اذا كان من فائدة ما تذكر للزيارة التي قام بها للبنان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، فإنّ هذه الفائدة تكمن في تأكيده ما بات في غير حاجة الى تأكيد. أكّد لودريان على طريقته من خلال تصريحات عدّة انّ لا امل في أي اصلاحات في لبنان في ظلّ "حكومة حزب الله" في "عهد حزب الله". لعلّ اخطر ما أعاد الوزير الفرنسي اكتشافه انّ المسؤولين في لبنان لا يستوعبون خطورة الوضع في بلدهم. هذا ما دعاه الى القول ان الوضع اللبناني "في غاية الحرج"، أي ان الكارثة حلّت.
المضحك المبكي انّ المسؤولين اللبنانيين لم يتردّدوا في طلب مساعدات فرنسية وتنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في نيسان – ابريل 2018.
لم يعد في لبنان مسؤول قادر على استيعاب انّ مؤتمر "سيدر" كان لمساعدة لبنان أصلا ولكن ضمن شروط معيّنة. هذه الشروط مرتبطة أساسا بإصلاحات محدّدة، خصوصا في مجال الكهرباء. وضع "حزب الله" و"التيّار الوطني الحرّ" وآخرون، كل منهما لاسباب خاصة به، كلّ العراقيل التي يمكن وضعها كي تعجز حكومة سعد الحريري التي استقالت في أواخر تشرين الاوّل – أكتوبر 2019، عن تنفيذ أي إصلاحات من ايّ نوع في ايّ مجال من المجالات.
ما زال المسؤولون اللبنانيون الموجودون في السلطة حاليا يعتقدون انّ المجتمع الدولي جمعية خيرية وانّ لبنان مهمّ في المنطقة وانّ مهمّة فرنسا تقتصر على انقاذ لبنان بعد كلّ هذا الانهيار الذي حصل. لا يدرك هؤلاء بعض البديهيات. من بين البديهيات التي تفوتهم انّ فرنسا تعاني بدورها من وضع اقتصادي سيء زاده وباء كورونا سوءا.
هل من امل بخروج لبنان من حال الانهيار؟ الامل موجود والبداية موجودة. لا مفرّ من تغيير جذري على كلّ صعيد وعلى كلّ المستويات في السلطة. بكلام أوضح، ان ازمة لبنانية سياسية قبل ان تكون اقتصادية. لا يمكن الاقدام على أي خطوة في اتجاه الإصلاح من دون طاقم سياسي جديد ونظيف على علاقة بما يدور في الداخل اللبناني وفي المنطقة والعالم.
لا يوجد في لبنان، بدءا برأس الهرم وصولا الى ايّ إدارة من الإدارات من يستوعب معنى الإصلاحات المطلوبة. هناك عقل ريفي منغلق على نفسه يظنّ انّ مؤسسات الدولة اللبنانية ما زالت قائمة وانّ في الإمكان الرهان عليها، بما في ذلك على إيجاد وظائف للعاطلين عن العمل في القطاع العام.
كان لافتا كلام وزير الخارجية الفرنسي عن المؤسسة العسكرية عندما وصف في المؤتمر الصحافي الذي عقده في وزارة الخارجية اللبنانية الجيش بانّه "العمود الفقري" للبنان. شدّد أيضا على اهمّية قوى الامن الداخلي ودورها. أراد بكل بساطة القول انّه لا يزال في لبنان ما يمكن التأسيس عليه من اجل إعادة بناء الدولة. ما لم يقله انّ لا امل في تحقيق أي تقدّم في أي مجال في حال بقي العهد الحالي. هناك بكلّ بساطة كارثة حلّت بلبنان في اليوم الذي اصبح فيه مرشّح "حزب الله" رئيسا للجمهورية. هناك ازمة لبنانية عميقة تبدأ بالسياسة وتنتهي بالاقتصاد. لا يمكن ان يكون على رأس الهرم في لبنان شخص لا يدرك معنى ان يقرّر "حزب الله"، الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني، من هو رئيس جمهورية لبنان المسيحي تمهيدا لبلوغ مرحلة يختار فيها "حزب الله" من هو رئيس مجلس الوزراء السنّي.
عندما لا يكون في لبنان رئيس للجمهورية ورئيس لمجلس الوزراء ووزراء يسمّون الأشياء باسمائها، لا يعود هناك أي امل لا في إصلاحات ولا في الحصول على مساعدات. هناك أولوية واحدة لـ"حزب الله" تتناقض كلّيا مع الأولويات اللبنانية. أولوية "حزب الله" خوض حروب ايران في كلّ بقعة من المنطقة. لبنان، بالنسبة الى الحزب، ليس سوى "ساحة إيرانية".
باختصار شديد، لا يستطيع لبنان القيام باي إصلاحات في ظلّ التركيبة السياسية التي تتحكّم بمصيره هذه الايّام. انّها تركيبة لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بالاقتصاد، تركيبة لا تستطيع ان تكون في مستوى الانهيار اللبناني وابعاده المختلفة، تركيبة لا تفهم معنى فقدان الثقة بالنظام المصرفي اللبناني. الاهمّ من ذلك كلّه، انّها لا تعرف معنى افقار اللبنانيين والقضاء نهائيا على الطبقة المتوسّطة. نحن امام تركيبة عاجزة عن رؤية الواقع واستيعاب معنى قول وزير الخارجية الفرنسي ان لبنان وصل الى "قعر الهاوية".
لا إصلاحات يعني لا مساعدات. البلد مقبل على انهيار اكبر من الذي يمرّ فيه حاليا. ما هو مؤسف ان لبنان لم يعد يصلح لشيء غير ان يكون "ساحة" لإيران. لم يعد السؤال هل انهار لبنان؟ السؤال هل يمكن إعادة بناء لبنان؟ الجواب ان لبنان انهار بالفعل. ما هو لبنان في نهاية المطاف؟ لبنان مدرسة وجامعة ومستشفى ومصرف وخدمات من كلّ الأنواع وانفتاح على محيطه العربي والعالم. لم يبق قطاع واحد سليم في لبنان. لا توجد دولة عربية او غير عربية، باستثناء ايران، مستعدة لاستقبال رئيس الجمهورية او رئيس مجلس الوزراء في لبنان.
المشكلة ان ليس في البلد من هو قادر على الوصول الى استنتاجات واضحة. لعلّ الاستنتاج الاوّل الذي لا مفرّ من الوصول اليه والعمل انطلاقا منه انّ ازمة لبنان سياسية اوّلا وان البلد لا يمكن ان يبقى على قيد الحياة في ظل التركيبة القائمة حاليا. هناك حاجة الى تغيير في العمق على كلّ المستويات. هناك حاجة لبنانية الى توقف كبار المسؤولين عن لعب دور الواجهة لـ"حزب لله" ومن يقف خلفه في ايران. هناك حاجة الى موقف حقيقي من "الحياد" الذي ليس مجرّد فكرة طرحها البطريرك الماروني، بمقدار ما انهّا محاولة أخيرة من الفاتيكان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من لبنان بمسيحييه ومسلميه.
جاء وزير الخارجية الفرنسي الى لبنان لالقاء نظرة على المريض. وصف الدواء. وجد ان الدواء لم يعجب المريض الذي لا يريد التجاوب، خصوصا انّ هناك من يحذّره من الدواء. ما الذي يستطيع الطبيب عمله في مثل هذه الحال، غير الدعاء والتمنيات؟