أميركا مكان إيران في سورية

أميركا مكان إيران في سورية!

أميركا مكان إيران في سورية!

 لبنان اليوم -

أميركا مكان إيران في سورية

بقلم : خير الله خير الله

الأكيد أن المعادلة تغيّرت في هذا البلد وفي المنطقة كلّها بعدما صارت القوات الأميركية في سوريا. الحقيقة أنّه كانت هناك منذ فترة لا بأس بها قوات ترفع علم الولايات المتحدة في مناطق سورية وتستخدم مطارات معيّنة، خصوصا في الشمال، لكنّ الجديد أنّ الوجود الأميركي في منبج صار علنيا.

ظهرت دبابات وناقلات جنود أميركية في مدينة سورية ذات أهمّية إستراتيجية كبرى متنازع عليها بين الأكراد والأتراك بحجة تفادي مواجهة بين الجانبين. يتمثّل الهدف الأميركي العام، المترافق مع كشف هذا الوجود العسكري، إضافة إلى القضاء على “داعش”، مع عملية تستهدف إقامة “منطقة آمنة” على الحدود التركية-السورية وأخرى على الحدود الأردنية-السورية.

قفزت الولايات المتحدة إلى الحلبة السورية. جعلت كلّ المتورطين في الحرب السورية، بما في ذلك الحرب التي يشنّها النظام على شعبه، يعيدون النظر في مواقفهم. بل يشعرون بحال من الضياع.

كانت سوريا قبل الإعلان الأميركي عن إرسال قوات إلى منبج وإلى مناطق أخرى، استعدادا لمعركة الرقّة، تحت أربعة استعمارات. الروسي والإيراني والتركي والإسرائيلي. صارت الآن تحت خمسة استعمارات بعدما تبيّن أن الأميركي لا يقبل بأقلّ من الإشراف على تقسيم سوريا بعد ست سنوات من ثورة شعبية كانت تعبيرا عن رفض شعبي لنظام لم يكن لديه من هدف سوى استعباد شعب والمتاجرة ببلد وممارسة الابتزاز على كلّ صعيد.

ماذا تريد أميركا من سوريا وماذا تريد في سوريا؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لكنّ الثابت أنّ سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة. سقط رهان حافظ الأسد على استمرار حال اللاحرب واللاسلم من أجل بقاء النظام في السلطة إلى ما لانهاية. كان حافظ الأسد بارعا في ممارسة هذه اللعبة التي جعلته يستخدم الشعب الفلسطيني في لعبة قاتلة لقضيّته وفي لعبة أخرى تقوم على تبادل الرسائل بين سوريا وإسرائيل عبر جبهة جنوب لبنان على حساب اللبنانيين وأهل الجنوب بشكل خاص.

تدفع سوريا فواتير السياسات التي مورست في عهدي حافظ الأسد وبشّار الأسد. مع فارق أن الأب كان يعرف أصول لعبة الذهاب إلى حافة الهاوية من دون السقوط فيها، فيما الابن عاجز عن ذلك.

في آذار-مارس 2017، جاءت إدارة أميركية جديدة تقول إنّها تريد قبض ثمن الفواتير المترتبة على سياسات حافظ الأسد وبشّار الأسد، بغض النظر عن الفوارق الكبيرة بينهما.

اللافت أنّ هناك تصريحا حديثا للجنرال جوزف فوتيل، قائد القيادة المركزية أمام إحدى لجان الكونغرس، أكد فيه أن الأميركيين باقون عسكريا في سوريا، حتّى بعد القضاء على “داعش”. سبق هذا الكلام الصادر عن الجنرال فوتيل موقف واضح من الوجود الإيراني في سوريا. أكدت هذا الموقف مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي التي شددت على أن بلادها ترفض أيّ وجود إيراني في الأراضي السورية.

ردّت إيران على الموقف الأميركي الجديد الذي يعكس رغبة واشنطن في الانتهاء من المشروع التوسّعي الإيراني. بدأ هذا المشروع الإيراني يأخذ أبعادا خطيرة في اليوم الذي شنّت فيه أميركا حربا على العراق لإسقاط النظام فيه في مثل هذه الأيّام من العام 2003.

لم تكتف إيران بتوتير الأجواء في منطقة جنوب لبنان عبر تحرّش “الأهالي” بالقوة الدولية التي تشرف على تنفيذ القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن صيف العام 2006. ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أعلن قائد ميليشيا “النجباء” عن الاستعداد لتشكيل فيلق من أجل “تحرير الجولان”.

ليست “النجباء” سوى ميليشيا مذهبية عراقية منضوية تحت لافتة “الحشد الشعبي” العراقي تعمل في سوريا بإشراف إيراني. فجأة، استفاقت إيران على أوراقها في سوريا ولبنان لتأكيد أنّ لديها ما تردّ به على الإدارة الأميركية الجديدة وأنّها لن ترضخ بسهولة لطلب الولايات المتحدة الخروج من الأراضي السورية. تعتبر إيران وجودها في سوريا شرعيا، علما أنّه يستند إلى الرابط المذهبي ولا شيء آخر غير ذلك.

لا شكّ أن القرار الأميركي بالتدخل في سوريا يشكلّ منعطفا ليس على صعيد ما يدور على أرض هذا البلد فحسب، بل على الصعيد الإقليمي أيضا. إنّه انقلاب بكلّ معنى الكلمة، انقلاب على إدارة باراك أوباما أوّلا. فضلّت الإدارة الأميركية السابقة التفرّج على ما يدور في سوريا وترك المبادرة لفلاديمير بوتين الذي هبّ إلى نجدة الإيراني الذي لم يعد يستطيع صيف العام 2015 إبقاء بشّار الأسد مقيما في دمشق.

يصعب تصوّر إلى أيّ مدى تستطيع إدارة دونالد ترامب الذهاب في إدارة اللعبة على الأرض السورية استنادا إلى القوانين الجديدة لهذه اللعبة التي فرضها الوجود العسكري الأميركي.

نظريا تمتلك الولايات المتحدة أوراقا كثيرة. من بين هذه الأوراق حاجة الجميع إليها، بما في ذلك إسرائيل وتركيا. إضافة إلى ذلك، هناك سعي لدى فلاديمير بوتين إلى صفقة مع إدارة ترامب بما يؤدي إلى رفع العقوبات المفروضة على روسيا.

بين هبوط أسعار النفط والعقوبات التي تعاني منها روسيا نتيجة ما فعلته في أوكرانيا، توجد في روسيا أزمة اقتصادية عميقة. إنهّا أزمة نظام لا يريد أن يتعلّم من تجارب الماضي القريب. يتهرّب فلاديمير بوتين من واقع يتمثّل في أنّ انهيار الاتحاد السوفييتي كان لأسباب اقتصادية قبل أيّ شيء آخر.

لا يمكن بناء قوّة عظمى لديها مناطق نفوذ في أنحاء مختلفة من العالم من دون اقتصاد قوي. لا يمثل الاقتصاد الروسي شيئا في العالم. الناتج القومي هو 1.8 بالمئة من الناتج العالمي. الاقتصاد الروسي أقلّ أهمّية من الاقتصاد الايطالي، وهو لا يبلغ نصف حجم الاقتصاد البريطاني وأكثر بقليل من ثلث حجم الاقتصاد الألماني..

الأخطر من ذلك كلّه أن روسيا، مثلها مثل إيران، لم تستطع التخلّص من عقدة الاتكال على النفط والغاز. اكتشف بوتين أخيرا أن ليس أمامه غير الاستنجاد بالولايات المتحدة وإدارة ترامب بالذات. كيف يمكن إتمام صفقة مع أميركا من دون تلبية الشرط الأول للإدارة الجديدة، وهو شرط خروج إيران من سوريا، مع ما سيستتبعه ذلك من انعكاسات على لبنان الذي تعتبره طهران مجرّد بلد يدور في فلكها، مثله مثل العراق؟

لن تكون طريق إدارة ترامب في سوريا مفروشة بالورود. لن تكون نزهة. هناك تعقيدات وتشابكات كثيرة، بعضها مرتبط بتركة إدارة أوباما التي أهملت تركيا كليّا ودفعتها إلى الحضن الروسي، وبعضها الآخر بقضية الأكراد الذين يشكّلون نقطة التقاء بين تركيا وإيران على الرغم من المنافسة الشديدة بين البلدين، خصوصا في ظلّ الشرخ الشيعي-السنّي الذي يتعمّق يوميا في كلّ أنحاء الشرق الأوسط وفي مناطق أبعد منه.

إلى الآن، لم يحصل بعد تحرّش مباشر بالأميركيين في سوريا. ستتحدّد طبيعة الدور الأميركي وما إذا كانت إدارة ترامب قادرة على تقسيم سوريا والحلول مكان إيران بعد حصول هذا التحرّش غدا أو بعد غد… أو في الأسابيع المقبلة. عاجلا أم آجلا، سيكون هناك تحدّ للإدارة الجديدة. هل تكون في مستوى هذا التحدي حتّى يصبح في الإمكان القول إنّ هناك سياسة أميركية جديدة قابلة للحياة في الشرق الأوسط؟

المصدر : صحيفة العرب

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا مكان إيران في سورية أميركا مكان إيران في سورية



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon