هل حظ أردوغان في تركيا أفضل من حظه في مصر

هل حظ أردوغان في تركيا أفضل من حظه في مصر؟

هل حظ أردوغان في تركيا أفضل من حظه في مصر؟

 لبنان اليوم -

هل حظ أردوغان في تركيا أفضل من حظه في مصر

بقلم :خير الله خير الله

يسعى رجب طيب أردوغان إلى القضاء على الدولة العميقة في تركيا. هل ينجح في ذلك مستغلا الفرصة التي أتاحها له الانقلابيون في الخامس عشر من يوليو الماضي؟

ما يقوم به أردوغان هو انقلاب على الانقلاب. ليس معروفا هل يمكن الانقلاب على الانقلاب أن يحظى بدعم شعبي في المدى الطويل في ضوء الرغبة في الانتقام التي تحرّك الرئيس التركي أوّلا، وفي ضوء تمسّك المجتمع التركي عموما بإسلام آخر غير إسلام الإخوان المسلمين الذي يسعى أردوغان إلى فرضه ثانيا. إضافة إلى ذلك، لا يمكن بأي شكل الاستخفاف بوجود قيم خاصة بتركيا وشعبها. إنّها قيم الجمهورية التي أسّس لها مصطفى كمال أتاتورك وإرث الرجل الذي يبقى رمزا لتركيا الحديثة، تركيا ما بعد انهيار الدولة العثمانية في عشرينات القرن الماضي.

لا شكّ أن الشعب التركي وقف في وجه الانقلابيين وتصدّى لهم. انحاز الشعب التركي للديمقراطية، التي في أساسها التداول السلمي للسلطة، وليس لأردوغان وحزبه. ولكن هل ينحاز أردوغان بدوره إلى الديمقراطية ويسير في خيار الشعب الذي لا يمكن أن يذهب بعيدا في إلغاء الوضع الخاص للمؤسسة العسكرية الضامنة للعلمانية ولوحدة الأراضي التركية قبل أي شيء آخر؟

من الواضح أن لدى أردوغان، الذي استطاع تحقيق إنجازات كبيرة على الصعيد الاقتصادي يمكن وصفها بنقلة نوعية للبلد، رغبة معينة كامنة في داخل الشخص. تتمثّل هذه الرغبة في التخلص من الدولة العميقة في تركيا. عماد هذه الدولة العميقة الجيش من جهة، والإسلام المتصوف لفتح الله غولن من جهة أخرى. يواجه الرئيس التركي تحديا كبيرا لم يسبق أن واجهه أي زعيم تركي منذ وفاة مصطفى كمال أتاتورك. يريد، بكل بساطة، القضاء على أسباب القوة التي تمتلكها المؤسسة العسكرية، بما في ذلك الكليات الحربية.

في النهاية يعود الفضل الأوّل في بقاء تركيا دولة تمتلك دورا على الصعيدين الإقليمي والدولي إلى أتاتورك الذي عرف كيف يعيد تركيا إلى الحياة ويمنع تفككها نهائيا بعد سقوط الدولة العثمانية. منع أتاتورك قيام دولة كردية، كانت حقا لهذا الشعب من جهة، كما حال دون تمدد الاتحاد السوفياتي، وقبله روسيا، في اتجاه مضيق البوسفور من جهة أخرى.

يركّز أردوغان حاليا على المؤسسة العسكرية وعلى وجود ما يسميه “الكيان الموازي” أي أنصار غولن في كل الإدارات، خصوصا في الجسم القضائي التركي وحتّى داخل المؤسسة العسكرية. هناك حملة تطهير لا سابق لها في تركيا بحجة الانتهاء من المؤسسة العسكرية وجعلها في تصرّف السلطة السياسية وبمثابة خادم مطيع لها. هذا أمر طبيعي في الدول الديمقراطية، بل أكثر من طبيعي… ولكن هل بلغت تركيا مرحلة أصبح فيها من الطبيعي مقارنتها بدولة أوروبية ليس مطروحا فيها موضوع مثل موضوع سيطرة الحكومة المدنية على المؤسسة العسكرية؟

هناك أيضا حملة شعواء على كلّ ما له علاقة بـ“الكيان الموازي”، وكأن فتح الله غولن جسم غريب في تركيا وطارئ عليها، علما أن غولن كان إلى ما قبل ثلاثة أعوام بمثابة “العرّاب” بالنسبة إلى أردوغان.

قبل أن يسقط حكم الإخوان المسلمين في مصر، قبل ثلاث سنوات، نصح أردوغان الإخوان المسلمين في مصر بالعمل على القضاء على الدولة العميقة. كان الهدف تفكيك الجيش المصري الذي ما لبث أن استغل الثورة الشعبية التي قامت على الإخوان، وهي ثورة حقيقية ساندها العرب الشرفاء، كي يستعيد السلطة عبر عبدالفتّاح السيسي.

بغض النظر عن كلّ تقويم للسيسي، بحسناته وسيئاته، ولإنجازاته التي قد تكون حقيقية، كما قد لا تكون كذلك، ما حصل في مصر كان ثورة سمحت للدولة العميقة بالعودة إلى الواجهة وبسط سيطرتها على الإدارة بقيادة الجيش. كان هذا الجيش قد لعب دورا رئيسيا في التخلص من حسني مبارك، لكن الإخوان ما لبثوا أن انقلبوا على التفاهم الضمني الذي كان قائما بين الجانبين، وباشروا المسّ به وببنيته.

هل ينجح أردوغان في تركيا حيث فشل في مصر، مع الاعتراف بوجود فوارق كبيرة بين البلدين؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لكن الأكيد أن ليس في الإمكان الاستخفاف بالدولة العميقة في تركيا، مثلما أنّه لم يكن واقعيا الاستخفاف بالدولة العميقة في مصر التي حاول الإخوان المسلمون القضاء عليها. ليس صدفة أن القرار الأهمّ لأردوغان يتمثل في التخلص من المدارس الحربية في تركيا. ليس صدفة التركيز على تلك الصورة التي ظهرت فيها الشرطة تعتقل عسكريين بمن في ذلك ضباط في الجيش. الغرض واضح وهو يتمثل في إظهار أن لا أحد فوق القانون في تركيا، وأنّ مرحلة ما قبل الانقلاب ولّت إلى غير رجعة…

لا شكّ أن أردوغان يبدو مستعجلا. كان دائما مستعجلا. تخلص من كل الرؤوس الكبيرة في حزبه من عبدالله غول… إلى أحمد داوود أوغلو. لا يريد أن يكون هناك من يستطيع الإدلاء برأي مخالف لرأيه، أو من يستطيع تشكيل مركز استقطاب داخل حزبه. هل لرجل من هذا النوع يمتلك شبق الإخوان المسلمين إلى السلطة، وهو شبق ليس بعده شبق، استكمال بناء دولة حديثة في تركيا؟ هل أردوغان رجل المرحلة القادر على نقل تركيا إلى دولة المؤسسات الديمقراطية، أم أنّه ليس سوى حاكم آخر في دولة من دول المنطقة يهمّه قبل أي شيء آخر استكمال سيطرته على تركيا، والانتهاء من صيغة مراعاة المؤسسة العسكرية وامتيازاتها لمصلحة الإخوان المسلمين وفكرهم؟

كلّ ما يمكن قوله أن على أردوغان التمهّل قليلا بدل حرق المراحل. صحيح أن الانقلابيين ارتكبوا خطأ فادحا، بل جريمة في حقّ البلد. لكن الصحيح أيضا أن هذا الخطأ لا يبرر تلك الحملة الواسعة التي تصبّ في تغيير طبيعة النظام في تركيا. يبدأ ذلك بالانتهاء من أي دور للمؤسسة العسكرية، وطيّ صفحة هذه المؤسسة التي ما زالت تعتبر نفسها جزءا من النظام الديمقراطي وشريكا فيه، إضافة إلى أنّها تلعب دورا أساسيا في المحافظة على العلمانية من جهة، وعلى وحدة الأراضي التركية من جهة أخرى.

وحده الوقت سيكشف هل حظ أردوغان في تركيا سيكون أفضل من حظه في مصر. الأكيد أن الوقت سيلعب دوره في تحديد مستقبل أردوغان. لكنّ الأكيد أيضا أن ليس في الإمكان بأي شكل الاستخفاف بالدولة العميقة في تركيا. كان من الأفضل لو اعتمد الرئيس التركي سياسة أقلّ هجومية على المؤسسة العسكرية أو على “الكيان الموازي”، علما أن المؤيدين له يقولون إن فرصة ما بعد إفشال الانقلاب الأخير قد لا تتكرر أبدا… إنّها فرصة العمر لأردوغان لا أكثر ولا أقلّ.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل حظ أردوغان في تركيا أفضل من حظه في مصر هل حظ أردوغان في تركيا أفضل من حظه في مصر



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon