في ضوء السياسة التركية… كيف ستنتهي سوريا

في ضوء السياسة التركية… كيف ستنتهي سوريا

في ضوء السياسة التركية… كيف ستنتهي سوريا

 لبنان اليوم -

في ضوء السياسة التركية… كيف ستنتهي سوريا

خيرالله خيرالله

كيف ستنتهي سوريا، وهل ستكون سوريا كلها منطقة نفوذ تركية. هل يبقى البلد موحدا في إطار صيغة ما، أم أن التقسيم بات واقعا.

في السياسة، هناك أحيانا إشارات صغيرة ترمز إلى الكثير. من بين هذه الإشارات زيارة رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، الموقع الجديد لضريح سليمان شاه جدّ مؤسس الدولة العثمانية داخل الأراضي السورية من دون إذن من دمشق أو تشاور معها.

أراد رئيس الوزراء التركي، بكلّ بساطة، تكريس واقع على الأرض يتمثل في أن لتركيا الحقّ في دخول الأراضي السورية، ساعة تشاء، من منطلق أنها أراض مستباحة برضا النظام ومباركته، أو من دون هذا الرضا وتلك المباركة.

قبل ذلك، في فبراير الماضي، نقلت قوّة تركية الضريح من مكان يقع على ضفة نهر الفرات، إلى مكان آخر في انتظار إقامة الضريح الجديد الذي تفقده داود أوغلو قبل أيّام.

اعتمدت تركيا مع سوريا سياسة “الخط العسكري” الذي بات يربط الأراضي التركية بالأراضي السورية. يشبه هذا الخط ذلك الذي أقامه النظام السوري مع لبنان، عند نقطة المصنع، بين العامين 1976 و2005، والذي كان يسمح للنظام بإدخال ما يريده إلى لبنان من دون أي أخذ في الاعتبار للسيادة اللبنانية. استخفّ النظام السوري بلبنان، ومعنى أن يكون لبنان دولة مستقلّة. جاء دور من يستخفّ به وباستقلال سوريا لا أكثر ولا أقل.
    
    

من يسمح لنفسه بأن يكون تحت رحمة إيران وأن تكون دمشق والمناطق المحيطة بها تحت رحمة الميليشيات الشيعية القادمة من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان وإيران نفسها، لا يستطيع أن يستغرب ما تفعله تركيا في الشمال السوري، الذي تحوّل بطبيعة الحال إلى امتداد طبيعي لأراضيها.

صارت سوريا دولة دون سيادة. دفعت ثمن سياسة النظام الذي استخف في الماضي بسيادة لبنان وبأرواح اللبنانيين. الآن هناك من يستخف بسيادة سوريا والسوريين، بعدما قبل النظام أن يكون الرابط المذهبي بينه وبين “حزب الله” فوق الرابط الوطني. بكلام أوضح، لم تعد من قيمة للحدود الدولية، المعترف بها، بين لبنان وسوريا بعدما قرّرت إيران أنّ على ميليشيا “حزب الله” أن تهبّ لنجدة النظام السوري من منطلق مذهبي ليس إلّا.

ما يمكن استخلاصه من زيارة رئيس الوزراء التركي لضريح سليمان شاه الواقع داخل الأراضي السورية يتجاوز قضية انتهاء نظام. هذا النظام انتهى في اليوم الذي لم يعرف فيه التعاطي مع أهل درعا الذين انتفضوا ردّا على الإساءة إلى كرامتهم. انتهى النظام. هذا أمر مفروغ منه. المطروح الآن، خصوصا في ضوء التحركات التركية الأخيرة التي يمكن أن تتوج بقيام “منطقة آمنة” في الشمال، كيف ستنتهي سوريا. أو على الأصح كيف سيكون شكل الكيان السوري الجديد؟

لم يستوعب بشّار الأسد طبيعة النظام الذي أقامه والده، بما في ذلك سرّ التحالف مع سنّة الأرياف، وهو تحالف كان يعبّر عن مدى كره حافظ الأسد لسنّة المدن الكبيرة مثل دمشق وحلب وحمص وحماة. لم يأبه بشّار لإثارة سنّة الأرياف الذين لديهم قيمهم، خصوصا في محافظة حوران، حيث للعائلات الكبيرة دورها على الصعيد الاجتماعي.

لم يفهم لماذا كان والده يصرّ على أن يكون كبار المسؤولين السنّة من الريف وليس من المدينة، أقلّه حفاظا على الشكل الخارجي للنظام، أي على المظهر. لم يفهم، خصوصا، لماذا لم يكن عبدالحليم خدّام وحكمت الشهابي ومصطفى طلاس وغيرهم من دمشق وحلب وحمص وحماة، بل من محيط المدن الكبيرة.

يجرّ طرح سؤال كيف ستنتهي سوريا، إلى سؤال آخر؛ هل ستكون سوريا كلّها منطقة نفوذ تركية. هل يبقى البلد موحدا في إطار صيغة ما، أم أن التقسيم بات واقعا في ظلّ انسلاخ الشمال وقرب خروج حلب، بعد إدلب، من تحت سلطة ما كان يعرف بالجمهورية العربية السورية الدولة المستقلة منذ أربعينات القرن الماضي؟

نعم، السؤال كيف ستنتهي سوريا؟ الأكيد أن إصرار “حزب الله” على خوض ما يسمّى معركة القلمون لا يبشّر بالخير. لا يعود الخوف من تلك المعركة إلى النتائج السلبية التي يمكن أن تكون لها انعكاساتها على الداخل اللبناني فحسب، بل إن الأمر يمكن أن يكون مرتبطا أيضا بالرغبة الإيرانية في تقسيم سوريا… في غياب القدرة على السيطرة عليها بالكامل.

لعلّ أخطر ما في معركة القلمون أنّها يمكن أن تكون مقدّمة لربط قسم من الأراضي السورية بالأراضي اللبنانية. هناك مشروع لدولة علوية يمكن أن تقوم على طول الساحل السوري، أو على جزء منه، لديها ممرّ إلى داخل الأراضي اللبنانية، أي إلى دويلة “حزب الله” في سهل البقاع. وهذا ما يفسّر إلى حد كبير ذلك التدمير الممنهج لحمص، التي يفترض أن تكون أراضيها غير قابلة للسكن بعد الآن.

كان يمكن القول أن كلّ هذا الكلام من نسج الخيال لولا تسارع الأحداث على الأرض بشكل غير مسبوق بما يشير إلى أن الصورة، صورة سوريا المستقبل، يمكن أن تتوضّح قريبا، وأن الأسئلة الكبيرة ستكون هي عناوين المرحلة الآتية.

من بين هذه الأسئلة ما مصير دمشق؟ هل يبقى بشّار الأسد فيها، أم سيكون عليه الانتقال إلى اللاذقية؟ وماذا أيضا عن الساحل السوري؟ هل يمكن للعلويين المحافظة عليه وحمايته؟ وماذا عن الانقسامات داخل الطائفة نفسها؟ هل يمكن للطائفة التي حكمت سوريا منذ العام 1970، بشكل مباشر، تحت شعارات حزب البعث البائس، ومنذ العام 1966، بشكل غير مباشر أن تصمد وأن تقيم دولتها التي تعتمد على دويلة “حزب الله” في لبنان؟

من الصعب الإجابة عن أي سؤال كبير. الأكيد أن سوريا التي عرفناها انتهت، وأن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون في غاية الأهمّية بالنسبة إلى تحديد مستقبل البلد ومستقبل دمشق وحلب. الثابت الوحيد أنه ستكون هناك منطقة نفوذ تركية في سوريا. ليس معروفا مدى مساحة هذه المنطقة، كما ليس معروفا هل تقسيم سوريا سيعني تقسيم لبنان، كما سيعني تقسيم العراق أيضا.

معروف أن أحمد داود أوغلو يعرف سوريا جيدا. أمضى فيها وقتا طويلا خلال توليه وزارة الخارجية. زار المدن الكبيرة والأرياف وأقام علاقات مع كثير من العائلات السورية. لم تأت زيارته لضريح سليمان شاه، في هذه الأيام بالذات، من باب الصدفة. أراد تكريس واقع والبناء عليه. الواقع بات معروفا. تركيا موجودة في الداخل السوري. ما لا يزال مجهولا حدود الوجود التركي في الداخل السوري. هل يصل إلى دمشق أم لا؟ ما حدود منطقة النفوذ التي تريدها تركيا في سوريا؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ضوء السياسة التركية… كيف ستنتهي سوريا في ضوء السياسة التركية… كيف ستنتهي سوريا



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon