لا بديل من مصر

لا بديل من مصر

لا بديل من مصر

 لبنان اليوم -

لا بديل من مصر

بقلم : خير الله خير الله

في الذكرى الخامسة والستين للانقلاب العسكري في مصر، أو ما يسمى “ثورة 23 يوليو”، لا بدّ من طرح سؤال في غاية البساطة: أين مصر؟

لا تزال مصر موجودة، لكنّ وضع مصر بكلّ ثقلها ودورها الذي مر بمراحل عدة مختلفة، يوحي بجملة من الملاحظات تصب كلها عند نقطة واحدة.

هذه النقطة هي أن لا بديل من مصر ولا غنى عن مصر من أجل استعادة بعض التوازن على الصعيد الإقليمي في وقت تلعب قوى غير عربية دورها في تفتيت الشرق الأوسط وإقامة مناطق نفوذ فيه. هذه القوى هي إسرائيل وتركيا وإيران في طبيعة الحال.

تمتلك إسرائيل مشروعها الخاص الذي يتمثّل في منع قيام دولة فلسطينية مستقلة، فيما لدى تركيا هم لعب دور القوة المهيمنة في محيطها مع الترويج في الوقت ذاته لمشروع متخلّف هو مشروع الإخوان المسلمين الذي لم يجلب إلا الخراب والمصائب حيث حل.

لعل أفضل دليل على ذلك ما قامت به تركيا في غزة في العام 2010. جعلت أهل غزة، الذين يعيشون في ظل “الإمارة الإسلامية” التي أقامتها “حماس” يعتقدون أن الحصار الإسرائيلي سيزول، فإذا به يترسخ بفضل الدور التركي القائم على غياب أي فهم لحقيقة ما تعاني منه غزّة في ظل حكم “حماس”.

أما إيران فهي تمتلك مشروعا توسعيا يقوم على الاستثمار في تأجيج الغرائز المذهبية وضرب المجتمعات العربية من داخل. ما فعلته إيران في لبنان، وما زالت تفعله في العراق وسوريا يعطي فكرة عن سياسة لا تستهدف سوى التدمير من جهة، وجعل دول عربية بمثابة جرم يدور في الفلك الإيراني لا أكثر من جهة أخرى، وذلك على غرار ما كانت عليه دول حلف وارسو وغيرها في أيّام الاتحاد السوفياتي السعيد الذكر. ليس تدمير المدن العربية الواحدة تلو الأخرى، آخرها الموصل، وقبلها حلب، سوى مرآة للطموحات الإيرانية.

أين مصر من كل ذلك؟ لا بديل من مصر. هذا واقع يفرضه التاريخ والجغرافيا على الرغم من كل الدور السلبي الذي لعبته “ثورة 23 يوليو” على الصعيد الداخلي وعلى صعيد المنطقة كلها.

ألحقت مصر، منذ تخلصها من الملكية أضرارا لا تحصى بالمنطقة العربية، وصولا إلى مرحلة صارت فيها القاهرة، التي كانت مدينة إشعاع للنهضة العربية، تتأثر بأي فكر متخلف مصدره الخارج، بما في ذلك قطاع غزّة. في السنوات الأخيرة من عهد حسني مبارك، صارت غزة تؤثر في مصر وليس العكس.

لم يكن “الضباط الأحرار” الذين انقلبوا على النظام على الملك فاروق سوى حاقدين على المدينة لا يمتلكون أي ثقافة سياسية حقيقية تجعلهم مرتبطين بالقيم الحضارية التي جعلت من مصر نموذجا لما يمكن أن تكون عليه دولة حديثة مطلع خمسينات القرن الماضي.

لم يستوعب جمال عبدالناصر، خصوصا بعد التخلص من محمد نجيب ووضعه في الإقامة الجبرية، معنى ارتباط مصر بالضفة الأوروبية من المتوسّط. أخذ البكباشي جمال عبدالناصر مصر والعرب من كارثة إلى أخرى.

لم يفهم معنى أن بقاء الجاليات الأجنبية في مصر أهمّ بكثير من قرار لا معنى له في المدى الطويل، مثل قرار تأميم قناة السويس. كانت القناة ستعود إلى مصر بعد سنوات قليلة من صدور قرار التأميم في العام 1956.

الأخطر من ذلك كله، أن عبدالناصر لم يستطع استيعاب معنى انسحاب بريطانيا وفرنسا عسكريا من القناة وانسحاب إسرائيل من سيناء. اعتقد أنه حقق انتصارا عسكريا على ثلاث دول دفعة واحدة.

لم يتوقف لحظة عند معنى الانسحاب البريطاني والفرنسي والإسرائيلي من الأراضي المصرية، وأن هناك قرارا أميركيا اتخذه الرئيس دوايت ايزنهاور وقتذاك، بمعاقبة الذين يقفون خلف “العدوان الثلاثي” على مصر. أراد ايزنهاور إفهام كلّ من يعنيه الأمر من الحلفاء أن شن حروب من خلف ظهر الولايات المتحدة ليس مقبولا بأي شكل!

لم يكن من خطأ إلا وارتكبه جمال عبدالناصر الذي يعتبر المؤسس الفعلي لمرحلة الانقلابات العسكـرية، علما أن الانقلاب الأول في العام 1949 كان في سوريا وقام به ضابط أرعن هو حسني الزعيم.

تسبب جمال عبدالناصر في سقوط النظام الملكي في العراق. لم يرَ العراق يوما أبيض منذ اغتيال أفراد العائلة المالكة في الرابع عشر من تموز- يوليو 1958. أسّس، عن طريق الوحدة التي استمرّت ثلاث سنوات، للنظام الأمني سوريا.

لا تزال سوريا تعاني إلى اليوم من تركة عبدالناصر والتأميمات والاشتراكية المرتجلة التي هجرت كل سوري يمتلك أي مؤهلات من سوريا. هذا غيض من فيض ما ارتكبه عبدالناصر الذي لم يمتلك ما يكفي من الوعي لفهم أنّ لا مصلحة لمصر في معاداة الولايات المتحدة. كانت النتيجة هزيمة 1967 التي لا تزال المنطقة تعاني منها إلى اليوم.

في الإمكان وضع كتاب عن المآسي التي تسبب بها ناصر ورجاله من أمثال عبدالحكيم عامر. لكنّ الواقع يبقى الواقع. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ المنطقة العربية في حاجة، هذه الأيّام، إلى مصر أكثر من أيّ وقت.

كان القرار العربي القاضي بإنقاذ مصر من براثن الإخوان المسلمين من بين أكثر القرارات شجاعة التي اتخذت على المستوى الإقليمي. دعمت دول عربية عدة ثورة الشعب المصري على الإخوان في الثلاثين من حزيران- يونيو 2013.

عاد هناك أمل في مصر بعد المساعدات التي سارعت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت إلى تقديمها لمصر. أدّى القرار الذي اتخذه العرب الواعون إلى إنقاذ مصر. حال القرار دون سقـوطها.

كانت إيران تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على محمد مرسي، وكانت تركيا تنتظر خلف البـاب بعـدما أصبح رئيس مصر مـن الإخوان المسلمين. وكانت هناك أطراف إقليمية تعتقد أن مصر تحكم من خارج مصر وفق ما يخطط له التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

لا مفرّ من الاعتراف بأنّ مصر تعاني من مشاكل كثيرة، يعود بعضهـا إلى مـا تسبب به الانقلاب العسكري للعام 1952، لكن ما لا بدّ من الاعتراف به أيضا أنه لم يكن هناك بديل من إنقاذ مصر والحؤول دون تحولها إلى شـركة مسـاهمة تركية- إيرانية ورئيسها مجرّد موظّف عند الإخوان المسلمين؟

تبقى مصر حاجة عربية. ليس بسبب ثقلها السكاني وموقعها الجغرافي فقط، بل بسبب الحاجة إلى جيشها أيضا. تسببت مصر بكوارث كثيرة، لكنها تبقى حاجة، لا لشيء سوى لأنّ الأمل لم يفقد بعد في إمكان إعادة الحياة إلى اقتصادها الذي سيظل يواجه تحديا مصيريا في أساسه الاستقرار الأمني والنمو السكاني الهائل وتقلص المساحات الزراعية فضلا عن البرامج التعليمية المهترئة التي لا تنتج سوى أشباه أميين مؤهلين لأن يكونوا إرهابيين بامتياز…

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا بديل من مصر لا بديل من مصر



GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 11:13 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 17:50 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

نجاحات مغربية... و يقظة ضرورية

GMT 20:01 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:17 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
 لبنان اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
 لبنان اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon