القيصر في سورية… بين أميركا وإيران

'القيصر' في سورية… بين أميركا وإيران

'القيصر' في سورية… بين أميركا وإيران

 لبنان اليوم -

القيصر في سورية… بين أميركا وإيران

بقلم : خير الله خير الله

هناك أحداث غريبة تدور في سوريا. تجري هذه الأحداث في وقت تبدو الإدارة الأميركية الجديدة مصمّمة أكثر من أيّ وقت على إخراج إيران وميليشياتها من هذا البلد في ظلّ السعي إلى تحقيق نوع من التفاهم بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين. هل يحصل مثل هذا التفاهم؟ أي انعكاسات ستكون له على العلاقة الإيرانية – الروسية، خصوصا في مجال التنسيق الذي لا يخلو من تنافس بين الجانبين في سوريا؟

ما الذي وراء الأحداث الغريبة التي تدور من سوريا أو محيطها، وكان آخرها انعقاد مؤتمر في بيروت ضمّ معارضين، من نوع معيّن، وموالين للنظام؟ من الملفت أن سفراء يمثلون دولا عدة في لبنان، من بينها روسيا، حضروا هذا المؤتمر.

كان هناك بحث في المؤتمر الذي استضافه أحد فنادق العاصمة اللبنانية في عودة أهل القصير إلى منازلهم وأرضهم. معروف جيدا من هجّر أهل القصير ولماذا كان مطلوبا تهجير هؤلاء من منطلق واضح. تختزل هذا المنطلق الرغبة في إقامة منطقة عازلة على طول الحدود اللبنانية – السورية خالية من السنّة. يطرح “حزب الله” نفسه وكأنّ لا علاقة له بتهجير أهل القصير والمشاركة في الحرب التي يشنّها النظام الأقلّوي على شعبه من منطلق مذهبي بحت.

لم تكن روسيا بعيدة عن مؤتمر بيروت، لكنّ اللاعب الأهمّ كان إيران، عبر “حزب الله. من الواضح أنّ الحزب، الذي بات يعرف أن لا مجال لتغيير طبيعة التركيبة السكانية في سوريا، بدأ يقيم حسابات للمستقبل. هل يترك المصالحة مع أهل السنّة لروسيا وحدها التي دخلت في تحالف استراتيجي مع تركيا والتي تنسّق كلّ خطوة تقوم بها مع إسرائيل؟

من الطبيعي أن يستوعب “حزب الله” أخيرا أن الدخول في عداء مع الشعب السوري خطأ كبير يرتكبه. سيأتي يوم يهدّد فيه السوريون العاديون أي مكان يوجد فيه “حزب الله”. بل يمكن لهذا العداء أن يصبح عداء سوريا لشيعة لبنان الذين لا علاقة لأكثريتهم بالحرب التي يشنّها “حزب الله” على الشعب السوري. سيتبيّن مع مرور الوقت ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت إيران، عبر أدواتها اللبنانية، إلى تنظيم مؤتمر في بيروت من أجل إعادة أهل القصير إلى أرضهم من منطلق أن خطر “داعش” و“التكفيريين” قد زال. هل زال الخطر فعلا بقدرة قادر بين ليلة وضحاها؟

هناك حدث غريب آخر شهدته سوريا في الفترة الماضية. ملأت الدنيا إشاعات عن مرض رئيس النظام بشّار الأسد ونقله إلى مستشفى لمعالجته من “جلطة”. بقيت هذه الإشاعات مجرّد إشاعات أطلقتها أجهزة روسية أو غير روسية لغرض في نفس يعقوب. لكنّ الثابت أن شيئا ما تحقّق من خلف إطلاق الإشاعات المتعلّقة بمرض رئيس النظام السوري. ظهر جليّا أن لا اهتمام داخليا في سوريا بصحّة “الرئيس”. مرض أم لم يمرض. المواطن السوري في عالم آخر، وآخر ما تهمّه الحال الصحّية لبشّار. لم يتأثر السوريون بالإشاعات، ولم يبتهجوا عندما شاهدوا رئيس النظام يسعى إلى تأكيد أنّه في صحة جيدة. لم يوجد من يطلق سهما ناريا أو رصاصة ابتهاج بظهور من يسمّى “الرئيس”. صار كلّ سوري يعرف أن البلد تحت استعمارين إيراني وروسي، وأنّ هناك مناطق نفوذ معترفا بها لتركيا وإسرائيل. صار السوري العادي يعرف أنّ النظام أصبح من الماضي، وأن السؤال الحقيقي بالنسبة إلى المستقبل هو ما الذي ستفعله الإدارة الأميركية، وهل ستدخل في صفقة مع روسيا وما تأثير هذه الصفقة، في حال إتمامها على العلاقات بين موسكو وطهران.

بعد أقلّ من شهر، تمرّ ست سنوات على اندلاع الثورة الشعبية في سوريا. كلّ الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية مخيفة، خصوصا الأرقام المتعلّقة بعدد القتلى والمهجّرين. الثابت الوحيد أنّ هناك دولة أزيلت من خارطة الشرق الأوسط. فكلّ كلام عن بقاء سوريا موحّدة لم يعد له معنى. ستنشأ كيانات عدّة في سوريا. لا يمكن لتركيا التخلي عن منطقة تابعة لها في الشمال السوري، خصوصا بعد الحلف الاستراتيجي الذي أقامته مع روسيا. سمح هذا الحلف لفلاديمير بوتين بكسب معركة حلب بسهولة. يعرف الرئيس الروسي تماما أن ذلك لم يكن ممكنا من دون التواطؤ التركي.

أتاح هذا الحلف الاستراتيجي لبوتين تحسين مواقعه في سوريا. بعد معركة حلب، صار في استطاعته التفاوض مع دونالد ترامب من موقع مختلف. هذا يفسّر كلّ ذلك الاستعجال في إنهاء كلّ موضوع حلب قبل نهاية العام 2016 وقبل دخول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني ـ يناير الماضي.

في نهاية المطاف، ما الذي تريده روسيا في سوريا باستثناء السيطرة على الساحل لأسباب مرتبطة بأنابيب الغاز الذي كان يمكن أن تصل إليه من الخليج؟ هل لدى روسيا نموذج ما تقدّمه لسوريا؟ ليس سرّا أن روسيا تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، وأنّ فلاديمير بوتين يسعى بيديه ورجليه إلى التخلّص من العقوبات الأميركية والدولية المفروضة على بلاده منذ احتلالها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في العام 2014. صحيح أن شبه الجزيرة تلك كانت أصلا أرضا روسية، لكنّ الصحيح أيضا أنهّا أصبحت أوكرانية بعدما تخلّى عنها نيكيتا خروشوف لأوكرانيا عندما أصبح أمينا عاما للحزب الشيوعي السوفياتي خلفا لجوزيف ستالين في العام 1953.

ليس ما يدعو للغرق في تفاصيل الماضي، لكنّ الواقع يقول إن بوتين على عجلة من أمره بالنسبة إلى التخلص من العقوبات وعقد صفقة مع ترامب. إنه يعرف أنّ ذلك ليس ممكنا من دون إخراج إيران من هذا البلد. كيف يوفق “القيصر” بين أميركا وإيران؟ هل هذا ممكن عندما تكون هناك إدارة أميركية مستعدة لوضع “الحرس الثوري” الإيراني على لائحة الإرهاب؟

بعد ست سنوات على اندلاع الثورة السورية، ليست سوريا التي تغيّرت بل طبيعة الصراع على سوريا أيضا. معروف ماذا تريد تركيا ومعروف ماذا تريد إسرائيل. معروف أن هناك حلفا تركيا – روسيا في العمق وتفاهما روسيا تاما مع إسرائيل وأن العلاقات التركية – الإسرائيلية عادت إلى سابق عهدها بعد قطيعة استمرّت بضع سنوات.

ليست رغبة إيران في إعادة أهل القصير إلى بلدتهم سوى تعبير عن عمق المأزق الإيراني ووصول “الجمهورية الإسلامية” وأدواتها إلى طريق مسدود في سوريا.

في استطاعة إيران أن تشتري كل الأراضي التي تريد، وأن تهجّر مئات آلاف السوريين بهدف تغيير طبيعة دمشق ومحيطها في سياق عملية التدمير المنظّمة للمدن السورية الكبيرة. يبقى أن كلّ ذلك مجرّد أعمال إجرامية لا يمكن توظيفها سياسيا. فالدور الإيراني في سوريا انتهى في اليوم الذي سقط فيه النظام الأقلوي الجـاثم على صـدور السوريين منذ نصف قرن.

سقط النظام لحظة تحداه أطفال من درعا في مثل هذه الأيّام قبل ست سنوات. سقط قبل ذلك، عندما اضطر إلى التواطؤ في مثل هذه الأيّام أيضا من العام 2005 في جريمة اغتيال رفيق الحريري معتقدا أن ذلك سيبقيه في لبنان بمجرّد تمديد ولاية رئيس للجمهورية كان اسمه إميل لحّود رغم صدور قرار عن مجلس الأمن يرفض ذلك بوضوح ليس بعده وضوح…

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيصر في سورية… بين أميركا وإيران القيصر في سورية… بين أميركا وإيران



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon