عشر سنوات على غياب سمير قصير

عشر سنوات على غياب سمير قصير

عشر سنوات على غياب سمير قصير

 لبنان اليوم -

عشر سنوات على غياب سمير قصير

خيرالله خيرالله

لم تخيب بيروت آمال سمير قصير، فهي لا تزال تقاوم ثقافة الموت التي يحاول حزب الله الذي حل مكان النظام السوري فرضها على لبنان واللبنانيين، تماما كما فرضها على سوريا والسوريين.

يختزل سمير قصير كلّ ما يسعى النظام السوري إلى تدميره، سواء أكان ذلك في لبنان أم في سوريا نفسها أم في فلسطين التي لا يزال شعبها يناضل من أجل إقامة دولته المستقلّة.

في الذكرى العاشرة لغياب سمير قصير اللبناني والسوري والفلسطيني وعاشق بيروت أيضا، هناك حسرة. لماذا ليس سمير بيننا اليوم كي يتأكّد أنّ كلّ ما نادى به لا يزال حلما. لكنّه صار حلما قابلا للتحقيق. فربيع بيروت زهّر في دمشق. ولبنان لن يستعيد كل حريته قبل أن تستعيد سوريا حرّيتها كاملة.

قبل ساعات من اغتياله في بيروت بواسطة عبوة ألصقت بالهيكل التحتي لسيارته، كان سمير قصير في الليلة الفاصلة بين 1 و2 يونيو 2005 يحلم بلبنان الحرّ السيّد المستقل.

كان في أحد مطاعم الجميزة يتصوّر كيف ستبلغ “ثورة الأرز”، التي كان من بين أبرز المخططين لها، سوريا وكيف ستنقذ السوريين من نظام طائفي أقلّوي امتهن إذلالهم وسلبهم كرامتهم مستخدما حزب البعث العربي الاشتراكي بكلّ ما يمثّله من تخلّف موصوف على كل الأصعدة.

تحققت نبوءات كثيرة من تلك التي تحدّث عنها سمير قصير. من كان يتصوّر مثلا أن النظام السوري سيصل إلى ما وصل إليه؟ صار هذا النظام في مزبلة التاريخ. العلّة الوحيدة لوجوده هي الدور المطلوب منه استكماله. أي الانتهاء من سوريا التي عرفناها.

كان سمير عاشقا لبيروت. لم تخيب بيروت آمال سمير قصير، فهي لا تزال تقاوم. بيروت تقاوم ثقافة الموت التي يحاول “حزب الله” الذي حلّ مكان النظام السوري فرضها على لبنان واللبنانيين، تماما كما فرضها على سوريا والسوريين، وكما سعى إلى فرضها على الفلسطينيين.

كانت حجّة حافظ الأسد أن “القرار الفلسطيني المستقل بدعة”. لذلك هناك بدعة التخلص من المخيمات الفلسطينية في سوريا، في مقدّمها مخيّم اليرموك. هذا المخيّم الذي يعاني اليوم مما عانت منه المخيّمات الفلسطينية في لبنان على يد النظام السوري.

استطاع هذا النظام، وكان سمير قصير يعرف ذلك جيّدا، تجنيد الفلسطينيين في لبنان من أجل تدمير البلد، بما في ذلك بيروت. واستطاع في الوقت ذاته تجنيد المسيحيين اللبنانيين من أجل الدخول في حرب مع الفلسطينيين.

كان الهدف واضحا كلّ الوضوح. كان الهدف وضع النظام السوري يده على لبنان. أشعل النظام السوري الحريق اللبناني، ثمّ راح يلعب دور الإطفائي، مخترعا لنفسه دورا على الصعيد الإقليمي. يتمثل هذا الدور في حماية المسيحيين اللبنانيين من جهة، و“السيطرة على مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية” من جهة أخرى. كان هذا التعبير، المتعلّق بالدور السوري في لبنان، هو الذي استخدمه وزير الخارجية الأميركي هنري كيسينجر، أواخر العام 1976، في سياق تبريره لإسرائيل الأسباب التي تدعو إلى السماح للجيش السوري بدخول الأراضي اللبنانية تمهيدا لتكريس الوصاية على الوطن الصغير.

هناك أسباب كثيرة لدى النظام السوري وغيره للتخلص من سمير قصير. هناك سمير قصير المتمرد أولا الذي يرفض تقديم أيّ تنازلات من أي نوع.

وهناك ثانيا سمير قصير الذي يمتلك رؤية. من كان يتصوّر أن لبنانيا، يستطيع في العام 2005، بعد أيام من اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه التكهن بثورة شعبية في سوريا ما لبثت أن اندلعت في السنة 2011؟

كان سمير قصير من النوع الذي لا يستطيع النظام السوري ومتفرعاته، التي من بينها النظام الأمني في لبنان في عهد إميل لحود، القبول به أو استيعابه.

كان صحفيا وكاتبا وأستاذا جامعيا من خارج المألوف. أدرك هذا النظام، الذي لا يؤمن سوى بإلغاء الآخر، باكرا دور سمير قصير في ثورة الاستقلال التي توجت بتظاهرة الرابع عشر من مارس 2005 التي أخرجت القوات السورية من لبنان.

مع انسحاب القوات السورية، راح سمير قصير يرقص فرحا في مطار بيروت بعد الرحلة الأولى إلى خارج لبنان، وكانت إلى الأردن. كان ذلك حلما مستحيلا تحقّق أخيرا بفضل رجال من طينة سمير قصير لم يتمكّن النظام السوري والنظام الأمني السوري ـ اللبناني من كسرهم.

كان لا بدّ من التخلص من سمير قصير، لأنه كان رأس حربة في التصدي لتلك الكذبة الكبيرة التي اسمها النظام السوري ولتلك الشعارات التي يروّج لها من نوع “المقاومة” و“الممانعة”.

دفع سمير قصير غاليا ثمن كشفه تلك الكذبة الكبرى التي اسمها النظام السوري. أقدم على ما أقدم عليه من خلال مقالاته في “النهار” ومن خلال مداخلاته في الفضائيات اللبنانية والعربية متسلحا بالمعرفة والجرأة في آن. كان يعرف، جيدا، ماذا يدور في لبنان، وكان على علم تام بما يجري في سوريا، وكان يعي في كل وقت أهمّية القضية الفلسطينية.

أمّا الجرأة، فكانت في التصدي لنظام قاتل في وقت كان يهيمن على كلّ شيء في لبنان من خلال أجهزته ومن خلال الأجهزة اللبنانية التي كانت في تصرّفه.

لا حاجة هنا إلى التذكير بأولئك اللبنانيين الصغار الذين كانوا ينفذون تعليمات النظام السوري، فيلاحقون سمير قصير من مكان إلى آخر في وضح النهار…

كان سمير قصير يمثل كل ما يكرهه النظام السوري. كان يمثل المثقف أولا وكان رمزا من رموز جريدة “النهار” التي استهدفها بشّار الأسد شخصيا بصفة كونها أحد الأعمدة التي يقوم عليها لبنان. لذلك، لم يكن مستغربا، أن يطلب بشار الأسد من رفيق الحريري في الشهر الأخير من العام 2003، بيع أسهمه في “النهار”. لم يكن مستغربا أيضا اغتيال جبران تويني بعد اغتيال رفيق الحريري وسمير قصير. وليس مستغربا، الآن، أن تكون “النهار” في الوضع الذي هي فيه.

فوق ذلك كله، كان سمير قصير وجها من الوجوه المشرقة لبيروت. اغتياله جزء من عملية اغتيال بيروت، وكأنه ليس كافيا التخلّص من رفيق الحريري عقابا له على إعادة الحياة إلى عاصمة لبنان تمهيدا لإعادة الحياة إلى لبنان كلّه.

في الذكرى العاشرة لاغتيال سمير قصير ما زالت بيروت تقاوم. مقاومة بيروت تشكّل أكبر هدية يمكن تقديمها لأخ وصديق كان الأكثر جرأة وشجاعة بين مجموعة نذرت نفسها للبنان وتمسّكت بثقافة الحياة، وتصدّت باكرا للنظام السوري بكلّ ما يمثّله.

ليس ما يعوّض خسارة سمير قصير. كان اغتياله ضربة كبيرة لكلّ من آمن بلبنان وسوريا وفلسطين.

ما يدعو إلى الأمل أن ذكراه لا تزال حاضرة بفضل جيزيل خوري التي، مثلها مثل سمير، لم يتزعزع فيها يوما الإيمان ببيروت، بل زادت محبتها للمدينة محبّة وعزيمة… على الرغم من غياب الزوج والصديق والملهم.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عشر سنوات على غياب سمير قصير عشر سنوات على غياب سمير قصير



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon