يوم خطف القدس

'يوم خطف القدس'

'يوم خطف القدس'

 لبنان اليوم -

يوم خطف القدس

بقلم : خير الله خير الله

هل هو “يوم القدس” أم إنه “يوم خطف القدس”؟ سقطت القدس مرتين الأولى عندما احتلتها إسرائيل في حزيران – يونيو 1967، والثانية مع إعلان إيران، بعد نجاح الثورة على الشاه وقيام “الجمهورية الإسلامية”، عن “يوم القدس” الذي قرّر الزعيم الإيراني آية الله الخميني أن يكون في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان. لم يتحقق منذ ذلك اليوم أي تقدم على صعيد تحرير القدس باستثناء ما قام به الأردن عبر الملك الحسين، رحمه الله، والملك عبدالله الثاني اللذين سعيا إلى حماية الأماكن المقدّسة المسيحية والإسلامية ووضعها تحت الرعاية الهاشمية. عملت إيران منذ إعلان “يوم القدس” كل شيء من أجل استخدام القضية الفلسطينية والفلسطينيين والقدس تحديدا وقودا في مشروعها التوسّعي الذي يقوم على الاستثمار في نشر الغرائز المذهبية. نجح العرب في استيعاب المشروع التوسّعي الإسرائيلي والتصدي له.

رفضوا دائما أي علاقات طبيعية مع إسرائيل، بما في ذلك في مصر والأردن، أي قبل إيجاد تسوية معقولة ومقبولة تعيد للشعب الفلسطيني الحدّ الأدنى من حقوقه.

لكنهم سقطوا، أقلّه إلى الآن، في مواجهة التحدي الإيراني الذي يشكل “البدر الشيعي” آخر تعبير عنه، والذي يقوم في واقع الحال على تدمير المدن العربية الواحدة تلو الأخرى، فيما الشعار المرفوع “يوم القدس”.

بدأ تدمير المدن العربية ببيروت التي تعرّضت في ثمانينات القرن الماضي لأشرس هجمة إيرانية استهدفت تغيير تـركيبة العاصمة اللبنانيـة بتمهيد من حافظ الأسد الذي كان وضع “جيش التحرير الفلسطيني”، أو على الأصحّ الألوية الموالية له في هذا الجيش، لتكون حاميا للخط الفاصل بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية، وذلك منذ أواخر سبعينات القرن الماضي أي قبل حصول الثـورة على الشاه في إيران في العام 1979 والإعلان عن يوم القدس في تموز – يوليو من تلك السنة.

إلى ما قبل فترة قصيرة، أي إلى اليوم الذي سقط فيه العراق بعد الاحتلال الأميركي للبلد وتسليمه على صحن من فضّة إلى إيران، في العام 2003، كانت القضية الفلسطينية، أقلّه من الناحية النظرية، القضية العربية الأولى.

بقيت كذلك، على الرغم من كل الفرص الضائعة للوصول إلى تسوية، وهي فرص كشفت وجود تواطؤ إيراني – إسرائيلي في مكان ما من أجل أن يبقى الوضع الفلسطيني معلّقا.

لم توفّر إيران أيّ فرصة لوضع العراقيل في طريق ياسر عرفات الذي سعى من خلال اتفاق أوسلو، على الرغم من كلّ ما فيه من شوائب، إلى تحقيق تقدّم في مجال تنفيذ المشروع الوطني الفلسطيني.

في الواقع، لم يكن “أبوعمّار”، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، بعيدا عن الثـورة الإيـرانية التي أطـاحت الشـاه وجـاءت بالخميني حاكما مطلقا لإيران. أدرك عرفات باكرا أنه لا يستطيع أن يكون أكثر من أداة من أدوات الخميني وذلك بعد اللقاء الأول بينهما.

لم يعن إغلاق السفارة الإسرائيليـة في طهـران وتحويلها إلى سفـارة لفلسطين قبولا بالقرار الفلسطيني المستقل. كان ذلك مؤشرا إلى رغبة في وضع الثورة الفلسطينية في جيب إيرانية لاستخدامها ضد العرب عموما، خصوصا ضد العراق الذي كان يحكمه حكما مطلقا، ابتداء من تموز – يوليو 1979 شخص لا يعرف كثيرا في السياسة، لكنه يتقن القمع بما في ذلك قمع الرفاق البعثيين، اسمه صدام حسين.

كانت الخيبة التي أصيب بها “أبوعمّار” بعـد اللقـاء الأول مـع الخميني وراء المصالحة الكاملة مع نظام عراقي يعتبر المسؤول المباشر، عبر موتور اسمه صبري البنّا (أبونضال)، عن اغتيال مجموعة كبيرة من ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في عواصم أوروبية آمنوا باكرا بإمكان تحقيق تسوية سلمية. من بين هؤلاء عزالدين قلق الـذي اغتيـل في باريس وسعيد حمـامي الـذي اغتيل في لندن ونعيم خضر في بروكسل…

وضع ياسر عرفات ملف خلافاته مع نظام صدام حسين خلفه بعدما اكتشف ما ينتظره في حال أكمل رحلته مع النظام الإيراني الجديد. هرب “أبوعمّار” من طهران إلى بغداد سريعا مستغلا في البداية، النافذة التي فتحتها زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس في تشرين الثاني – نوفمبر 1977.

ذهب ياسر عرفات إلى مصالحة مع صدّام حسين في مرحلة لاحقة، أي بعد وصول الخميني إلى السلطة وبعد فشله في اكتشاف أنه أسير “جنون الجغرافيا”، على حد تعبير نبيل عمرو، أي أسير بيروت التي أراد البقاء فيها رئيسا لـ“جمهورية الفاكهاني” بدل الذهاب إلى كامب ديفيد في خريف العام 1978. كان ذلك قبل التغيير الكبير في إيران وقبل أن يسيطر الخميني على إيران وقبل أن يقرّر أن القضية الفلسطينية والقدس بالذات، فضلا عن لبنان، ورقة مهمّة في مشروع “تصدير الثورة”.

ولكن ما العمل عندما كان النظام السوري يسيطر على لبنان، وعندما كان “أبوعمّار” يفضل التحكّم ببقعة من الأرض اللبنانية على تحرير نفسه من الوصاية السورية والدخول في مغامرة من النوع الذي وفّره له أنور السادات في وقت لم يكن عدد المستوطنين في الضفة الغربية يتجاوز بضعة آلاف بدل 650 ألفا في الوقت الحاضر. هذا في أقلّ تقدير.

تغيّر الكثير منذ إعلان “يوم القدس” في 1979 والاحتفال به مجددا في 2017. انتقلت إيران من مرحلة استخدام ورقة القدس لتعطيل أي تسوية سلمية من أي نوع وتبرير سعيها إلى وضع اليد على لبنان وإبقاء جنوبه “ساحة” تطل منها على إسرائيل سعيا إلى صفقة ما معها، إلى ما هو أوسع من ذلك بكثير.

“فيلق القدس” في “الحرس الثوري” يقاتل في سوريا والعراق ويدمّر كلّ مدينة عـربية يصادفها. من بغداد إلى البصرة اللتين تغيرت طبيعتهما، إلى الموصل التي يجري تهجير أهلها بطريقة مدروسة.

بعد العراق، جاء دور سوريا. قُضي على حمص وحماة وحلب وطوّقت دمشق. كانت البداية في بيروت التي صارت منذ العام 1984 وبعد بدء خطف الأجانب فيها مدينة أخرى مختلفة قبل أن يعيد رفيق الحريري الحياة إليها. وقد دفع الحريري حياته ثمنا لإعادته الحياة إلى بيروت وبسبب أمور أخرى طبعا…

لم يكن هناك، في يوم من الأيّام، يوم للقدس. كان هناك استخدام للقدس في لعبة بدأت الآن تتضح معالمها من خلال وصول “الحشد الشعبي” إلى الحدود العراقية – السورية لتحرير سوريا من السوريين. هذا كل ما في الأمر.

كل ما تبقى تفاصيل وشعارات ترفع من أجل إيجاد تغطية لمشروع توسعي أخذ مداه بعد الاحتلال الأميركي للعراق في 2003. ليس صحيحا، بعد تلك السنة الكلام عن أن فلسطين مازالت القضية العربية الأولى.

هذا الشعار يستخدم للتعمية على حقيقة أن قضية العراقيين هي العراق وقضية السوريين هي سوريا وقضية اللبنانيين هي لبنان. ليس “يوم القدس” سوى قضيّة إيرانية هدفها بلوغ “البدر الشيعي”، أي وصل طهران ببيروت مرورا ببغداد ودمشق…

المصدر :  صحيفة العرب لندن

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم خطف القدس يوم خطف القدس



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon