ما وراء استبعاد الأكراد في العراق

ما وراء استبعاد الأكراد في العراق

ما وراء استبعاد الأكراد في العراق

 لبنان اليوم -

ما وراء استبعاد الأكراد في العراق

بقلم : خيرالله خيرالله

ليست سياسة إيران في العراق سوى ترجمة لحال الجمود الأميركية التي ذهب ضحيتها، إلى الآن، بلدان عربيان هما سوريا والعراق والتي لا يستبعد أن تذهب ضحيتها بلدان أخرى في المنطقة…

ليس ما يشير إلى أن العراق لن يقسّم. المشروع الإيراني في العراق تقسيمي. ولا دليل حتى الآن على أنه يواجـه عقبات حقيقية في ظلّ إدارة أميركية صبت كل جهودها على تفتيت المنطقة عن قصد أو عن غير قصد.

بالنسبة إلى العراق، تبدو عملية التفتيت مدروسة وقادها نائب الرئيس جو بايدن الذي سبق له أن كتب مقالا في العام 2006 وقّعه معه لسلي غلب الذي كان وقتذاك رئيسا لـ”مجلس العلاقات الخارجية”، أحد أهمّ مراكز الأبحاث الأميركية. يدعو المقال، صراحة، إلى قيام ثلاثة أقاليم في العراق (شيعي، سنّي، كردي). كان بايدن وقتذاك عضوا في مجلس الشيوخ. كلّ ما حصل في السنوات التي أمضاها باراك أوباما في البيت الأبيض، يشير إلى أن الخط الذي رسمه نائب الرئيس هو الخط الذي تسير فيه الإدارة. هذا لا يعني أنّ إيجاد أقاليم عراقية أمر سيء بحد ذاته. الأمر السيء هو استغلال إيران للسياسة الأميركية من أجل تنفيذ استراتيجية خاصة بها في إطار مشروعها التوسّعي ذي الطابع الاستعماري الفجّ القائم على الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية.

كان آخر دليل على مدى الرغبة الأميركية في الاستجابة للطموحات الإيرانية سكوت واشنطن على ما يقوم به “الحشد الشعبي” تمهيدا لمعركة الموصل. هناك مساهمة أميركية في إيجاد تغطية للدور الذي ستلعبه الميليشيات المذهبية التابعة لإيران في وقت تنصبّ الجهود على إبعاد الأكراد عن أي موقع مهمّ في السلطة.

يبدو مطلوبا أكثر من أيّ وقت، في مرحلة الإعداد لمعركة الموصل، دفع الأكراد إلى اتخاذ قرار نهائي بإقامة دولتهم وقطع العلاقات مع بغداد. من يعمل كلّ شيء من أجل إقالة هوشيار زيباري من وزارة المال، إنّما يسعى عمليا إلى قطع شعرة معاوية مع المكوّن الكردي الطامح أصلا إلى إيجاد صيغة ذات طابع فيدرالي في العراق.

كان هوشيار زيباري في الماضي وزيرا للخارجية. استطاع إلى حد كبير، في أثناء وجود نوري المالكي في موقع رئيس الوزراء المحافظة على نوع من التوازن على صعيد السياسة الخارجية للعراق، خصوصا في مجال العلاقات بين العراق ومحيطه العربي عموما والخليجي تحديدا. فعل ذلك على الرغم من كلّ الضغـوط التي تعرّض لها بعدما عاد المالكي إلى موقع رئيس الوزراء في العام 2010 بموجب صفقة أميركية ـ إيرانية.

في العـام 2016، بعـدما اضطر زيبـاري إلى تولي وزارة المال إثر إصرار إيران على أن يكـون وزير الخارجية العراقيـة مجرد تابع لها، كما الحال الآن، صار مطلوبا خـروج الممثـل الأساسي للأكـراد من الحكومة. من السهل توجيه تهمة الفساد إلى أيّ كان في العراق. ضاعت المليارات من الدولارات في البلد في ظروف غامضة، خصوصا في عهد المالكي الذي لعب دورا أساسيا في إخراج هوشيار زيباري من الحكومة التي يرأسها حيدر العبادي. هل دفع الممثل الأساسي للأكراد في الحكومة ثمن الصراع الدائر بين المالكي والعبادي… أم كلّ ما في الأمر أنّ هناك توجّها عاما إلى دفع الأكراد نحو الذهاب بعيدا في مشروع الانفصال الـذي يؤمنون بـه أصلا، علما وأنّهم يدركون أنّ عليهم أن يأخذوا في الاعتبار الظروف الإقليمية في كلّ وقت من الأوقات؟

في كلّ الأحوال، يبدو جليّا أنّ ثمّة من يستخدم الأشهر القليلة الباقية من عهد باراك أوباما لخلق وقائع جديدة على الأرض. العراق من بين الأماكن المستهدفة. تسعى إيران إلى استغلال الدعم الأميركي في معركة الموصل التي يجري الإعداد لها على قدم وساق، لكنها لا تريد في الوقت ذاته أن يكون هناك شريك لـ“الحشد الشعبي” متى تنتهي المعركة. لا تريد إيران مقاتلين أكرادا يشاركون في معركة الموصل التي يفترض أن تكون في سياق استراتيجية محددة تخدم مشروعها لا أكثر.

من يعود إلى الظروف التي رافقت سقوط الموصل في يد “داعش” قبل عامين، في عهد حكومة المالكي، لا يستطيع إلا أن يتساءل كيف استطاع هذا التنظيم الإرهابي السيطرة على إحدى أكبر المدن العراقية بهذه السهولة، وبهذا العدد القليل من المقاتلين؟ الأهمّ من ذلك من يتحمّل نتائج هذه الكارثة، اللهمّ إلا إذا كان سقوط الموصل عملا مدروسا لا هدف منه سوى تبرير المزيد من عمليات التطهير ذات الطابع المذهبي بحجة الحرب على “داعش”؟

هذا ما حصل بالفعل. وهذا ما هو مرشّح للازدياد في مرحلة ما بعد إخراج “داعش” من الموصل في يوم من الأيّام. الفارق مع الأكراد أن الإدارة الأميركية تبدو مستعدة للعب دور شاهد الزور في الموصل، فيما لا يستطيع الأكراد لعب هذا الدور حتّى لو شاءوا ذلك. هذا ما يفسّر الحملة على هوشيار زيباري التي هي في واقع الحال حملة على الأكراد من جهة، ودعوة لهم إلى الانكفاء من جهة أخرى.

ارتضت إدارة أوباما، التي لا تهمّها سوى حماية الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني، توفير الغطاء لمعركة الموصل. في عهد جورج بوش الابن، تدخلت أميركا عسكريا في العراق وسلّمته على صحن من فضّة إلى إيران. في عهد باراك أوباما، استكملت الولايات المتحدة دورها. انسحبت من العراق وسلّمته أمانة إلى إيران. عندما تخوض إدارة أميركية حربا من أجل خدمة إيران، لا يعود مستغربا أن تكمل إدارة أخرى المهمّة بحجة أنّها لا تريد الوقوع في الأخطاء ذاتها للإدارة السابقة!

في وقت تمتحن فيه روسيا وإيـران الإرادة الأميركية في سوريا. في وقت تتعرض حلب لمحرقة تنفذها روسيا وإيران، هناك رئيس أميركي لا يحرّك ساكنا. لا يدري باراك أوباما ما الذي يجب عمله. كان الانسحاب الأميركي من العراق في العام 2010 والقبول بالشروط التي فرضها رئيس الوزراء الجديد نوري المالكي على الدولة التي جاءت به إلى السلطة على ظهر دبّابة مؤشـران إلى مـا سيكون عليه عراق المستقبل.

كان التخاذل الأميركي في العراق بمثابة دليل مسبق على أن باراك أوباما سيتخاذل أيضا في سوريا وصولا إلى ما وصل إليه الوضع في حلب لا أكثر ولا أقلّ. لا يزال أوباما يطرح على نفسه أسئلة من نوع: هل كان عليّ التصرّف بطريقة مختلفة تجاه سوريا في الأعوام الخمسة أو الستة الماضية؟ هذا على الأقلّ ما ورد على لسان الرئيس الأميركي في حديث طويل مع مجلة “فانيتي فاير” نشر قبل أيّام. مازال أوباما يفكّر ويراجع حساباته.

ليس مستغربا أن يوجد من يسعى إلى استغلال حال الجمود التي قرّر اعتمادها. ليست سياسة إيران في العـراق سـوى ترجمة لحال الجمـود الأميركية التي ذهب ضحيتها، إلى الآن، بلدان عربيان هما سوريا والعراق والتي لا يستبعد أن تذهب ضحيتها بلدان أخرى في المنطقة…

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء استبعاد الأكراد في العراق ما وراء استبعاد الأكراد في العراق



GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:42 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

GMT 18:42 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

GMT 18:41 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كمالا تحول ترامب من شبه شاب.. إلى عجوز!

GMT 23:10 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

"بيبي" يريد مزيدا من الدمّ بدل قليل من السياسة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon