عندما يدفع المغرب ضريبة النجاح…

عندما يدفع المغرب ضريبة النجاح…

عندما يدفع المغرب ضريبة النجاح…

 لبنان اليوم -

عندما يدفع المغرب ضريبة النجاح…

بقلم : خير الله خير الله

لا شيء ينجح مثل النجاح. إنّه نجاح المغرب في العودة إلى الاتحاد الأفريقي بالطريقة التي عاد بها ولعبه دورا، صار مكرّسا، في مجال دعم الاستقرار في محيطه المباشر وفي أنحاء القارة السمراء. لكن للنجاح ضريبة يفرضها الفاشلون الذين ليس لديهم ما يقدمّونه في خدمة أيّ قضية أو أيّ شعب من الشعوب، أو دولة من الدول في أيّ منطقة من مناطق العالم.

هذه حال المغرب الذي عليه دفع ضريبة النجاح التي جعلت الساعين إلى الاعتداء على حقوقه يستخدمون كلّ الوسائل من أجل الإساءة إليه وابتزازه، حتّى لو كان ذلك على حساب الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا، حيث الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى جهود مشتركة لمواجهة الإرهاب.

فوّت المغرب الفرص التي أراد الحسّاد استغـلالها لجرّه إلى الـردّ عليهم باللجوء إلى القـوّة العسكرية. لذلك سحب قـواته، بنـاء على تعليمات من الملك محمّد السادس، من منطقة الكركرات جنوب الصحراء المغـربية، حيث هناك محاولات تقوم بها الجزائر، عبر أداتها المسماة جبهة “بوليساريو” لخلق كلّ أنواع المشاكل.

رمى المغرب الكرة في ملعب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي بات عليه الآن وضع حدّ للاستفزازات التي تلجأ إليها “بوليساريو” ومن يقفون خلفها للقول للعالم إنّها لا تزال موجودة. نعم، جبهة “بوليساريو” موجودة كـونها تشكّل أداة لا أكثر. تستخدم هذه الأداة في لعبة سخيفة لا أفق لها تستهدف المغرب ولا شيء آخر غير ذلك. لكنّ مشكلة هذه الأداة تكمن في أن ليس من السهل استفزاز المغرب في أيّ ظرف من الظروف.

سحب المغرب البساط من تحت الجزائر وأداتها. اتصل الملك محمد السادس بالأمين العام للأمم المتحدة ليؤكّد له ذلك، وليؤكّد، خصوصا، أنّ المغرب عامل استقرار في المنطقـة، وأنّه لن يسمح لأيّ طرف من الأطـراف باستغلال قضيـة الصحـراء المغـربية من أجل إعادة عقارب الساعة إلى الخلف.

كلّ ما في الأمر أنّ هناك حقدا ليس بعده حقد على المغـرب. هذا عائد في الدرجة الأولى إلى أنّه نجح في قلب المعادلة على الصعيد الأفريقي.

عاد المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في قمّة أديس أبابا الأخيرة. كان لا بدّ من الردّ على هذه العودة التي تمّت بدعم أكثرية أعضاء الاتحاد الأفريقي، الذين اكتشفوا مع مرور الزمن أنّ قضيّة الصحراء قضيّة مفتعلة، وهي في واقع الحال نزاع تقف وراءه الجزائر، ولا تريد التوصّل إلى حلّ له نظرا إلى أنّه يوفّر لها أمرين.

الأمر الأوّل شنّ حرب استنزاف على المغرب الذي تعتقد أنّه ينافسها على الصعيد الإقليمي. أما الأمر الآخر فيتمثّل في تصدير مشاكلها الداخلية إلى الخارج تحت شعار “حقّ تقرير المصير للشعوب”، لعلّ ذلك يساعد في تنفيس الاحتقان الذي يعاني منه هذا البلد الذي كان مفترضا أن يكون قدوة عربيا وأفريقيا.

كان في استطاعة الجزائر، التي استقلّت في العام 1962، أن تكون مثالا يحتذى به في العالم الثالث لو استطاع النظام فيها استغلال الثروات الطبيعية التي يتمتع بها البلد في عملية التنمية، بدل نشر الجهل والفقر وتوفير حاضنة للتنظيمات الإسلامية المتطرّفة التي تسعى إلى نشر الإرهاب في كلّ المنطقة. والمعني بكلْ المنطقة دول شمال أفريقيا والساحل الصحراوي حيث تلعب “بوليساريو” دورا في غاية الخطورة على صعيد نشر التطرّف وتشجيع كلّ ما من شأنه ضرب الاستقرار في طول الشريط الممتد من موريتانيا إلى البحر الأحمر في جنوب السودان. هذا شريط صحراوي يمرّ في جنوب الجزائر.

لو كانت الجزائر حريصة فعلا على أن تكون للصحراويين دولة أخرى غير موريتانيا، لكان عليها أن تؤمّن لهم دولة في أراضيها الشاسعة. ولكن ما العمل عندما يكون الهدف الجزائري اقتسام الصحراء مع المغرب كي يكون هناك ممرّ جزائري إلى المحيط الأطلسي، وهـو ممرّ كان المغـرب على استعداد لتوفيره للدولة الجارة في إطار سيادته على أرضه، وفي إطار التكامل الاقتصادي بين البلدين؟

لا وجود لقضيّة اسمها قضيّة الصحراء. هذا ما بدأت تدركه أفريقيا كلّها، باستثناء بعض المخدوعين من ذوي النيّات السيئة. هذا ما جعل الجزائر تفقد صوابها وتدفع “بوليساريو” إلى التحرّش بالمغرب، لعل ذلك يعيد الحياة إلى قضية منتهية.

إنها قضية مبتذلة معروف، تماما، أنّ المملكة المغربية على استعداد تام لإيجاد مخرج للمتورّطين فيها، عبر مشروع الحكم الذاتي الموسّع، الـذي طرحه منذ فترة طويلة.

ليست الصحراء موضوع الساعة. موضوع الساعة هو الجزائر ومستقبلها. ماذا سيحل ببلد يعاني من كلّ أنواع الأمراض وليس من مرض رئيسه عبدالعزيز بوتفليقة الذي لم يستطع استقبال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل أيّام. أجلت ميركل في اللحظة الأخيرة زيارتها للجزائر بعدما اعتذر بوتفليقة عن عدم استطاعته استقبالها. حصل كلّ ذلك قبل ساعة فقط من أن تستقل المستشارة الألمانية الطائرة التي كان مفترضا أن تقلّها إلى العاصمة الجزائرية...

بدل أن تلجأ المؤسسة الحاكمة في الجزائر إلى معالجة الأوضاع المهترئة في بلد يعاني من كلّ أنواع المشاكل والأزمات، إذا بها تهرب في اتجاه افتعال مواجهة مع المغرب عبر أداتها المفضلة، أي “بوليساريو”. ليس بالهرب إلى أمام يمكن أن تجد الجزائر مخارج من مشاكلها وأزماتها التي يرمز إليها وجود رجل مريض في رأس هرم السلطة.

لا يجرؤ أحد على تسمية الأشياء بأسمائها في الجزائر. ليس هناك من يتجرّأ على التساؤل لماذا الحدود مغلقة مع المغرب منذ العام 1994. هل هذا عائد إلى الخوف من أن يرى الجزائريون بأنفسهم طبيعة الحياة في المغرب، وكيف أن هناك بلدا جارا متصالحا مع نفسه لا يمتلك ثروات طبيعية مثل الجزائر، لكنّه قادر على الاستثمار في الإنسان وعلى تطوير نفسه على كلّ الصعد، اقتصاديا وثقافيا وسياسيا والانفتاح على محيطه الطبيعي.

لا يمكن للجزائر الاستمرار، إلى ما لا نهاية، في لعبة الهروب إلى خارج حدودها. هناك وضع لا بدّ من معالجته بدءا بإيجاد بديل من بوتفليقة الذي صار عاجزا عن ممارسة الحكم بسبب المرض. هذا هو الواقع، وكلّ ما عدا ذلك تفاصيل لا تقدّم ولا تؤخّر، باستثناء أنّها تزيد من عمق المشاكل والأزمات التي يعاني منها بلد لا يزال أسير عقدة المغرب منذ استقلاله.

الأمر في غاية البساطة. بل أبسط بكثير مما يُعتقد. بدل السعي إلى الانتقام من المغرب بسبب الاختراقات التي حقّقها محمّد السادس في دول أفريقية عدّة ووظّفها في سبيل عـلاقات أفضل وتنسيق في كل ما يمكن خدمة التنمية والإسلام الحقيقي البعيد عن التطرّف… لماذا لا تكون هناك محاولة للسير على خطى المغرب من دون حياء أو خجل؟

أليس ذلك الطريق الأقصر من أجل الانتقال إلى حال مختلفة، بدءا بالاعتراف بأنّ الجزائر في حاجة قبل أيّ شيء آخر إلى رئيس جديد ليست لـديه عقدة المغرب، بل لديه توق إلى تجاوز هذه العقدة. هذا يعني، في طبيعة الحال، الاهتمام بالإنسان الجزائري وتطويره انطلاقا من التعليم، وصولا إلى العناية الصحية، مرورا بطبيعة الحال في استغلال الثروات الطبيعية من أجل توفير بنى تحتية ومساكن للفقراء والشباب، بعيدا عن الاستثمار في كلّ ما يمكن أن يؤذي الدول الجارة، على رأسها المغرب طبعا…

المصدر : صحيفة العرب

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يدفع المغرب ضريبة النجاح… عندما يدفع المغرب ضريبة النجاح…



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon