

شدّد أيضا على أن المحافظة على هذه الحدود يعني المحافظة على التوازن الإقليمي. انتهت الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرّت ثماني سنوات بالمحافظة على التوازن الإقليمي. كان ذلك في العام 1988. كلّ ما يمكن قوله الآن إن هذا التوازن انهار في ضوء وضع إيران يدها على العراق بدعم أميركي.

لم يكن الحدث العراقي مجرّد تغيير لنظام كان يجب تغييره ولكن في ظروف مختلفة وأخذ في الاعتبار للمشروع التوسّعي الإيراني الذي يستثمر في الغرائز المذهبية. ترك هذا الحدث انعكاساته على كلّ المنطقة، خصوصا في سوريا التي صارت أرضا مستباحة بعدما رفض النظام فيها الانصياع للإرادة الشعبية وفضّل الدخول بدوره في الحرب المذهبية الدائرة في الإقليم. ما زلنا في بداية حال المخاض التي يمرّ فيها الشرق الأوسط. المشهد

الذي شاهدناه عند إحدى نقاط الحدود بين العراق وإيران والذي تلاه الوجود العسكري التركي في الموصل الذي لا يبدو أنّه جديد، مشهد تكرّر وسيتكرّر. إنّه حقّا الشرق الأوسط الجديد الذي نرى فيه تنسيقا روسيا ـ إسرائيليا في سوريا مع تغاض إيراني تام عن ذلك وتجاهل له. عش دهرا ترى عجبا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران في العراق بداية الشرق الأوسط الجديد إيران في العراق بداية الشرق الأوسط الجديد



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon