في العراق الحكم إيراني والغطاء أميركي

في العراق.. الحكم إيراني والغطاء أميركي

في العراق.. الحكم إيراني والغطاء أميركي

 لبنان اليوم -

في العراق الحكم إيراني والغطاء أميركي

بقلم : خيرالله خيرالله

بقيت حكومة الدكتور حيدر العبادي أم لم تبق بشكلها الحالي ليست تلك المسألة. كلّ ما يمكن قوله، في حال تغيّرت هذه الحكومة أم لم تتغيّر، إنّ شيئا لم يتغيّر في العراق. ما تأسس على خطأ لا يمكن أن يتحوّل إلى صحّ. لا يمكن بناء دول حديثة بالاستناد إلى ميليشيات مذهبية على رأسها رجال دين يقرّرون مصير البلد ويتنافسون في ما بينهم على أخذه إلى أسفل، أي إلى الحضيض.

يرد الآن عمّار الحكيم على مقتدى الصدر لإظهار أن “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” لا يزال له وجوده وأن الصدر لم يستطع انتزاع المبادرة منه.

هناك معمّم في منافسة مع معمّم آخر، فيما حكم المباراة الإيراني يتفرّج على اللعبة الدائرة. تدخّل حكم المباراة في اللحظة المناسبة، فانكفأ مقتدى الصدر عن المنطقة الخضراء في بغداد. راح مقتدى الصدر يعيد حساباته، هذا إذا كانت له حسابات على الصعيد الوطني أصلا، بعدما تبيّن له أنّ البلد لا يزال تحت السيطرة الإيرانية بغطاء أميركي لا أكثر.

ليست مشكلة العراق في حكومة ولا في شخص يرمز إلى ميليشيا مذهبية أو إلى حزب ليس سوى النسخة الشيعية للإخوان المسلمين.

لا تستطيع الأحزاب والميليشيات بناء دولة. ما يبني الدولة مجموعة أشخاص مؤهّلين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق يؤمنون بالعراق ومستقبل العراق والديمقراطية الحقيقية وليس بفتاوى رجال الدين.
    
الدبابة تهدم لا تؤسس
    

لا مكان للمرجعيات الدينية في أيّ دولة تحترم نفسها، تماما مثلما أن ليس في استطاعة من وصل على دبابة إقامة نظام ديمقراطي مبنيّ على مؤسسات راسخة، وذلك بغض النظر عمّا إذا كانت هذه الدبابة محلية أو أميركية.

في العام 1958، وصل عبدالكريم قاسم إلى السلطة على دبّابة محلية. لم يمتلك الرجل يوما برنامجا سياسيا أو اقتصاديا واضحا. ارتكب كلّ الأخطاء الممكنة من أجل وصول البعث إلى السلطة. كان هذا البعث، على الرغم من عنصريته تجاه الأكراد، متنوعا في البداية. كان فيه سنّة وشيعة. انتهى الأمر بوصول البعث التكريتي بتحالفاته المتشعّبة في العام 1968.

قامر هذا البعث بالعراق ونجح في رهاناته مرّات عدة. من تأميم النفط في 1972، إلى اتفاق الجزائر في 1975، إلى خوض المواجهة مع مصر بسبب اتفاقية كامب ديفيد، إلى وصول صدّام حسين إلى السلطة في العام 1979، إلى الحرب مع إيران بين 1980 و1988. عمل كلّ شيء من أجل البقاء في السلطة فأطاحته في نهاية المطاف مغامرة احتلال الكويت في العام 1990 التي مهّدت للحرب الأميركية في العام 2003.

في مثل هذه الأيّام من العام 2003، يوم التاسع من نيسان ـ أبريل تحديدا، سقط تمثال صدّام حسين في بغداد. بعد ثلاثة عشر عاما على هذا الحدث، هناك عراقيون يتساءلون لماذا لم يستطع البلد البناء على طيّ صفحة البعث نهائيا؟

الجواب بكل بساطة أن الأميركيين، الذين دخلوا إلى العراق بتفاهم تام مع إيران، كانوا يجهلون كلّ شيء عن البلد وعن مدى خطورة الاستعانة بالميليشيات المذهبية. يبدو أنّه لم يكن مطلوبا في أيّ وقت إعادة بناء العراق. كان مطلوبا تفتيت البلد. هل لهذا السبب مرّ اثنا عشر عاما وشهران بين إخراج صدّام حسين وجيشه من الكويت في شباط ـ فبراير 1991 وبين سقوط تمثال الرئيس العراقي السابق.

ما نشهده اليوم في العراق ليس وليد صدفة. هناك قرار أميركي واضح كلّ الوضوح في تغيير خارطة المنطقة انطلاقا من هذا البلد المهمّ الذي كان يمكن أن يشكل نموذجا صالحا للشرق الأوسط الجديد، بدل أن يتحول رمزا لانهيار الكيانات القائمة من جهة واستمرار الصراع الطائفي والمذهبي من جهة أخرى.

يشكو وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اجتماع المنامة الذي ضمّه أخيرا مع وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي من السياسة الإيرانية طالبا في الوقت نفسه مساعدة طهران “في إنهاء الحرب في اليمن وإنهاء الحرب في سوريا وفي تغيير ديناميات المنطقة”، معتبرا أن “على إيران أن تثبت للعالم أنها تريد أن تكون عضوا بنّاء في المجتمع الدولي وأن تساهم في السلام والاستقرار”.

ينسى كيري من أنّ كلّ ما يشكو منه هو نتيجة مباشرة للشراكة الأميركية ـ الإيرانية في الحرب على العراق. هذه الشراكة التي بدأ يتحدّث عنها مسؤولون أميركيون في مرحلة الإعداد لتلك الحرب، بينهم زلماي خليل زاد الذي كان في مرحلة معيّنة سفيرا في بغداد.

هل في استطاعة الإدارة الأميركية عمل شيء في العراق؟ هذا هو السؤال الأساسي. تعود كل مآسي المنطقة حاليا، أكان ذلك في اليمن أو سوريا أو لبنان، وصولا إلى ما تتعرض له البحرين، إلى السياسة الأميركية في العراق.

قبل أن يطلب وزير الخارجية الأميركي مساعدة إيران في العمل من أجل الاستقرار في المنطقة، يفترض به أن يتطرق إلى مسؤولية بلده في وصول العراق إلى ما وصل إليه، وذلك عندما تدخلت إدارة بوش الابن عسكريا واحتلت البلد من دون خطة واضحة تتعلق بالمرحلة التالية، مرحلة بناء الدولة. زادت إدارة باراك أوباما الطين بلّة عندما استسلمت نهائيا لإيران وغادرت العراق على عجل..

من يتصرّف بالطريقة التي تصرّفت بها القوّة العظمى الوحيدة في العالم تجاه العراق، لا يحقّ له تجاهل ما يجري في هذا البلد والتركيز على سوريا واليمن مع إشارة إلى أن “على إيران أن تثبت للعالم أنّها تريد أن تكون عضوا بناء في المجتمع الدولي وتساهم في السلام والاستقرار”. فمن العراق، يمكن الانطلاق نحو تصحيح السياسة الإيرانية. ولكن هل من نيّة جدّية في ذلك؟

لا وجود لمثل هذه النيّة الأميركية للأسف الشديد. كلّ ما هناك كلام معسول موجّه إلى العرب، خصوصا أهل الخليج، يعكس رغبة في تفادي التطرق إلى صلب الموضوع والدخول فيه.

صلب الموضوع أنّ هناك بلدا اسمه العراق، تتحكّم به ميليشيات مذهبية مرتبطة بإيران. تتصارع هذه الميليشيات بين حين وآخر وتدور مماحكات أحيانا بين نوري المالكي وحيدر العبادي المنتميين إلى حزب واحد هو “حزب الدعوة”. ومتى تفلس الحكومة، ينادي مقتدى الصدر بالإصلاح، فيزايد عليه عمّار الحكيم، فيما الجميع يحذّر من خطر “داعش”!

يحدث كلّ ذلك بإشراف إيراني. يلعب الإيراني دور الحكم في العراق، فيما يوفّر الأميركي الغطاء له. هذا لا يمنع الأميركي من التساؤل، ببراءة طبعا، ما الذي يحدث في هذا البلد الذي بات ساحة مفتوحة لكلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بعمليات تطهير ذات طابع مذهبي توفّر صورة حقيقية عمّا يبدو الشرق الاوسط مقبلا عليه.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في العراق الحكم إيراني والغطاء أميركي في العراق الحكم إيراني والغطاء أميركي



GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:42 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

GMT 18:42 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

GMT 18:41 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كمالا تحول ترامب من شبه شاب.. إلى عجوز!

GMT 23:10 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

"بيبي" يريد مزيدا من الدمّ بدل قليل من السياسة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon