نظام سوري يرفض أن يتعلم

نظام سوري يرفض أن يتعلم..

نظام سوري يرفض أن يتعلم..

 لبنان اليوم -

نظام سوري يرفض أن يتعلم

بقلم : خير الله خير الله

هذا نظام سوري لا يريد أن يتعلّم. يعتقد أن الوقت يعمل لمصلحته وأنّ تدمير سوريا يمكن أن يخدمه. يعتقد أن الانتصار على حلب بمثابة انتصار له. ستنتصر حلب مهما طال الزمن، لا لشيء سوى لأنّ أهل حلب، في أكثريتهم الساحقة، مثلهم مثل أهل سوريا كلّها، يرفضون النظام ويرفضون الذلّ والعبودية.

إذا كان الآباء قبلوا بالذلّ والعبودية منذ مجيء حزب البعث إلى السلطة في العام 1963، فإنّ الأبناء قرّروا التمرّد على الآباء لأنّ حلب تستأهل أفضل بكثير من أن تكون تحت رحمة نظام أقلّوي بائس يظنّ أن الطريقة الفضلى للامساك برقاب السوريين تكون في إفقارهم وتحكيم الأجهزة الأمنية ومن يلوذ بها بمصيرهم.

كيف يمكن لنظام أن يقبل البقاء في السلطة، ولو شكليا، فيما شعبه يموت بالآلاف ويُهجّر بمئات الآلاف. أخيرا، وليس آخرا، كيف يمكن لنظام الكلام عن وحدة الأراضي السورية، فيما البلد يعيش تحت استعمارين. الأول روسي والآخر إيراني. الأول يستخدم سلاح الجوّ وقنابله لإفراغ المدن من أهلها والآخر الميليشيات المذهبية من أجل تغيير التركيبة السكانية لسوريا والتخلّص من المدن الكبرى ومن سكّانها؟

يستطيع النظام الذي ولد من رحم استيلاء الضباط العلويين على السلطة في الثالث والعشرين من شباط ـ فبراير 1966 وثمّ من تفردّ حافظ الأسد بحكم سوريا في خريف العام 1970، أن يفعل شيئا واحدا هو الانتهاء من سوريا. لا مهمّة أخرى له. لو كانت لديه مثل هذه المهمّة الأخرى، لما كانت كلّ قوى العالم اتفقت على أن يبقى بشّار الأسد في دمشق.

اتفقت روسيا مع الولايات المتحدة على الانتهاء من سوريا. واتفقت تركيا مع إسرائيل على الانتهاء من سوريا أيضا. ليس أفضل من النظام القائم لتنفيذ هذه المهمّة في انتظار اليوم الذي يجري فيه اقتسام التركة.

الأكيد أنّ النظام لن يكون حاضرا عندما يحين وقت اقتسام التركة. ما ليس أكيدا هو الدور الذي ستلعبه إدارة دونالد ترامب في تحديد من يحصل على ماذا في سوريا نظرا إلى أنّه يتبيّن كلّ يوم أنّ المحيطين بالرئيس الأميركي الجديد جنرالات لا يكنّون كثيرا من الودّ لإيران ويعرفون تماما دورها في تشجيع التطرّف بكلّ أشكاله ونشر حال من التوتر في المنطقة.

لن تكون إدارة ترامب أسيرة الفكر المحنّط لباراك أوباما الذي يربط أهل السنّة بالإرهاب. هناك إرهاب سنّي. لا يوجد أدنى شكّ في ذلك. ولكن ماذا عن الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات المذهبية المدعومة مباشرة من إيران، على رأسها تلك التي تقاتل في العراق وتلك التي تقاتل في سوريا.. وتلك التي تمنع لبنان من أن يكون فيه وضع طبيعي؟

لا يوجد حاكم عاقل يمكن أن يفكّر ولو للحظة أنّ الانتصار على حلب انتصار وأنّ تهجير أهل المدينة سيسمح له بحكم سوريا مجدّدا. لكنّ كلّ شيء يبدو ممكنا مع هذا النظام السوري الذي لم يتّعظ من أيّ تجربة من التجارب التي مرّ فيها، بما في ذلك طريقة خروجه من لبنان في نيسان ـ أبريل من العام 2005. على العكس من ذلك، إنّه يكرّر في كلّ وقت الأخطاء نفسها لضمان وصول سوريا إلى الوضع الذي وصلت إليه.

لو كان النظام السوري يمتلك حدّا أدنى من المنطق، لكان استفاد من درس لبنان وانسحب من سوريا، تماما مثلما انسحب من لبنان. لم يستوعب النظام أن مشاركته في توفير تغطية، في أقلّ تقدير، لاغتيال الرئيس رفيق الحريري سيؤدي إلى انسحابه من لبنان لمصلحة إيران التي تفرّدت منذ العام 2005 في التحكّم بالبلد كي تحتكر الوصاية عليه.

يتخيّل النظام السوري الآن أن ما تحقّق في حلب سيمكّنه من العودة إلى ممارسة دور في لبنان. أرسل المفتي بدر الدين حسّون، وهو من الموالين للنظام، لتخويف اللبنانيين. قابل الرئيس الجديد ميشال عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي.

حصل ذلك في وقت يجد العهد الجديد صعوبة في تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري الذي اتفق مع ميشال عون، قبل انتخابه رئيسا للجمهورية، على نقاط معيّنة من بينها نأي لبنان بالنفس عن الحرب السورية وحرائقها.

ليس بإحراج رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني يؤمّن النظام السوري عودته إلى لبنان. لم يخرج من الباب الواسع ليعود من أيّ طاقة من الطاقات الموجودة، من بينها طاقة الانتصار على حلب.

يُفترض في مثل هذا النوع من الانتصارات أن يجعل رأس النظام يطرح على نفسه سؤالا في غاية البساطة. هذا السؤال هو ماذا بعد حلب؟ ما مستقبل هؤلاء السوريين الذين هجّرهم سلاح الجو الروسي والميليشيات التابعة لإيران من أرضهم ومنازلهم؟ ما الذي يمكن توقّعه من أبناء سوريا الذين عوملوا بهذه الطريقة الوحشية؟ أليس ذلك الطريق الأقرب إلى تحويل كلّ شاب من الذين قضى النظام على مستقبلهم إلى قنبلة موقوتة؟

خرج النظام السوري من لبنان إلى غير رجعة. سيخرج من سوريا، عاجلا أم آجلا، إلى غير رجعة أيضا. تجاوزت الأحداث التفكير الضيّق للنظام السوري الذي لا يحرّكه سوى الحقد على لبنان، وقبل ذلك على سوريا نفسها.

من لم يفهم النتائج التي ترتّبت عن اغتيال رفيق الحريري، لن يفهم في أيّ وقت وفي ظلّ أيّ ظروف معنى الثورة الشعبية في سوريا وإبعادها ولماذا يرفض الشعب السوري النظام.

من لم يستوعب درس لبنان سيجد صعوبة في الاعتراف بأنّ النظام لا مستقبل له وأنّ المهمّة الوحيدة التي لا يزال في استطاعته تأديتها تتمثّل في القضاء على سوريا. كان لبنان مستعدا للتفاهم مع النظام السوري بما يخدم البلدين، لكنّ النظام فضّل اللجوء إلى العنف والتفجيرات والاغتيالات.

لعب النظام السوري دورا أساسيا، بل الدور الأساسي، في تسليم لبنان إلى إيران. يلعب حاليا دوره في تحويل سوريا إلى مناطق نفوذ إحداها إيرانية والأخرى روسية والثالثة تركية والرابعة إسرائيلية.

لدى تركيا الحرية الكاملة في التدخل لوضع حدّ للطموحات الكردية. ولدى إسرائيل كلّ ما تريده من حرّية في ضرب أيّ هدف تعتبر أنّه يشكل خطرا عليها في المستقبل.

إلى متى يتابع النظام السوري لعب الدور المرسوم له في ظلّ الغياب الأميركي الكامل عن الشرق الوسط بفضل إدارة باراك أوباما؟ ماذا إذا تغيّرت المعطيات في عهد دونالد ترامب؟

ماذا إذا قرّرت الولايات المتحدة أن تعود لاعبا في المنطقة بعد اكتشافها أن ليس في الإمكان الاستمرار في الحرب على الإرهاب والانتصار فيها بالشراكة مع النظام السوري وإيران كما فعلت إدارة أوباما؟

المصدر : صحيفة العرب

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظام سوري يرفض أن يتعلم نظام سوري يرفض أن يتعلم



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon