صواريخ إيرانية… للاستهلاك الداخلي

صواريخ إيرانية… للاستهلاك الداخلي

صواريخ إيرانية… للاستهلاك الداخلي

 لبنان اليوم -

صواريخ إيرانية… للاستهلاك الداخلي

بقلم : خير الله خير الله

ليس هناك ما يمنع إيران من إقامة مصنع ثالث أو رابع أو خامس لصواريخ باليستية تحت الأرض أو فوق الأرض. يبقى السؤال ما الحاجة إلى هذه الصواريخ وإلى الكلام عنها مباشرة بعد انتخاب حسن روحاني مرشّح الإصلاحيين رئيسا للجمهورية لولاية ثانية؟ ما المشروع الذي يمكن أن توظّف به هذه الصواريخ؟ هل تخدم في شيء توفير بعض الرفاه للمواطنين الإيرانيين الذين يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر؟

لا تقدّم الصواريخ الباليستية ولا تؤخّر في شيء على الصعيد الإقليمي باستثناء أنّها تخيف جيران إيران وتجعلهم يلجأون إلى كلّ الوسائل المتاحة من أجل حماية أنفسهم. هذه صواريخ مطلوب، قبل كلّ شيء، الكلام عنها داخليا من أجل تأكيد أن شيئا لم يتغيّر في إيران بعد انتصار روحاني على منافسه المحافظ إبراهيم رئيسي.

بكلام أوضح هذه صواريخ للاستهلاك الداخلي ولإظهار أنّ السلطة في إيران لا تزال في يد “المرشد” علي خامنئي وأن روحاني لا يستطيع أن يفعل شيئا ما دام خامنئي في موقع الوليّ الفقيه الذي يسمح له بممارسة السلطة المطلقة التي لا يحقّ لأيّ جهة أو لأيّ كان محاسبتها بأيّ شكل من الأشكال وفي أيّ ظرف من الظروف.

في الواقع، لم تستخدم إيران صواريخها إلّا من أجل لعب دور في تدمير مدن عربية معيّنة، كما حصل بين عامي 1980 و1988 إبان الحرب العراقية الإيرانية أو لتبرير الهجمات الإسرائيلية على لبنان أو على قطاع غزّة… أو أخيرا للاعتداء على المملكة العربية السعودية انطلاقا من الأراضي اليمنية. فمعظم الصواريخ التي يطلقها “أنصار الله” في اتجاه الأراضي السعودية مصدرها إيران. تفعل إيران ذلك من أجل إظهار أنّها تطوّق الخليج من كلّ الجهات وليس السعودية وحدها.

لا يمكن تجاهل أن إيران كانت، نظريا، الجهة المُعتدى عليها في العام 1980 عندما بدأت الحرب العراقية-الإيرانية. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أيضا أن نظام صدّام حسين شعر بأنّ مصير العراق ومصيره كانا على المحكّ لو لم يباشر حربا وقائية جاءت بكلّ المصائب والويلات على المنطقة واستنزفت العراق وإيران ودول الخليج العربي كلّها.

لا حاجة إلى العودة إلى الماضي، لكن التاريخ وحده سيحكم هل كان أمام صدّام من خيار آخر غير تلك الحرب المجنونة التي ارتدّت عليه والتي فعل نظام الخميني كلّ شيء من أجل اندلاعها. هذا عائد إلى سببين غابا عن صدّام حسين الذي لم يكن يتميّز بكثير من المعرفة بالتوازنات الإقليمية والدولية والحذاقة.

كان السبب الأول أن الحرب سمحت للخميني بإرسال الجيش المشكوك بولائه إلى جبهات القتال بعيدا عن طهران والمدن الكبرى. أمّا السبب الآخر فهو عائد إلى أن حربا مع العراق تثير المشاعر الوطنية الإيرانية في مواجهة عدوّ خارجي. كانت تلك مشاعر فارسية قبل أيّ شيء آخر. هذه المشاعر هي التي تجعل الإيرانيين يحتقرون العرب بغض النظر عن ديانتهم أو مذهبهم بما في ذلك العرب الشيعة…

الأهمّ من ذلك كلّه، أن إيران تستخدم الصواريخ لأغراض سياسية وفي خدمة مشروعها التوسّعي إضافة بالطبع إلى تأكيد أن لا فارق يذكر بين روحاني أو أي رئيس آخر كان يمكن أن يحلّ مكانه.

لو لم يكن الأمر كذلك، لما جاء الإعلان عن مصنع ثالث تحت الأرض لصواريخ باليستية بعيد انتخاب روحاني رئيسا وبعيد انعقاد القمم الثلاث في الرياض. يبدو توقيت الإعلان عن المصنع الثالث في غاية الأهمّية، خصوصا أن الولايات المتحدة ردّت في الماضي القريب على تجربة لصاروخ إيراني بطريقة تشير إلى أنّها مصمّمة على التصدي لمثل هذه التصرفات الإيرانية.

جاءت تجربة الصاروخ الباليستي الإيراني بعد تسلم دونالد ترامب مهماته الرسمية في كانون الثاني ـ يناير الماضي. لا شكّ أن إيران أرادت وقتذاك امتحان الإدارة الأميركية الجديدة التي قرّرت تجاوز مسألة الاتفاق في شأن الملفّ النووي بعدما كان ترامب عمل على شيطنته طوال حملته الانتخابية.

جاء الآن وقت امتحان إيران لإدارة ترامب مرّة أخرى. كيف ستردّ الإدارة على هذا التحدّي؟ إنّه سؤال كبير يمكن أن يعني الكثير كما يمكن أن لا يعني شيئا.

يمكن أن يعني الكثير بالنسبة إلى النظام الإيراني الذي يريد أن يثبت مرّة أخرى للإيرانيين أوّلا أنّه لا يخشى الولايات المتحدة العائدة بقوّة إلى الخليج والشرق الأوسط من خلال بوابة الرياض ومن خلال قواعد عسكرية جديدة يمكن أن تقيمها أميركا في المنطقة. أكثر من ذلك، هناك للمرّة الأولى منذ فترة طويلة وضوح عربي وخليجي بالنسبة إلى طريقة التعاطي مع أميركا تحديدا.

ما حصل في الرياض كان انقلابا بكلّ معنى الكلمة. هناك استعداد عربي للتّعاطي مع الولايات المتحدة والذهاب في العلاقة معها وفي شراكة حقيقية إلى أبعد حدود من دون أيّ عقد من أيّ نوع كان.

هذا التعاطي الجديد كليّا يقوم على علاقات متميّزة مع الجانب الأميركي من فوق الطاولة وليس من تحتها كما كان يحصل في الماضي. هذه العلاقة المتميّزة لم تعد رهينة التسوية السلمية في الشرق الأوسط والمتاجرة بفلسطين والفلسطينيين.

ترك العرب هذه التجارة لإيران وأدواتها بوجود إدارة أميركية تعهّدت بمعالجة الموضوع الفلسطيني بالطريقة المناسبة. وهذا ما ظهر من خلال زيارة ترامب لإسرائيل والأراضي الفلسطينية مباشرة بعد قمم الرياض.

لا يمتلك ترامب خطة لتسوية. هذا صحيح. لكنّ الصحيح أيضا، أنّه لا يمكن الاستخفاف بقدرته على عقد صفقات وتسويات تأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة بين الأطراف المعنيّة.

أمّا لماذا لا يعني الإعلان الإيراني عن بناء مصنع الصواريخ شيئا، فهذا عائد إلى أنّ العالم يعرف تماما أن هذه الصواريخ تصنع، في معظمها، بفضل تكنولوجيا كورية شمالية. هناك فارق كبير بين الصواريخ الحقيقية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة وصواريخ كوريا الشمالية التي تتميّز بعشوائيتها. كلّ ما في الأمر أنّ إيران تريد أن تثبت أنّها لا تزال لاعبا إقليميا أساسيا وقوّة مهيمنة في الخليج والشرق الأوسط.

تستطيع أن تكون لاعبا، لكنّها لا تستطيع أن تكون القوّة المهيمنة، ذلك أنه جاء من يقول لها إن قواعد اللعبة تغيّرت في المنطقة وإنّ ما كان يصلح في عهد باراك أوباما لم يعد يصلح في عهد دونالد ترامب الذي أهمّ ما فيه هو الفريق المحيط بالرئيس وليس الرئيس نفسه.

في مرحلة يعتمد فيها النظام الإيراني على النفط وأسعار النفط، لا تنفع لعبة الصواريخ في شيء، أكان المصنع فوق الأرض أو تحتها. ما ينفع هو أن يأخذ كلّ طرف حجمه في المنطقة. مشكلة إيران أنّها لا تريد أن تتعلّم من تجربة الاتحاد السوفييتي لا أكثر ولا أقلّ.

ليس لديها بكل بساطة نموذج تستطيع تقديمه لدول المنطقة وليس لديها اقتصاد قويّ يتحمّل في المدى الطويل متابعة الاستثمار في ميليشيات مذهبية، حتّى لو لم تكن العناصر التي تتألّف منها هذه الميليشيات غير إيرانية، أي عراقية ولبنانية وأفغانية في معظمها.

المصدر : صحيفة العرب لندن

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صواريخ إيرانية… للاستهلاك الداخلي صواريخ إيرانية… للاستهلاك الداخلي



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon