هل يكفي القضاء على الإخوان المسلمين، المرفوضين من معظم اليمنيين، في جزء من البلد وضرب الوحدات العسكرية التابعة لهم، كي يحقق الحوثيون انتصارا يسمح بقيام نظام جديد يبدو واضحا أنه سيكون تابعا لإيران؟.
من لديه أدنى شك في من هم الحوثيون، أي “أنصار الله” في اليمن ومن يمثلون وماذا يريدون، يستطيع التمعن في قراءة نصّ رسالة التهنئة التي وجّهها عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى “الأمّة الإسلامية والشعب اليمني” بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك.
لم يتردّد زعيم الحوثيين في رسالته، التي كانت بمثابة البيان رقم واحد، في اعتبار ما يحصل في اليمن “ثورة”. سماها “ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر”. وهذا يعني في طبيعة الحال، أقلّه من وجهة نظره، قيام نظام جديد في شمال اليمن وفي البلد ككل.
هناك بيان ذو طابع انقلابي، بكلّ ما في كلمة انقلاب من معنى. الانقلاب، الذي تمثّله “ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر”، يلغي “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر” 1962 التي جاءت بالجمهورية. لم يكن ينقص الرسالة سوى الإعلان رسميا عن عودة الإمامة إلى اليمن. ربّما الأمر متروك لرسالة أخرى في مناسبة مختلفة…
إنّها عودة إلى ما قبل الجمهورية التي كان اسمها في الشمال، قبل وحدة العام 1990 مع الجنوب، “الجمهورية العربية اليمنية”. الملفت في الرسالة أنّها لم تتضمن أي إشارة إلى اليمن كبلد عربي. هناك تجاهل تام لأيّ ربط بين اليمن وكلّ ما له علاقة بالعرب. فالكلام في الرسالة موجّه إلى “الأمّة الإسلامية”، ويدعو إلى “الوحدة الإسلامية”.
على الرغم من أن الرسالة قصيرة نسبيا، إلّا أنّها تتضمن كلاما بالغ الأهمّية. تعود أهمّية هذا الكلام إلى وجود رابط مباشر بين نصّ بدر الدين الحوثي والمدرسة الإيرانية في التفكير. كلّ العبارات المستخدمة، عبارات تستخدمها طهران في عملية خطف القضية الفلسطينية، واعتبار نفسها في مواجهة مع الولايات المتحدة التي تتفاوض معها الآن، والتي كانت إلى ما قبل فترة قصيرة “الشيطان الأكبر”.
قال زعيم “أنصار الله” في هذا المجال “إنّ مناسبة عيد الأضحى المبارك والحجّاج في رحاب الله يستكملون مناسك الحج آتين من كلّ فج عميق، لمشهد من مشاهد عظمة الإسلام يدفع المسلمين إلى تحمّل المسؤولية، والعمل على الوحدة في ما بينهم، ونبذ العصبيات وتوحيد الجهود في مواجهة مشاريع التمزيق والتفتيت التي تعمل عليها دول الاستكبار العالمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، راعية الكيان الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين منذ ستة عقود(…)”.
أكثر من ذلك تتحدّث الرسالة عن “العدوّ الأميركي”، وقد خلت من أي إشارة إلى الجوار العربي، وإلى دول الخليج المنضوية تحت “مجلس التعاون لدول الخليج العربي” تحديدا. هناك حملة عنيفة في الرسالة على الولايات المتحدة. هناك اتهامات محددة لهذا “العدو” من بينها “الدفع في اتجاه إثارة الفتن بين أوساط المسلمين مستخدما ورقة الطائفية والعناصر التكفيرية كأدوات لتمزيق الأمّة وإبعادها عن مصادر قوّتها، والحيلولة دون أن تصطف في مواجهة العدو الحقيقي، وأن تتمسّك بالقرآن الكريم وثقافته العظيمة لترسيخ روح الوحدة الإسلامية ومواجهة الثقافات الدخيلة والمصطنعة التي يريد الأعداء من خلالها بث الفرقة والتمزّق”.
يعتبر “أنصار الله” أن السيطرة على صنعاء تشير إلى قيام نظام جديد في اليمن. هناك ثورة “انتصرت”. يقول الحوثي في هذا الشأن: “إننا وبهذه المناسبة الغالية على نفوسنا جميعا نجدّد تهنئتنا لشعبنا اليمني العظيم بانتصار ثورته المباركة في الحادي والعشرين من سبتمبر في مواجهة طغيان الفاسدين، والفضل في ذلك للّه عزّ وجلّ ودماء الشهداء والجرحى”.
ليست اللغة الإيرانية وحدها التي تميّز الرسالة، والتي تكشف أنّ الانقلاب كان إيرانيا. هناك تشابه كبير بين طرح زعيم “أنصار الله”، وطرح “حزب الله” في لبنان، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالربط بين الجيش اليمني، ومقاتلي الحوثي الذين يسميهم “اللجان الشعبية”.
في لبنان، يتحدّث “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، عن “الجيش والمقاومة”. في اليمن يشير عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى “جهود رجال الأمن والجيش ومعهم اللجان الشعبية وما يقومون به من دور وطني كبير في حفظ الأمن وحماية مؤسسات الدولة”.
لم يوضح عن أي دولة يدافع الجيش و”اللجان الشعبية”. كلّ ما قاله زعيم الحوثيين هو أن الهدف إقامة “الدولة العادلة”. سبق لـ“حزب الله”، في الماضي القريب، أن استخدم هذا التعبير في لبنان، كي يبرّر انقلابه على الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
ما هي الدولة العادلة في القرن الحادي والعشرين؟ هل يصلح “اتفاق السلم والشراكة”، الذي اضطرّ الرئيس اليمني الانتقالي عبدربّه منصور هادي إلى توقيعه تحت ضغط السلاح، والذي يؤكّد الحوثي التمسك به ويعتبره “منجزا ثوريا”، أساسا لبناء “الدولة العادلة”؟
“الدولة العادلة” هدف “أنصار الله”. لم يحدّد زعيم الحوثيين حدود هذه الدولة. هل هي اليمن كلّه، أم المحافظات الزيدية، أو ما كان يعرف بالشطر الشمالي، قبل الوحدة؟ ما هو نظام الدولة العادلة؟ هل يكفي أن تستخدم هذه الدولة الشعارات الإيرانية من نوع “الاستكبار العالمي” وتعتبر أميركا “عدوّا” كي يصبح هناك نظام معروفة طبيعته؟
في كلّ الأحوال يعترف عبدالملك بدر الدين الحوثي في رسالة الأضحى بالحاجة إلى مزيد من الجهود للوصول إلى “الدولة العادلة”. يقول في هذا الصدد: “نحيّي صمود شعبنا اليمني العظيم ووعيه واستمراره في ساحات الثورة مواصلا بذلك مشواره الثوري حتّى اكتمال النصر ببناء دولته العادلة ووقوفه بحزم لمحاربة الفساد ورفضه القاطع لكلّ المؤامرات الخارجية الهادفة إلى النيل من وحدته وسيادته وكرامته”.
الثابت إلى الآن، أنّ “أنصار الله” في اليمن لم يجدوا من يقف في وجههم، أقلّه في شمال الشمال وصولا إلى صنعاء والحديدة. نفّذوا، بكلّ بساطة، انقلابا في حجم ما حصل في السادس والعشرين من سبتمبر 1962، حين قضت مجموعة من الضباط على النظام الإمامي وأعلنت الجمهورية.
كان ذلك حدثا تاريخيا، استتبعه التدخل العسكري المصري المباشر. لم يكن الأمر سهلا وقتذاك. اندلعت حرب أهلية استمرّت حتى السنة 1970. لكنّ الجمهورية قامت مكان الإمامة. كم سيحتاج اليمن من سنوات، كي يتحقّق طموح “أنصار الله” فيقيموا “الدولة العادلة”، أي عودة الإمامة؟ هل تسمح الظروف الداخلية بتحقيق مثل هذا الطموح؟ أم أنّ الحدث اليمني ما يزال في بدايته؟
هل يكفي القضاء على الإخوان المسلمين، المرفوضين من معظم اليمنيين، في جزء من البلد وضرب الوحدات العسكرية التابعة لهم كي يحقّق الحوثيون انتصارا يسمح بقيام نظام جديد يبدو أنّه سيكون تابعا لإيران؟
الأسئلة كثيرة في اليمن. الأمر الوحيد الأكيد، أن البيان رقم واحد لا يعني بالضرورة أنّ الانقلاب نجح… حتّى لو سقطت صنعاء وقبلها صعدة وعمران… حتّى لو سقطت مدن وموانئ ومحافظات أخرى!