في الطريق إلى صنعاء…

في الطريق إلى صنعاء…

في الطريق إلى صنعاء…

 لبنان اليوم -

في الطريق إلى صنعاء…

خيرالله خيرالله


هل يستعيد الحوثيون رشدهم ويأخذون حجمهم الطبيعي بعدما تبين لهم أن بلوغهم عدن لم يكن ممكنا لولا التسهيلات التي قدمها لهم الرئيس السابق.

هناك خلط كلّي للأوراق في اليمن، خصوصا مع اقتراب موعد معركة صنعاء. ما لا بدّ من أخذه في الاعتبار أن تعز، وهي أكبر المدن اليمنية وعاصمة الوسط الشافعي، في طريق العودة إلى الشرعية، في وقت بدأت حملة عسكرية تستهدف استعادة ميناء الحديدة على البحر الأحمر.

تترافق هذه التطورات مع صمود مأرب وتحرير محافظة شبوة في ظروف ما زالت غامضة، وبعد تحرير عدن والمحافظات القريبة منها من الحوثيين.

في الطريق إلى صنعاء، من المفيد العودة قليلا إلى التاريخ القريب. في ربيع العام 1994، قرّر الحزب الاشتراكي اليمني بقيادة علي سالم البيض، نائب رئيس مجلس الرئاسة وقتذاك، الانتهاء من الوحدة اليمنية. تحرّك علي عبدالله صالح، الذي كان رئيسا لمجلس الرئاسة، لقطع الطريق على الانفصال. قدّم الرئيس السابق، الذي بات الآن يُعرف بين أنصاره بـ”الزعيم”، كلّ التنازلات الممكنة لتفادي الحرب. وقّع في عمّان “وثيقة العهد والاتفاق” التي تعني، بين ما تعني، الحدّ من صلاحياته وتوفير مشاركة كبيرة للقوى الأخرى في السلطة.

لكنّ البيض المعروف بعناده، والمعتزل في عدن، والذي كان يتحكّم بالحزب الاشتراكي، كان قد اتخذ قراره النهائي. كان علي سالم البيض الجنوبي الذي وقف وراء الوحدة، جرّ الجنوبيين إليها جرّا في العام 1990. هاهو في 1994 يأخذهم إلى الانفصال بقرار منه بعدما فقد أيّ أمل، من وجهة نظره، بمصالحة ذات معنى مع علي عبدالله صالح تؤدي إلى شراكة في السلطة.

انتهت حرب صيف 1994 بهزيمة نكراء للحزب الاشتراكي. هناك قوى عدّة لعبت دورها في تحقيق الانتصار على الحزب الاشتراكي، إلى جانب علي عبدالله صالح وآلته العسكرية طبعا. لعب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رحمه الله، دورا مهما في المحافظة على الوحدة اليمنية ومنع الانفصال، وذلك خلافا لرهانات قوى إقليمية ظنّت وقتذاك أنّه سيكون داعما للانفصال.

كان الشيخ عبدالله على رأس قبيلة حاشد، وهي أكثر القبائل اليمنية تماسكا وإن لم تكن أكبرها. كذلك، كان زعيما لحزب “التجمع اليمني للإصلاح”، أكبر الأحزاب الإسلامية في اليمن. كان هذا الحزب يضمّ الإخوان المسلمين والسلفيين، فضلا عن قسم من القبائل. كانت لديه امتداداته في الجيش والأجهزة الأمنية. كان لمشاركة “الإصلاح” في الحرب دور مهم في منع الحزب الاشتراكي من الذهاب بعيدا في الانتهاء من الوحدة.

هناك أيضا جنوبيون ساروا في ركاب علي عبدالله صالح. من بين هؤلاء الرئيس الانتقالي حاليا، عبدربّه منصور هادي. كوفئ عبدربّه على موقفه بأن أصبح نائبا لرئيس الجمهورية، ولكن بعد الانتهاء من صيغة مجلس الرئاسة الذي كان بين 1990 و1994 مجلس قيادة جماعيا، أقلّه نظريا، من خمسة أعضاء، يتقاسم فيه علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض السلطة، مع وجود الجنوبي حيدر أبو بكر العطاس في موقع رئيس الوزراء.

بعد انتصار صنعاء على عدن صيف العام 1994، دخل اليمن مرحلة جديدة. حصل اختلال في التوازن بين الشمال والجنوب في حين وقف الوسط، وعاصمته تعز، حائرا.
    
    

في 2015، لم يعد من مجال للحيرة، خصوصا أنّ القرار في صنعاء خرج من يدي علي عبدالله صالح ومن الذين كانوا شركاء في السلطة والثروة، أي آل الأحمر زعماء حاشد، واللواء علي محسن صالح الأحمر الذي كان أيضا شريكا في كلّ شيء، بما في ذلك الحروب الست التي خاضها علي عبدالله صالح مع الحوثيين بين 2004 ونهاية 2009.

كلّ ما يمكن قوله الآن، في ضوء أحداث الأشهر القليلة الماضية، أن اليمن دخل مرحلة جديدة. هناك، قبل كلّ شيء، تقدّم لـ”عاصفة الحزم” التي شنها تحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية. وجّهت “عاصفة الحزم”، إلى الآن، ضربة قويّة للمشروع الإيراني في اليمن، والذي في أساسه المكوّن الحوثي (أنصار الله).

ما العمل بالمكوّن الحوثي مع اقتراب الحملة العسكرية من صنعاء؟ ربّما كان السؤال الأقرب إلى المنطق؛ هل يستعيد الحوثيون رشدهم ويأخذون حجمهم الطبيعي بعدما تبيّن لهم أن بلوغهم عدن لم يكن ممكنا لولا التسهيلات التي قدّمها لهم الرئيس السابق؟

لم يدرك الحوثيون، بعد سيطرتهم على صنعاء قبل أحد عشر شهرا، أن النزهة العسكرية التي قاموا بها انتهت، وأنّ ليس في استطاعتهم الذهاب بعيدا في اتجاه الوسط والجنوب. بات مشروعا التساؤل هل كان الحلف الجديد مع علي عبدالله صالح فخّا وقعوا فيه… أم كلّ ما في الأمر أنّهم لم يحسبوا يوما أنّه ستكون هناك “عاصفة الحزم” التي قضت على تمدّدهم وعلى الحلم الإيراني في اليمن.

يمكن لمعركة تعز أن تأخذ بعض الوقت، خصوصا أن “أنصار الله” استطاعوا إيجاد حلفاء لهم داخل المدينة وفي محيطها، إضافة إلى وجود معسكرات عدة للحرس الجمهوري في المنطقة. لكنّ الثابت أنّ تعز ستعود إلى الشرعية عاجلا أم آجلا. تبيّن، بكلّ وضوح، أن لا حاضنة للحوثيين في الوسط والجنوب اليمنيين. هذا عائد، أوّلا، إلى الشرخ المذهبي الذي تسبب فيه “أنصار الله”. كذلك، أنّ التحالفات التي أقامها علي عبدالله صالح مع أهل تعزّ، خصوصا مع العائلات التجارية الكبيرة، لم تعد قائمة.

بعد تعز، أو قبل الانتهاء من تحريرها، سيأتي دور صنعاء ومعها الحديدة. ما هو ملفت حاليا أن العلاقة بين صنعاء والجغرافيا اليمنية تغيّرت جذريا. لم تعد صنعاء المركز الذي يمكن أن يُحكم منه اليمن. سقطت الصيغة التي حكمت اليمن، خصوصا منذ 1994، وذلك في ضوء الثورة الشعبية التي اندلعت في 2011، والتي حاول الإخوان المسلمون خطفها وتنفيذ انقلاب على علي عبدالله صالح.

أكثر من أي وقت، ثمّة حاجة إلى التفكير من الآن، في صيغة جديدة للبلد يكون فيها الحوثيون مجرّد حزب سياسي مثله مثل غيره من الأحزاب، مع ضرورة إفهام الإخوان المسلمين أنّهم لن يكونوا قادرين على حكم اليمن والتحكم به.

هل مثل هذا التفكير وارد في ذهن عبدالملك الحوثي الذي سيتوجب عليه قريبا تحديد موقعه والقبول بحجمه الحقيقي في اليمن؟ سيتوجّب عليه أيضا البحث الجدّي في طبيعة علاقته بعلي عبدالله صالح الذي تقلّص، إلى حدّ كبير، حجم القوات النظامية التي يسيطر عليها، من حرس جمهوري وأمن مركزي (يعرف الآن بالقوات الخاصة).

الأهمّ من ذلك كلّه، هل يستطيع الإخوان المسلمون، الذين يعتبرون أنفسهم المستفيد الأوّل من “عاصفة الحزم”، المحافظة على هدوء أعصابهم بدل الإنجرار إلى الانتقام من منطلق أنّهم يعتبرون أنفسهم القوّة السياسية الوحيدة المنظمة على صعيد اليمن كلّه؟ هل يدرك الإخوان أنّهم مرفوضون من قطاعات كبيرة في اليمن؟

معركة صنعاء آتية، إلا إذا وجد من يغلّب المنطق على ما عداه. الكثير سيعتمد على مدى اقتناع الحوثيين بهزيمتهم، واقتناع الإخوان المسلمين بأنّه لا يمكن أن ينجحوا حيث فشل “أنصار الله”، أي في حكم اليمن، كلّ اليمن، ووراثة الصيغة التي كانت قائمة في عهد علي عبدالله صالح.

فوق ذلك كلّه، تبدو الحاجة أكثر من أي وقت إلى قيادة جديدة للشرعية. لا شكّ أن وضع الحضرمي خالد بحّاح في موقع نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يلعب دورا في تحسين صورة الشرعية اليمنية.

كيف تعزيز هذه الصورة وتحسينها؟ هذا السؤال سيفرض نفسه خلال الأسابيع المقبلة. ستكون الحاجة إلى وجوه مقبولة في الجنوب والوسط والشمال، إلى جانب بحاح وفريق عمله. الحاجة، قبل كلّ شيء، إلى عدم السقوط في فخّ الإخوان المسلمين الراغبين في الانتقام، وفي فخّ بعض المقيمين خارج اليمن من الذين يرفضون أيّ حل سياسي. هؤلاء، معروفون جيّدا، بل معروفون أكثر من اللزوم، على الرغم من تلطيهم بالشرعية. هؤلاء لا يريدون حلّا لسببين. الأول عائد إلى أنّ لا مكان لهم في المعادلة السياسية اليمنية، والآخر إلى رغبتهم في الاستفادة ماديا من استمرار الحرب.

إضافة إلى ذلك كلّه، هناك بالطبع الحاجة إلى التفكير بخطر تنظيم “القاعدة” المنتشر في محافظات عدّة، خصوصا في حضرموت وشبوة وأبين. ستظلّ “القاعدة” وإرهابها من بين أبرز التحديات التي ستواجه اليمن والدول المحيطة به في المديين القريب والبعيد على حدّ سواء…

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في الطريق إلى صنعاء… في الطريق إلى صنعاء…



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon