التوفيق بين إيران وبوتين

التوفيق بين إيران وبوتين

التوفيق بين إيران وبوتين

 لبنان اليوم -

التوفيق بين إيران وبوتين

بقلم : خير الله خير الله

هل يتغير شيء مع رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض وحلول دونالد ترامب مكانه؟ كيف يمكن لترامب أن يكون مع فلاديمير بوتين وضد إيران في الوقت ذاته؟ هل يمكن التفريق بين الحسابات الإيرانية والحسابات الروسية؟

تقترب السنة 2016 من نهايتها سريعا. يقترب الشرق الأوسط، سريعا أيضا، من مرحلة جديدة عائدة إلى تحولات كبيرة. من بين أبرز مظاهر هذه التحوّلات سقوط متوقّع لمدينة كبيرة مثل حلب في يد إيران وميليشياتها المذهبية اللبنانية والعراقية وغيرها بفضل الغطاء الجوي الذي تؤمّنه روسيا.

ليس سقوط حلب السورية المتوقّع، الذي سيترافق على الأرجح مع سيطرة “الحشد الشعبي” على الموصل العراقية قبل نهاية السنة، سوى تعبير عن بداية قيام الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى قوى غير عربية إقليمية وغير إقليمية إلى تأكيد نفوذها الإقليمي من خلاله.

ليس سرّا من يتقدّم هذه القوى. تتقدّمها إيران وروسيا وهناك أيضا تركيا وإسرائيل… فيما اعتمدت الولايات المتحدة موقف المتفرّج وكأنّها غير معنية بما يجري وأنّ همها الوحيد استرضاء إيران وحماية الاتفاق في شأن ملفّها النووي الذي دفعت ثمنه الكثير، بل الكثير جدا من حساب الغير، خصوصا من حساب الشعب السوري وثورته الحقيقية التي لا يمكن إلا أن تنتصر يوما…

كشفت السنة 2016 خفايا كثيرة. من بين ما كشفته الأسباب التي دعت إدارة باراك أوباما إلى تجاهل “الخطّ الأحمر” للرئيس الأميركي عندما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميائي في الحرب على شعبه صيف العام 2013. كلّ ما في الأمر أنّ الولايات المتحدة كانت منهمكة في مفاوضات مع إيران في شأن الملفّ النووي. لم يكن قتل بشّار الأسد ألفا أو ألفين من مواطنيه بالسلاح الكيميائي أمرا يستأهل التوقّف عنده في تلك المرحلة. فمن أجل عيون إيران والتوصّل إلى صفقة ما معها، لا تعود للآلاف من المواطنين السوريين قيمة تذكر. كان لا بدّ من حماية الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مجموعة الخمسة زائدا واحدا مع إيران في صيف العام 2015 أكثر من ضرورة. كان أولوية أميركية لا يمكن أن تعطلها أرواح السوريين، حتّى لو كان عدد الأرواح التي زهقت تجاوز إلى الآن نصف مليون، استنادا إلى التقارير الدولية الشديدة التحفّظ.

لن يعود وجود للمدن العربية في الشرق الأوسط الجديد. دمّرت حلب بعد تدمير حمص وحماة وبعد تدجين دمشق. تغيّرت طبيعة دمشق كلّيا بوسائل مختلفة، من بينها الإتيان بمجموعات سكانية جديدة إليها وتدمير مناطق قريبة منها بالكامل… وعن طريق شراء عقارات فيها. يتمّ كلّ شيء بموجب خطة مدروسة بدقة تستهدف الانتهاء من المدن السورية الكبيرة التي اكتشف الإيرانيون، ومعهم الروس، أنهّا متمرّدة على النظام الذي أقامه حافظ الأسد وترفض الخضوع له. درس حماة 1982 لم يكن كافيا في ما يبدو كي تتربّى المدن السورية الكبيرة، وكي يتوقف المواطن العادي عن طرح أسئلة مرتبطة بطبيعة النظام الأقلّوي الذي أسّس له حافظ الأسد، وسرّ بقاء الجولان محتلّا منذ نصف قرن إلا سنة واحدة بالتمام والكمال.

ثمّة حاجة إلى التفكير أيضا في مصير المدن العراقية. تغيّرت طبيعة بغداد على نحو جذري. كذلك طبيعة البصرة التي صارت معظم أحيائها أقرب إلى أحياء المدن الإيرانية، أو على الأصحّ ضواحي المدن الإيرانية.

جاء الآن دور الموصل التي دخل إليها “داعش” في العام 2014 عندما كان رجل إيران نوري المالكي رئيسا للوزراء في العراق. حصل كلّ شيء بظروف مريبة لم تتضح إلى الآن. قد تتضح هذه الظروف في يوم قريب عندما يجتاح “الحشد الشعبي”، أي ميليشيات الأحزاب المذهبية العراقية، هذه المدينة العراقية العريقة التي فيها أقليّة تركمانية ذات وجود تاريخي فيها.

سيقوم الشرق الأوسط الجديد على أنقاض المدن العربية المهمة في سوريا والعراق وحتّى لبنان الذي تعرضّت فيه بيروت، ومازالت تتعرّض، لكلّ أنواع الهجمات من أجل محو دورها، خصوصا في مجال التعايش بين أديان وقوميات وثقافات مختلفة.

هل يتغيّر شيء مع رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض وحلول دونالد ترامب مكانه؟ كيف يمكن لترامب أن يكون مع فلاديمير بوتين وضدّ إيران في الوقت ذاته؟ هل يمكن التفريق بين الحسابات الإيرانية والحسابات الروسية؟

هذان السؤالان سيطرحان نفسهما بحدّة في الأشهر القليلة المقبلة. سيتبيّن عاجلا أم آجلا هل يمتلك ترامب سياسة واضحة ومحدّدة، أو على الأصح هل يعرف شيئا عن الشرق الأوسط والخليج، وهل يعرف خصوصا أنّ هناك حلفاء تقليديين للولايات المتحدة في المنطقة.

سيتوقّف الكثير على ما إذا كان الرئيس الأميركي الجديد الذي سيتولى مهمّاته رسميا في العشرين من الشهر المقبل سيعتمد على خبراء أميركيين في الشرق الأوسط يعرفون أن الإرهاب هو الإرهاب، وأن لا فارق بين إرهاب سنّي وإرهاب شيعي. هناك “داعش” السنّي وهناك “دواعش” شيعية. هناك ارتباط بين “داعش” و”الدواعش” بطريقة أو بأخرى ونوع من التواطؤ بين الطرفين اللذين دخلا في تنافس على من هو أكثر إلماما بالوحشية وفنون الإرهاب.

قد يتغيّر شيء إذا اقتنع ترامب في نهاية المطاف أن ليس في استطاعته اختزال مشاكل الشرق الأوسط كلّها في الملفّ النووي الإيراني والاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه في شأن هذا الملفّ. هذا الاتفاق لا يحلّ أي مشكلة في الشرق الأوسط والخليج. على العكس من ذلك، إنّه يوفّر فرصة لإيران كي تزداد عدوانية، وكي تتابع مشروعها التوسّعي من دون حسيب أو رقيب.

تبقى نقطة أخيرة لن يستطيع ترامب إلا التوقّف عندها. تتمثل هذه النقطة في أنّ هناك وجودا عربيا في المنطقة لا يمكن تجاهله. تعبّر الجولة الخليجية التي يقوم بها الملك سلمان بن عبدالعزيز والتي بدأها بأبوظبي حيث كانت له محادثات طويلة مع الشيخ محمّد بن زايد وليّ العهد فيها، عن إرادة عربية ترفض القبول بالأمر الواقع الذي تحاول إيران وروسيا وتركيا وإسرائيل فرضه في المنطقة. سيتبيّن في نهاية المطاف أن العرب ليسوا هامشيين وأن لديهم صوتهم على الرغم من حال الضعف السائدة حاليا، والتي مكنت إيران من أن تسرح وتمرح في العراق وسوريا وفي لبنان إلى حدّ كبير. المقاومة العربية ستستمرّ على الرغم من أنّه ليس مضمونا أن يتخلّى ترامب عن الخط الذي اعتمده سلفه، وهو خط قائم على فكرة أنّ الإرهاب سنّي، وأن التخلص من المدن العربية جزء من التخلص من هذا الإرهاب.

في السنة 2017، ستظهر أمور كثيرة، بما في ذلك الفارق بين أوباما وترامب، علما أنّه سيظل السؤال الذي سيتحكّم بالمعادلة الشرق أوسطية والخليجية كيف يمكن وضع حدّ للعدوانية الإيرانية القائمة على الاستثمار في الغرائز المذهبية من جهة، والتعاطي بشكل إيجابي من جهة أخرى مع فلاديمير بوتين، الشريك في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، في الوقت ذاته؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوفيق بين إيران وبوتين التوفيق بين إيران وبوتين



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon