مغرب الاعتدال… يجمع بين العدالة والأصالة

مغرب الاعتدال… يجمع بين 'العدالة' و'الأصالة'

مغرب الاعتدال… يجمع بين 'العدالة' و'الأصالة'

 لبنان اليوم -

مغرب الاعتدال… يجمع بين العدالة والأصالة

بقلم :خير الله خير الله

أن ينجح المغرب في إجراء انتخابات نيابية في منطقة تطوّقها الحرائق، دليل على وجود تلك الرؤية الشاملة والطليعية لدى الملك محمّد السادس. تلك رؤية تجمع بين “العدالة”، وهو حزب إسلامي، و”الأصالة” وهو حزب ينادي بالدولة المدنية في مجلس نيابي واحد.

إنّها رؤية تقوم على نشر ثقافة الاعتدال والتوازن في المملكة وخارجها وتكريسها. أكثر من ذلك، ما يشهده المغرب من تطورات دليل على تلك اللحمة القائمة بين المواطن والملك، وهي لحمة تقوم أوّل ما تقوم على نظام ملكي متصالح مع نفسه ومع الشعب، أي على إيمان بشرعية عميقة للنظام موجودة وراسخة في وجدان كلّ مغربي.

فاز من فاز في الانتخابات وخسر من خسر. هناك خارطة سياسية مختلفة في المغرب. الرابح الأوّل يظل المغرب نفسه الذي أثبت شعبه قدرة على تطوير الحياة السياسية في البلد بعيدا عن التطرف والعنف. هناك رغبة واضحة لدى المغاربة في المضي في مسيرة الإصلاحات على كلّ صعيد وذلك بعد إقرار دستور العام 2011 في استفتاء شعبي.

فهم إسلاميو المغرب الرسالة. اندمجوا باللعبة الديمقراطية وحاولوا الاستفادة منها قدر الإمكان. أثبتوا مرّة أخرى نهم الحزب المنظم شبه الوحيد في المغرب وذلك بفوزهم بمئة وخمسة وعشرين مقعدا في المجلس الجديد الذي يضم 395 عضوا.

استطاع “حزب العدالة والتنمية” بزعامة عبدالإله بن كيران زيادة عدد نوابه الذين كان عددهم في المجلس السابق مئة وسبعة نوّاب. سيساعد ذلك بن كيران في إيجاد تحالفات حزبية بعد أن يطلب منه محمد السادس، بموجب الدستور المعمول به، تشكيل الحكومة الجديدة.

يبدو واضحا أنّ “العدالة والتنمية” الذي كان زعيمه على رأس الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات 2011، استطاع مقاومة الصدأ الذي يصيب الأحزاب التي تبقى طويلا في السلطة. فبعد خمس سنوات على رأس الحكومة، أظهر بن كيران أن حزبه يمتلك قاعدة ثابتة لم تتأثّر بكل أنواع الإخفاقات والفضائح، بما في ذلك الفضائح الجنسية، التي طاولت عددا لا بأس به من قياديي الحزب من الجنسين.

في الواقع، استطاع “العدالة والتنمية” الصمود. لعلّ استفادته الكبرى كانت من أن الإقبال على صناديق الاقتراع لم يرتفع مقارنة مع انتخابات 2011، لذلك حسّن وضعه في المجلس الجديد، في وقت لم تتمكن الأحزاب التقليدية الأخرى، على رأسها “الاستقلال” من إعادة تأهيل نفسها وحشد مناصريها ودفعهم إلى التصويت.

هذا لم يمنع “الاستقلال” الذي يحتاج إلى تجديد لشبابه، من الحصول على واحد وأربعين مقعدا والحلول ثالثا خلف “الأصالة والمعاصرة” الذي كان النجم الصاعد في هذه الانتخابات.

سجل “الأصالة والمعاصرة” بزعامة إلياس العمّاري رقما جيدا وذلك بحصوله على مئة مقعد ومقعدين اثنين. سيكون من الصعب إيجاد تحالف بين الإسلاميين و”الأصالة” في ضوء التباعد بينهما، والخلافات في النظرة إلى المجتمع وإلى الأمور العامة.

لكنّ الثابت أن بروز حزب علماني في وجه الإسلاميين، على الرغم من أنّ هؤلاء يؤكدون المرّة تلو الأخرى أنّ حزبهم لا ينتمي إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، يشكّل ظاهرة صحية. تختزل هذه الظاهرة كلمة واحدة هي التوازن. المغرب بلد التوازنات.

صار هناك الآن توازن بين حزبين كبيرين يراقب كلّ منهما الآخر في إطار العمل التشريعي الذي يؤدّيه مجلس النوّاب. ما أسفرت عنه انتخابات مجلس النوّاب المغربي خطوة أخرى في غاية الأهمّية كي يسود التوازن كلّ مرافق الحياة في المملكة.

هذا لا يعني أن على الأحزاب الأخرى الاستسلام للثنائية الجديدة بين قطبين كبيرين في البرلمان لا يجمع بينهما شيء باستثناء خدمة المغرب، كل على طريقته. على العكس من ذلك، من واجب الأحزاب تطوير نفسها بغية الوصول إلى مرحلة يكون فيها تداول فعلي في ما بينها في ما يخص موقع رئيس الوزراء.

فإذا كان من تقصير في الانتخابات، فإنّ هذا التقصير يقع على عاتق الأحزاب التي لم تستطع حمل مؤيديها على زيادة نسبة الإقبال على التصويت تاركة لـ”العدالة والتنمية” المجال للظهور في مظهر الحزب شبه الوحيد القادر على حشد مؤيديه وأنصاره في انتخابات تميّزت بالشفافية ووقوف القصر على مسافة واحدة من كلّ المرشّحين والأحزاب.

كانت الانتخابات مهمّة من زاوية أنّها تؤكد أن المسيرة المغربية مستمرة. هناك خطوط عريضة لتلك المسيرة التي نقلت المغرب إلى مصاف الدول الآمنة القادرة على التقدّم على الرغم من عدم امتلاكها ثروات طبيعية كبيرة مثل النفط والغاز.

تقوم هذه المسيرة على الاعتدال. هذا الاعتدال يسمح للمغرب في تحسين أوضاعه على كلّ صعيد بالارتكاز على الإنسان المغربي الذي يظلّ موضع الاهتمام الأوّل للملك محمّد السادس والثروة الأولى للمملكة.

تصبّ التجربة الانتخابية في الاستثمار في الإنسان المغربي كي يعيش في بلد يلقى فيه كلّ احترام، في بلد يسوده الاعتدال على كل صعيد، في بلد قادر على تقديم نموذج يحتذى به على الصعد العربية والأفريقية والإسلامية. فالمغرب صار من البلدان العربية القليلة التي تجري فيها انتخابات وتتنافس أحزاب لديها برامج تعتمد لغة الأرقام.

المغرب فوق ذلك كلّه، بلد تتعايش فيه الأديان والجنسيات المختلفة، كما أنّه بلد يصرّ فيه الملك على تحسين مستوى التعليم، مشددا على أهمية اللغات الأجنبية وعلى أن تعلّم هذه اللغات لا يتناقض مع الدفاع عن العربية والمحافظة عليها.

ليست صدفة أن تكون الانتخابات جرت في أجواء هادئة. صار مثل هذا النوع من الاستحقاقات الدستورية أمرا طبيعيا في المغرب حيث بات الدستور الحديث، دستور 2011، هو الحكم. هناك دستور وهناك ضوابط أيضا. لن يتمكن ابن كيران من تشكيل حكومة جديدة بسهولة على الرغم من أن لديه 125 نائبا من أصل 395، ستكون هناك حاجة إلى أخذ ورد، وإلى أخذ في الاعتبار لطموحات الأحزاب الأخرى التي ستؤمن أكثرية للحكومة الجديدة.

سيتعاون الإسلاميون مع ليبيراليين ومع يساريين من أجل تشكيل الحكومة الجديدة. كلّ شيء في المغرب يجري تحت سقف الدستور وتحت سقف الاعتدال والتوازن. ليس هناك حزب قادر على فرض أجندته وخياراته على الآخرين.

الأهمّ من ذلك، أنّه ليس هناك من يستطيع الخروج عن الخيارات الوطنية التي في أساسها الدفاع عن المصالح المغربية، على رأسها الوحدة الترابية للمملكة وأمن المواطن وحقوقه، خصوصا حقوق المرأة.

كذلك، ليست صدفة أن الأقاليم الجنوبية، أي الأقاليم الصحراوية، شاركت مثلها مثل غيرها في الانتخابات. لم تكن حماسة المواطنين في العيون والداخلة أقل من حماسة المواطنين في الرباط أو الدار البيضاء أو طنجه أو فاس أو مكناس أو تطوان أو وجده أو الحسيمة…

المغرب بلد يتطلع إلى المستقبل، فيما غيره من جيرانه في أسر الماضي. لم تكن الانتخابات سوى جزء من هذا التطلع ومن تلك الرؤية التي يتمتع بها محمّد السادس الذي استطاع جعل بلده يتجاوز “الربيع العربي” بطريقة ذكيّة جعلت المغرب من البلدان القليلة التي عرفت كيف تجعل هذا “الربيع” عاملا إيجابيا وفرصة للمزيد من الالتصاق بثقافة الحياة والتقدّم والتطور والانفتاح على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم من دون أيّ عقد من أيّ نوع…

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مغرب الاعتدال… يجمع بين العدالة والأصالة مغرب الاعتدال… يجمع بين العدالة والأصالة



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon